موائد ميدي

مصباح الهمداني
من السنن الغريزية حتى في البهائم والحيوانات، أنَّها إذا تعرضت للضرب في غرفةٍ محددة أو زاويةٍ معينة لمراتٍ كثيرة؛
فإنها لا تعود إلى تلك الغرفة، ولا تقترب من تلك الزاوية.. إلاَّ أن مملكة الرمال لم تفهم الدرس، ولم تستوعب الدعس، ولم يهولها الطمس…
خمس سنوات ولم تَتُب عن جلب الجلائب إلى المقصلة، ولم تفزعها سيول دماء المرتزقة، ولا أكوام الجثث السودانية المتعفنة…
منذ شهر شعبان، ومملكة الشيطان؛ تجمع الحشود، وتملأ المعسكرات، بالبشر والحديد، وطيلة شهر رمضان؛ وهي تُدرب وتخطط، وترسم الاتجاهات والخرائط.
سبعة ألوية من المرتزقة الأرخص، ولواء سوداني، ولواء سعودي، والهدف؛
مديرية ميدي، أو صحراء ميدي، أو بالأصح مقبرة ميدي، وأصح الصحيح جهنم ميدي..
ميدي؛ بكسر الميم والدال، وسكون اليائين…
ميدي صاعقةُ جحيم على المعتدين، وإيقونة بُشرى للمؤمنين…
كان المخطط قطعُ الطريق بين مديريتي ميدي وحرض، وتأمين القوات السعودية الرخوة، في جزيرتي بكلان والدويمة…
وجاءت ساعة الصفر، ليلة الجمعة الموافق 7/6/2019..جيوش جرارة، تجُر معها آلاف العربات والمدرعات، وتظللها عشرات الطائرات الأباتشي، ومثلها من الطيران الحربي..
بشرٌ وحديد لو انتشر في شوارع دويلات الإمارات والبحرين والكويت؛ لغطاها جميعًا…
جيوشٌ متعددة الألوان والأجناس واللغات والأشكال، وفي فم كل واحدٍ منهُم ميدي، وفي جيب كل واحد منهم ثمنَ وصوله إلى ميدي، ألفٌ للأرخص، وزيادة خمسمائة للسوداني ومن في حكمه، وثلاثة آلاف للسعودي…
ضربوا الأرض بأقدامهم حتى كادت تخرج الماء، وارتفعت صيحاتهم حتى كادت تنزل قطر السماء، وتوزعت الجيوش الجرارة؛ إلى ثلاثة محاور من الشمال والغرب والجنوب، وبعرض أربعون كيلومترًا.
وبثَّ شياطين الدماء، خُطبهم العصماء، في جيش الدهماء، وفي الآلاف من البلهاء؛ بأنَّ الجوائز القيمة، والدرر الثمينة، ستكون من نصيب المحاور المتقدمة، وسيكون للأول نصيب الأسد.
تقدم الآلاف من المرتزقة والجنود، وغالبيتهم العظمى لا يعرفون ميدي، ولم تطأ أقدامهم صحراءها، وبعضهم تناهى إلى سمعه؛ بأنها مقبرة من وصلها، وجحيم من رآها، وما إن تسري بعض الحكايات عن مصير السابقين؛ حتى يزداد صُراخ المطاوعة المستأجرين؛ بأن الجنة في انتظار الفائزين، والمكافأة نوال المنتصرين.. وكلما سمعَت الآذان خبر الجنة ارتعدت مفاصلهم، وارتبكت خطواتهم، وإن سمعوا المكافأة؛ صاحوا بأقصى ما في حناجرهم من صوت؛ اليوم يومك يا حوثي..ويا حوسي..ويا حوتي.. ويا هوتي…
تقدمت المحاور الثلاثة، وصل بعضهم إلى؛ مزارع النسيم ومزارع الخضراء والحاشدي والمراني والخميسي وبني عاتي.. ووصل البعض الآخر إلى قرى المطارية والحجاورة وذهب حجر والمشايبة والخنحر و بني فراص والمخازن والكدمة والشعوب والقص والعمريه ووادي رحبان.. ولم يجدوا مقاومةً تُذكر..صحيح أن الطيران لم يترك مترًا أمامهم إلا ومشطه بالقصف، لكنَّ المفاجأة كانت في اختفاء المقاومة على غير العادة.. اشتعلت الاتصالات من الأرض إلى الطائرات، ومن الطائرات إلى المقرات والقيادات؛ بأن الحوثيين قد انشغلوا بالعِيد، وفاجأهم الجيش السعودي والجنجويد، وباقي المستأجرين العبيد، وقد أصبحت صحاري ميدي ومزارعها الشبه خالية بيد الجيوش الجرارة…
لكنَّ مالم يره الطيران، ولا يُدركه عقل إنسان؛ أن لميدي قائدٌ قلَّ نظيره، لا يعرفُ عيدًا إلا في الجبهات، ولا يهنأ له زاد إلا بين أولي البأس والثبات..
