خيارات التصدي ومطايا الاستعمار..!!

 

يحيى محمد الربيعي

قالوا قديماً “من قلّ تدبيره برّه أكل شعيره” والمثل ينطبق على حال ما يُسمى الأنظمة السابقة… النظام الس ابق في المصطلح السياسي للعصور الحجرية أو ما يسمى أوروبيا بعصر ما قبل النهضة؛ عصر الصراع مَن أجل الكرسي.. عصر “ديكي ديكي من غلب” الذي تجاوزته الكثير من الدول لتغوص في وحل صراعاته الدول المنافقة.
العقول المتحجرة بثقافة “أنا ومن خلفي الطوفان”.. تلك العقول التي تأبى إلا أن ترى العذاب الأليم كي تؤمن بحقيقة أن الأيام دول.. العقول التي تأبى إلا أن تظل تتملك مكانة العلياء استكبارا في الأرض وإن بغير الحق.. العقول التي تتجاهل أنها خُلِقَتْ من طين.. وأن ثمة خلقاً مثلها يتواجدون ويتوالدون من حولها، وأن هذا الخلق يحتاج إلى فرص وجود.. ويشتهي في الحياة كما تشتهي أنفس المستكبرين من الرفاه والعيش الكريم.
هذا الحق الذي صار، من وجهة نظر الأنا، مجرد وسواس شيطاني يجب على الناس أن يتغلبوا عليه وأن يتناسوه وألا يفكروا بشيء يضايق الآلهة أو يعكر مزاج الوالي.
حالة الصنمية هذه هي ثقافة من “لا يؤمنون حتى تأتيهم الساعة”؛ حتى يتنزع من أيديهم ملكهم الذي ظنوا أنهم عليه قادرون.. عاكفين أو بالأصح معكتفين في محراب التنعم بالترف بحماية الانتهازية والابتزاز المصالحي الرخيص.
انتهازية “كل شيء تماااام” تلك البوتقة الضيقة التي حشر المستكبرون أنفسهم في جحرها، ولم تكن آذانهم لتصغي لغيرها.. ولم يكن فكرهم ليذهب أبعد من مداها.. استرخصوا في سبيله النقد، بل همشوه وأقصوا رواده ومبدعيه، واشتروا بثمنه شيئا قليلا من النفاق والتزلف، ليستبيحوا بذلك ما تيسر لهم من التهكم والإساءة للغير، ذلك الغير الذي لا يروق له ما هم عليه من حال الترف طمعا في أن يكون هو ربّه الأعلى.
“رضوا بالحياة الدنيا” واستقرت لها أنفسهم قناعة منها بمتاع قليل، وإن كان مصير ذلك القليل إلى زوال.
ومن أجله فرق المنافقون دينهم وكانوا شيعاً وأحزاباً ومناطق، بل وكفّر بعضهم بعضا، فضلا عن تكفيرهم للآخر الذي لا ولن يشبههم وأدان كل فريق من على شاكلته من المنازعين، بل وكل حزب منهم ذهب إلى عالمه الضيق فرحا بما اختصه لنفسه من الاستثناء، وإلى حيث وجد من يشرعن له هواه ويضع له مسارات وخطى لا تلتقي بقريب، ولا تتفق مع بعيد.. مع علم كل آحاد منهم حقيقة أن ليس من مستفيد بتطبيق تلك التشريعات سوى الشيطان الأكبر أمريكا، إسرائيل، وقرنه السعودية وشريكتها الإمارات.
مع علم كل آحاد منهم حقيقة أن ثقافة”ليخرجن الأعز منا الأذل” فيها لغة الاستكبار بغير الحق.. لغة عدم القبول بالآخر.. إنها ثقافة استبدال الطيب من التعايش بكرامة النظام والقانون في ظل حكم رشيد بالخبيث من السقوط في وحل المتناقضات والاستمتاع بعذابات الانزلاق في متاهات الإدارة بالأزماتِ.
