الزّهراء أمّ أبيها .. بين الوهابيّة والقرآن

 

اشواق مهدي دومان

وفي الزّهراء مكامن العشق ومنابع الحنان التي لو تخاطبنا بها وفيها وعنها ما انتهينا من كشف الجمال الذي حطّه الله في روح هذه الدّرّة النّبويّة التي استقرّ بها جمال الكون بما لم يستقر في إنسانة وإن كان فصيل منهن مذكورا في القرآن كسيّدات نساء العالمين فهو يقين ودحض وردّ على شبهات وضعها الوهابيّون في المرأة جعلتها تحت مجهر التّكفير وبعيون الوهّابيّين قطعة فنّيّة من ضلع أعوج منتقصة ، مغيّبة عن دورها كنهضويّة في المجتمع كنصف له وكشقيقة للرّجل، وفجأة وفي خلال عام أو عامين يخرجونها من القوقعة مرّة واحدة ، وينزعون عنها برقع الحياء لتكون حاضرة مع الرّجل قبل كلّ شيء في الحفلات الرّاقصة ، وكأنّهم لا يريدونها إلّا في ذلك المكان وذلك الزّمان بلا هويّة ولا قدوة إلّا تلك المطربة أو تلك الرّاقصة التي يستقدمونها من الغرب وأمريكا والشّرق لتغني أمام عالم عاش مكبوتا مقيّدا وفجأة تعرّض لبهرجة الأضواء القويّة فما كان إلّا أن أصيب بالعمى فعيناه لم تكن متهيّئة لهكذا انفساخ ،،
نعم : أخرجت الوهابيّة عالمَينِ متناقضين من الأجيال فضغط وكبت حدّ الاختناق وتحريم مافيه حلال إلى تحلّل وانحلال وتحليل الحرام حدّ الضّياع ، وبتلك العقليّة والمشاعر المختلطة الهجينة المتشعبة المتناقضة يريدون المرأة بعد أن أزالوا أنموذج ( خديجة بنت خويلد) زوج رسول اللّه وابنته ( الزّهراء بنت محمّد) تمهيدا لتقديم المرأة بعيدا عن الطّهر الذي خصّصه اللّه لها عامّة ولــ ( أهل بيت النّبوّة ) خاصّة ، وما أرادهم ربّ العالمين إلّا مبعدا عنهم الرّجس فقد قال ( تعالى) :” ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا ” ؛ ولهذا هدمت مملكة بني سعود بيوت النّبي وآله ومن يحبّه وحوّلته إلى مرافق خدميّة ( حمّامات عامّة ) ؛ لمحو أثرهم وآثارهم وحضارتهم التي هي حضارة الإسلام الحقيقي الصحيح الحنيف
وفعلا أرادت الوهابيّة المرأة مقيّدة مائة عام ثمّ قالت لها وفجأة : اخرجي من قمقمك معاقة فكريّا ونفسيّا وعاطفيّا ، انطلقي لا كما يشاء اللّه ورسوله ولكن كما نشاء نحن ( ابن سلمان ومعبوداته ترامب ونتنياهو) ،،
و ذاك كان أنموذج المرأة التي صنعوها ، أمّا نحن فلنا الزّهراء أنموذجا وأسوة وقدوة ،الزّهراء التي لم تُكبت ولم توأد حيّة ، الزّهراء التي ربّت رجالا ولم تكن أمّا لهم فقط بل كانت أمّا لزوجها وأمّا لأبيها ،،
الزّهراء التي اجتهدت لتوصل علم وقرآن اللّه لأمّة أبيها كما فعل ذلك شريكها ورفيقها الإمام عليّ وهو باب مدينة الرسول الأعظم الذي تعهّدها بالحبّ والرّحمة ، وبهذا فقد امتدّ بناؤها وجدانيا وانتقلت من بيت الأبوّة إلى بيت الزّوجيّة في غير اختلاف الجوّ النّفسي عليها فالبيئة التّربويّة نفسها ، وقد تمّ بناؤها إنسانة بنت رسول اللّه وزوج هارونه إلّا أنّه لا نبيّ بعده ..