لقد شاهد المؤمنون بأعينهم؛ العدد النَّملي للقادمين، ولكنَّ قلوبهم ترصد الصيد الثمين، مئات المدرعات، وأحدث الآليات، وأغلى الدبابات، وأجود المدافع والهاونات…
دعوها تتسلل.. اتركوها تتموضع ..حتى تصل المزارع.. حيث البأس القاطع…
وصلَتْ الطرائد إلى حيث أراد الصياد، وبدأ الحصاد، وارتفعتْ الصرخات بالتكبير، وانطلقت القذائف من كل مكان، وكأنما انبعثَ الأولياء من مراقد الشهداء.. ارتبكت الجيوش الجرارة، وهي تشاهدُ عشرات المدرعات تشتعل، ومثلها من الأطقم، والآلاف من المشاة؛ يموجون كالبحر تحت إعصار رياحٍ شمالية جنوبية، وشرقية غربية..يتقافزون فوق بعضهم بعضا، ويفتحون أعيرتهم النارية ضد بعضهم بعضا، ويتساقط العشرات منهم أكوامًا فوق أكوام؛ كتساقط الحجاج عند مرور موكب أمير سعودي، ويتضرج المئات في دمائهم كما تضرج الحجاج تحت الرافعة الساقطة…
تزاحمت الصيحات مع رفرفة المروحيات، وغطى الدخان سماء المعركة على امتداد 40 كيلومترًا، واشتبكت الأصوات في الأفواه والهواتف النقالة
( يازول، ياولد، ياعزي، يا خبير، وانا فدى لوك، ملي انغذوني…)
بدأ الزحفُ لثلاث ساعات، وبدأ الاستقرار لثلاثون دقيقة، وبدأ الحصاد لأكثر من سبعة عشر ساعة…
وبعدها بدأ تجميع الغنائم الكثيرة، وتضميد جراح الجرحى، وتجميع الأسرى…
فيما فرَّ الأصحاء الناجون بمركباتهم السليمة، أو نصف السليمة؛ باتجاه نقطة الانطلاق، وهناك استوقفتهم المملكة الشيطانية، وبدأت تجميعهم، تهدىء تارة من روعهم، وتهددهم تارة بالقتلِ إن لم يكفوا عن البكاء ويعودوا إلى المعركة…
اجتمع قومٌ كثير لكنهم أقل من النصف، وماهي إلا دقائق حتى جاءهم بعد الغروب صاروخ بدر1بي، فشتت المشتت، وأبادَ المفتت، وتناثرتِ الأشلاء، واحترقت الدماء، واختلطَ اللحمُ المطبوخ بلحم بشري كالشواء…
وخرجتْ بعد ساعة؛ صحُف المملكة العوراء؛ تلملم فضيحتها التي بلغت عنان السماء، بأقوال كاذبة شوهاء؛
منها أن الحوثيين قاموا بهجوم كبير ومضاد، يتألف من عدةٍ كثيرةٍ وعتاد…
والحقيقة التي لا تخفى على كل متابع أن ميدي قد التهمت من قبل؛ عشرات الألوية؛ وآلاف الآليات، من كل الأجناس والجنسيات، لكن مملكة الريال؛ تقذف بالعبيد إلى المحرقة،
وها هي ميدي اليوم ورجالها الأبطال تلقن الأعداء درسًا جديدًا بسلاحٍ جديد، ومهارة فائقة، وتقنية حديثة، وخططٍ مبتكرة؛
لتشبع السباع والضباع من موائد ميدي للمرة الألف…
فسلام الله على سيدي القائد العلَم، وعليك يا أبا مُعاذ وعلى رجالك العظماء، وعلى كل ذرة ترابٍ في ميدي.

قد يعجبك ايضا