يرتفع الضغط إلى درجة أن الواحد يحس برأسه وكأنه قد تحول إلى ضغاطة من عناء المتابعة وقراءة المتناقضات ومحاولة إيجاد ثغرة داخل هذا الركام المحبط من الهذيان والاتهامات التي ترمي جزافا من واد إلى آخر وتسفك بسببها الدماء اليمنية الزكية.. ثغرة ينفذ منها الفكر لتفسير أغوار هذا الاشتباك غير المعقول للتفاعلات ذات الطابع الانفصامي.
تخيل أن عساكر الارتزاق يأكلون أغذية فاسدة ووزراء الفنادق وقيادات الميدان الارتزاقي. ينتاحرون فيما بينهم ويتم الطرطرة بهم من قبل تحالف الشر وكأنهم دمى بين أروقة الذل السعودي والمهانة الإماراتية.
ما الذي بجبر هذه الكائنات غير العاقلة على خنوع بهكذا قدر من المهانة.. والكارثة أن كل هذا يحدث لهم وأبواب صنعاء تفتح اذرع الرحب والسعة وتصدر العفو العام، وتطلب عودة الجميع ما عدى كبار صناع إثم العدوان.
أليس جديرا بهم العودة إلى صف الوطن وتوجه فوهة البندقية الى نحور المعتدي والعدو الحقيقي لهذا البلد؟
متى تصحو عقول أولئك المغرر بهم ويدركون الفارق الشاسع بين العيش بكرامة في أحضان الوطن، والوقوف بعزة في صف الدفاع عنه وحماية مكتسباته وتحرير ترابه من دنس المستعمر وبين الاستمرار في تجرع ذل وهوان الارتزاق؟.
ومتى يعلم هؤلاء أن اليمن بجيشه ولجانه الشعبية تقف معه مقومات الانتصار، ويمتلك أسبابه.. وكل من لديه عقل وبصيرة يعرف ذلك جيدا.. بل ولا يحتاج الأمر إلى مزيد تحليل وتفنيد. فشتان ما بين من يقف على ترابه ويملك قراره وله وحدة فكر وقيادة موحدة ويلتف من حولها.. أمة تأبى الضيم ولا تقبل بغير الاستقلال والحرية غاية، وبين مجموعة من المرتزقة إلى عدو هم يعرفون نواياه وأهدافه الاستعمارية مسبقا وأن بقاءهم إلى صفه ليس إلا للمزبد من تجرع الإهانة في شخوصهم وإتاحة الفرصة لذلك العدو ليمد يد العبث في الوطن ومقدراته وأنهم لن يكونوا إلا أداة بيده يستمد من خلالهم شرعية تحقيق أهدافه وليس إعادة شرعيتهم المزعومة؟.
إن الوصف بالدمى في حقهم قليل.. بل ويستحي الواحد أن يوصفهم بالدمى لأن ذلك يعد عيباً في حق الدمى.. كونها تباع لأغراض التسلية والترفيه على الأطفال وتباع من أجل تحقيق عائد اقتصادي.. أما هؤلاء ما هي أسباب ارتزاقهم.
“القوة” أليسوا يعتبرون أنفسهم دولة؟ أين هي دولتهم التي يزعمون؟.. لِمَ لمْ تحافظ مؤسساتها على أسباب البقاء من إصلاح شأن وترتيب أوضاع إدارة وتوزيع مهام، وتهيئة أجواء النهوض وتوفير فرص عمل واستثمار للناس كي يعيشوا بكرامة بدلا من ممارسة الكذب والخداع والتضليل؛ السلوك الهمجي الذي جعل الناس يفرون إلى خيارات التصدي للظلم والطغيان.
“علم” هم يقولون أنهم أهل مدارس ولهم جامعات ومعاهد؛ أين ذهبت مخرجات ذلك العلم؟.. أليس إلى الانفصام والإرهاب؟.
“مال” وكانوا ولا زالوا فوق آبار نفط ومستودع دعم ومساعدات العالم.
“سياسة” منهم حملة دكتواره ومنهم أساتذة بدرجات ما فوق الدكتوراه في ماذا يفكرون وما هي نتائج بحوثهم والدراسات.
“عقول” هي “تييييه” التي ما يربطهم بها من اتصال.. إنها ما يمثل النقص الفعلي لديهم.. ليس لديهم حافظة تفكير سليمة.. كانوا وما زالوا يعانقون ثقافة “المؤامرة”. إذن “هو الله” الذي يمهل ولا يهمل.. !