بُنيت الزّهراء قويّة بشخصيّة واثقة باللّه قد نضجت قبل سنّ النّضج المعروفة في عالم الأحياء والنّفس الذي يقسّم بناء شخصية الفرد على مراحل ، بينما الزّهراء نضجت فكرا وعلما ونفسا وروحا وعاطفة نضج رسالة رسول اللّه ونضج أمّها السيّدة الأولى المشهود لها بالطّهر والعفاف في مجتمع جاهلي أشبه بمجتمع الدّواعش والوهّابيّين اليوم الذي يتاجر بالمرأة ويجاهد بها جهاد النّكاح مومسا تتنقّل بين الفاجرين والعرابيد ،،
فماذا عسانا أن نقول في الوهابيّة التي ظلمت العترة كلّها في كلّ الجوانب، وأقصت فاتح باب خيبر الإمام عليّ ( من قبل ) وحصرته في موقف واحد هو النّوم في فراش النّبي ليلة الهجرة الشّريفة ولم تترك زوجه الزّهراء دون حصار كذلك ، فقد حاصرتها كقدوة وأسوة ورمزا وأيقونة متحرّكة لنساء العالمين تعمل بثقافة نحلة لا تكلّ ولا تملّ، لتظلّ المرأة في عين الوهابيّة رمزا للغواية والنّفس الأمّارة بالسّوء والتي لن تتطهّر إلّا بدفنها في التّراب حيّة ترزق فعار العرض يلاحقها وإن لم يلاحقها هذا العار فالخوف من أن تسرق خشية الإملاق واردة لديهم ، ولهذا ما سمعنا عن الزّهراء من فكر الوهابيّة إلّا ذلك الوعيد لها من أبيها رسول اللّه( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) بقطع يدها ؛ فمعارضتهم للقرآن ليست وليدة اليوم بل هي عجوز عمرها مائة عام هو عمر هذه الدولة الظالمة الضّالة فقد قدّم اللّه السّارق قبل السّارقة في معرض ذكر جزاء السّارق والسّارقة ؛ لترجيح إمكانيّة جرأة الرجل على التّعدي على ملك غيره لكنهم أرادوا مخالفة الرؤية الإلهية في عبده ( الذكر ) وحاولوا إلصاق حتّى تهمة وجريمة السرقة بالمرأة فظلوا ينعقون دائما وأبدا :” لو سرقت فاطمة بنت محمّد لقطعت يدها “، ودليل إجحاف الوهابيّة و تغييبها للزّهراء ( أمّ أبيها ) نراه في ترديدهم مشهد توفّي اللّه لرسوله والتحاقه بالرفيق الأعلى فما مِن ذكر لها ( وبعلها وبنيها ) أثناء وفاته ، فلم يمت ( لديهم ) إلّا في حجر أمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر ، وهذا التّغييب لأهل الكساء لهو مقصود ومدروس له فلا نعتقده عفويّا ، بل هو محاولة الفكر الوهابي لتغييب الرسول ذاته من خلال تغييب عترته ممثلة برأس هذه العترة ومنبتها وأرضية غرسها وهي الزهراء والإمام علي ( عليهما السّلام) ،
الوهابيّة كفكر ناصبي متخفّ خلف اللحى الكثّة حاولت ردم :” بضعة رسول اللّه وحاولوا التّسهيل والتّهوين من شأنها فهي من يغضب اللّه لغضبها ويرضى لرضاها ، وحتّى لا تكون كذلك فقد رفضوها كامتداد له حين قالوا بأنّ الكوثر هو نهر مع أنّ نهاية سورة الكوثر أكّدت أنّ الكوثر هي الزّهراء بدليل اختتام السّورة : ” إنّ شانئك هو الأبتر ” والأبتر هو : مقطوع الذّريّة في سورة من آيات قلائل لا سعة لاحتمال تفسيرات متعددة لها فهي : ” إنّا أعطيناك الكوثر ، فصلّ لربّك وانحر ، إن شانئك هو الأبتر ” ،و الشّانئ : هو المبغض ،،
فعاودوا اعتراضهم وكفرهم بالكوثر الذي أفحمهم وجودها فانتقموا منه ( فيما بعد ) بمعاداتهم لها ولزوجها وظلمهم لبنيها ،،
رفضت الوهابية أن تكون الزّهراء أمّ أبيها وهي كوثره الذي روت روحه حنانا ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) فكانت أمّه التي افتقدها وغادرته وهو في السادسة من عمره فقال موضحا ذلك وبصريح تكنيته لها بــ : ( أمّ أبيها )؛ مايوحي بكمّ ونوع الحنان الذي أفاضت به عليه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) عاشت تفاصيل ثورته على مجتمع ظالم جاهل متخلّف متقهقر وضيع ،