1800 يوم من الصمود
في 1800 يوم من العدوان السعودي وما يقابله من الدفاع الواجب الديني والوطني إلّا أن أبناء اليمن من مجاهدي الجيش واللجان الشعبية ما يزالون محافظين على قيم الدين والإنْسَان ولم يتعدوا يوماً واحداً على مدنيين وأبرياء على طول أمد معركة النفس الطويل؛ رجال أحرار يحملون قيماً ونخوة دينية وعربية صحيحة هم أولئك الذين لم يسرفوا في قتال الأعداء رغم ما يرتكبه تحالف العدوان من جرائم وحشية بحق الإنْسَانية في اليمن والذي من يوم إلى آخر وهو يمعن ويسرف في القتل والحصار والتشريد وعلى عجل يسابق خُطَى الشيطان في ما تصنعه جرائمه على طول وعرض المعمورة من مشاهدُ بشعة لجرائم فظيعة ترتكبها قوى العدوان ومرتزقتهم جرائم يندى لها جبين الإنْسَانية بحق نساء وأطفال يقتلهم العدوان السعودي بدم بارد وتحت يافطة حقوق الإنْسَان ودفاعاً عن شرعية مزعومة لمسخ بشري يمثل عالةً على الإنْسَانية، هو لا يعلم لماذا الحرب، وكما هو لم يعلم متى بدأت الحرب هو كذلك لا يعرف متى ستنتهي الحرب التي أُشعل فتيلها وأطلق ساعة صفرها من واشنطن العاصمة الأبدية والمقر الدائم للشيطان الأكبر.
بمختلف أنواع السلاح وأحجامه يصبون جام غضبهم على أبناء اليمن وهم في نوم عميق تحت كنف رحمة الله ورعايته ليتدخل الشيطان ويوقظ حاشيته وبوابل من الصواريخ والقنابل العنقودية الانشطارية والمحرّمة.
وبالرغم من هذه الجراح والآلام التي سبّبها وما زال يثخنها وينخرها في الجسد اليمني ذلك النظام السعودي الإجرامي كنظام فاشي متسلط على شعوب المنطقة العربية وعلى أبناء اليمن بشكل خاص إلّا أن أبناء اليمن ما يزالون يقارعونه ويكبدونه الخسائر الفادحة وما يزال المجاهدون في أوج قوتهم ويمتلكون مخزوناً بشرياً وعسكرياً هائلاً وبثقة من الله يكسرون ويصدون زحوفات الأعداء وينكّلون بهم في مختلف الجبهات.
1800 هي يوميات العدوان السعودي الأمريكي والصمود اليمني نرى مجاهدينا بإمكاناتهم الضعيفة المحدودة يواجهون وينكلون بقوى الشر والنفاق في كُـلّ الجبهات وهم الذين يراهنون على الله وليس على الإمكانات والتسليح الصهيوني الأمريكي ولأنهم يثقون بالله لم نرهم يوماً خنعوا أَوْ جبنوا في ميادين الحرب السياسية وفي ميادين الثقافة عكس ما يحمله أولئك الذين رضوا لأنفسهم بالذل وانغمسوا في الخنوع لدول الاستكبار العالمي الصهيوني الأمريكي والذين أَصْبَـحوا مطايا لمصالح الاستعمار الجديد.
المؤمنون مجاهدون يحملون مشروعاً كبيراً ينطلق من أفكار سوية وأولئك الأعداء يحلمون بمشروع صغير تشرعنه أفكار هدامة صهيونية أمريكية، وشعب صمد لأَكْثَر من خمسة أعوام لهو قادر على الصمود جيلاً بعد جيل إلى يوم القيامة، “وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُون”.

قد يعجبك ايضا