نعم : ففاطمة الزّهراء صاحبة قلب كقلب الأمّ سعة وحبا وحنانا وحنوّا على أبيها ، حبّ ينقلنا لمشاهد حيّة توضح لنا سبب تسمية رسول اللّه لها بأمّ أبيها في غير مناهضة لفطرة الحنان المفطورة بها المرأة ، فنحن – معشر النّساء – نهدهد دمياتنا في صغرنا إيمانا بفطرة اللّه التي خلقنا لها فكلّ امرأة هي أمّ في تركيبتها وتكوينها الجسدي والنّفسي ، والحنان فيها ما يجعل سيّد العالمين ومعلم البشرية يكف أيدي الوائدين عنها ويمنع دفنها في التراب حيّة ترزق ،،
فليست هي العار وليست من يُتخلّص منها بدفن حنانها وعاطفتها ؛ فهي من نفس الرّجل فكيف لهذا الرجل أن ينتقم من نفسه حين يدفنها إلّا لو كان غير عاقل أو من بقية وحش الغاب وذلك الحيوان الغرائزي الذي يأكل فلذته خوفا من أن تمسّها أيادي الغرباء ،،
و هكذا يثور رسول اللّه على جاهلية ما قبل أربعة عشر قرنا فيضع المرأة في موضعها الذي أراده لها اللّه وتكون المرأة المؤمنة الواثقة الفاعلة بالخير والمجاهدة في سبيله ( تعالى ) مذكورة في القرآن أكثر من المرأة :
_التي أعمى بصيرتها قسامة ووسامة شاب في سنّ ولدها فما رأته ابنها حين انحرفت عن عاطفة الأمومة لتبذل وتبتذل في عرض نفسها عليه ، وذلك قبل توبتها وتلك ( زليخا) .
_كذلك فالمرأة ليست فقط التي كانت من الغابرين ( كامرأة لوط )،
_ وليست عاصية زوجها الكافرة به (كامرأة نوح) ، وتلك الثلاث كنّ أنموذج المرأة المذكورة في القرآن بضعف النفس وتغلب الهوى على الثّقة باللّه ، بينما كان الأنموذج المثالي للمرأة في القرآن موجودا أكثر في نساء حركّتهن عاطفة الأمومة حركة متجاوبة مع أوامر اللّه ، طائعة له ، سائرة في سبيله ؛ ليحملن رسالة الحنان والحبّ مع رسالة القوّة والانتصار لعقيدة الإيمان فيبنين مدارس متكاملة، وينشئن مدنا فاضلة فهن مابين أمّ نبي وأخت نبي وزوج نبي وبنت نبي ، وغير ذلك ، ولنا أن نتتبّع حركتهنّ لنعرف أنّ الأمومة هي السّرّ وهي نقطة الاتصال وحلقة الوصل التي اجتمعن تحت رايتها ، وكانت حافزا جعلتهن سيدات نساء العالمين المنتصرات وعلى ضوء تلك العاطفة ؛ فـــــ :
_أمّ موسى الموعودة من اللّه بعودة فلذتها إليها حين صدقت عهدها مع اللّه ،
_ وهي أخته الحنون التي سعت ( سعي الأمّ ) في استقرار أخيها (موسى) في قصر فرعون بعد أن بصرت به ،
_ وهي : آسية بنت مزاحم التي احتوت موسى ونصحت زوجها بعدم ذبحه ، بل اتخاذه ولدا ، وبذلك نجّته من هلاك وهي التي ملكت قلب فرعون مامن شأنه أنصت إليها وامتنع عن ذبح موسى بإشراف عاطفة الأمومة في زمن كان يذبّح فرعون أبناء شعبه ويستحيي نساءهم ، وما نقم منها فرعون ( فيما بعد ) إلّا حين علم بإيمانها باللّه وحده ،
_و هي مريم تلك العذراء ، الصدّيقة والمنفوخ فيها من روح اللّه وقد أصبحت أمّ نبيه عيسى ولازمتها الأمومة وهي التي لم يمسسها بشر،،
_و هي ( خديجة بنت خويلد ) سند وملاذ وقلب احتوى الرسالة باحتواء صاحبها ،،
_ وأخيرا هي فاطمة أمّ سبطيه وريحانتيه، وهي أمّه، وخلاصة سيّدات نساء العالمين حين اجتمع فيها كلّ فضائلهن وجمالهن وسموهن؛ لتكون مسك الختام وبها وفيها اجتمع كلّ ما كان في سابقاتها من جمال ومعنى للمرأة التي هي في الأساس أمّ ومدرسة فضلى باستشعار تلك المهمة في تربية الجيل، ولا تكون أمّا فاضلة إلّا بما تغرسه في نفوس بنيها من منهج قويم لتؤسس بهم تلك المدن الفاضلة .
و السّلام .

قد يعجبك ايضا