رحل أحد حكماء وعمالقة اليمن

 

# محمد صالح النعيمي

في الساعة الثانية قبل فجر السبت الموافق 8 يونيو 2019م سلم العظيم محمد عبدالرحمن الرباعي روحه إلى بارئه ورحل عن دنيانا إلى جنة الخلد إن شاء الله عاش حياته مناضلاً جسوراً حكيماً صاحب الفكر السياسي الاستراتيجي أمتهن السياسة وهو في ريعان شبابه حتى ناهز من العمر التسعين عاما يقول المناضل لنا أثناء احدى زياراتنا له وهو قعيد الفراش ينتظر صعود روحه الطاهر إلى خالقه يقول لقد حكم الله علينا وأقعدنا المرض حتى لا نشارك في الدفاع عن وطننا ولا نسهم في إخراجه من هذه المحنة التي فرضت عليه.
لقد أبلغ إحدى رسائله السياسية – عبر شخصية صارت اليوم مع العدوان – لمن سيشارك في مؤتمر الرياض عام 2015م الذي دعت إلى عقده السعودية لتشكل به شرعية لعدوانها المذموم في بداية العدوان بقوله لقد وجهت الينا دعوات عبر أصدقاء لحضور مؤتمر الرياض ؟ ولكن كيف يتصور المرء المشهد (أثناء هبوط الطائرة المقلة لنا في مطار الرياض، واثناء هذه اللحظات الطائرات الحربية تقلع من مطار الرياض لقصف العاصمة صنعاء) كيف يكون موقف الانسان من قصف وطنه وشعبه، وتابع بقوله: انها معادلة من الصعب أن يتقبلها المرء فكيف يكون في هذا الموقع الهزيل والمشين والمعيب لتاريخ الإنسان والقوى السياسية تجاه شعبها والأرامل والايتام والثكالى نتيجة لقصف تلك الطائرات التي شاهد إقلاعها المرء من الرياض أو أذاع خبرها الاعلام ؟ كيف سيتعامل معها التاريخ السياسي؟ سيلعنها التاريخ والأجيال القادمة بأنها كانت هكذا قوى سياسية تقبل على شعبها ووطنها عدوانا وتدمير كل شيء جميل في اليمن، دمار شامل وقتل جماعي وهدم المنازل على ساكنيها تدمر صنعاء القديمة والآثار الحضارية في كل المناطق كرمز للتاريخ والحضارة اليمنية التي هي أصلاً ملك الشعب اليمني والإنسانية وليست محل صراع ولا يجوز مساسها بسوء ، يقول والله إنه لسخف وتبلد سياسي وأعتبر هؤلاء الناس ضل عنهم الرشد والتفكير والمنطق، إنه لسخف لا يتصوره عقل. إذا كنا نختلف مع الموجود في صنعاء سنعارضه من صنعاء وليس من الرياض سنعارضه من السجون في اليمن اذا فرضت علينا خير لنا من فنادق الرياض وقصورها فما بالك بان نكون في موقع المؤيد والمحرض للعدوان والقتل للإنسان اليمني ودمار لكل ما قد تحقق من البنية التحتية للشعب اليمني في العقود الماضية فليتصور المرء الضرر الفادح الذي سيصيب النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية والضغائن والأحقاد التي سينتجها العدوان في نفوس الناس البسطاء الذين استهدفتهم قنابل طائرات العدوان.
ويقول أيضاً: لقد ابتلي الشعب اليمني بهذه المحنة والمرض أقعدني على السرير يا ليتني أستطيع أن أسهم في إخراج وطني وشعبي من هذه المحنة …..
ويقول الراحل: على القوى السياسية توظيف ما أنجزه الشعب اليمني من تغيير وصمود لتبني عليه أساسا لنهضته واستقراره ووضع حد لمسلسل الصراعات التي تنهك الشعوب وحضارتها ومدنيتها.
وعندما سلمنا له وثيقة مشروع الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة في شهر يناير 2019 م وإقرار المجلس السياسي الأعلى لها وإحالتها للحكومة والجهات المعنية لإثرائها بما يلزم من ملاحظات، كان مباركاً لها وقال لقد حاولنا في مراحل العمر أن ننجز شيئاً من هذا ولكن مع تعثر الوعي السياسي أحبطت محاولاتنا وعليكم أن تكملوا هذا المشوار والاستفادة من تراكم الجهود الخيرة لهذا الشعب العظيم.
المناضل الجسور الذي كان حكيماً وذا بعد في تفكيره السياسي الاستراتيجي ويمتلك قراءة سياسية تحليلية عميقة تحاكي المستقبل وتربطه بالماضي والحاضر كان من أبرز مهندسي مشروع اللقاء المشترك للمعارضة اليمنية حيث انبثقت هذه الفكرة من المؤتمرات التي كان يشارك فيها في بيروت مع عدد من القيادات السياسية اليمنية حينها باسم ( المؤتمر القومي الإسلامي ) فمن خلال هذه الفكرة قال لماذا لا نطبقها على مستوى كل قطر عربي ونبدأ من اليمن، وعمل مع عدد من زملائه ونجحوا بتشكيل تجمع للمعارضة اليمنية حينها تحت عنوان ( احزاب اللقاء المشترك ) لقد رحل زملاؤه وهو التحق بهم وترجل الفارس عن صهوة جواد نضاله وهو شامخ سيحكى عنه التاريخ بالنبل وكونه أشجع رجل خاض غمار السياسة وصراعها منذ الخمسينيات.
ولنا وقفات مع هذا التاريخ المجيد لنتعلم من قيم المناضل وفكره ومواقفه ومبادئه وحكمتها التي تضمنت في شخصه وتاريخه تفرداً بنموذجيتها.
فقد عملت معه كرئيس للدائرة السياسية للحزب فكم استفدت في هذه المدرسة والتجربة والخبرة العظيمة للأستاذ الرباعي.
أيضا كان لي لقاء مع الراحل الاستاذ الرباعي واستعرضنا مواقف الرئيس الشهيد صالح الصماد قبل استشهاده وقيادته للدولة في مواجهة العدوان وقال بأن الصماد يتمتع بمزايا الزعماء الكبار الذين تفرضهم الشعوب والأحداث التاريخية الاستثنائية التي تمر بها الاوطان، ووصفه بانه يتمتع بالحذق السياسي حسب تعبيره.
كان الاستاذ الرباعي معارضا منذ خمسينيات القرن الماضي ومن مؤسسي حزب الاتحاد عام 1961 م عمل في هيئة التطوير لأمانة العاصمة وتولى عددا من الحقائب الوزارية وعضوا في المجلس الاستشاري وسفيرا لليمن في هولندا لمدة عشر سنوات وستكون لنا وقفات عنها وعن تاريخ ومواقف الرجل العظيم التي سيعبر عنها خصومه قبل اصدقائه، حاولنا نحن وزملاء أن نوثق بعض مذكراته فكان يقول لا لزوم لذلك فالتاريخ صار ملكا لمن يريد البحث عنه واستحضاره والتعبير عن وقائعه.
عرض على الراحل علاجه في الرياض فرفض وقال أموت في وطني أفضل من عافية تأتي من علاجي في الرياض وهي تشن عدوانها على شعبي ووطني
وكان قد تمت مناشدة الامم المتحدة تسهيل سفر الفقيد امين عام الحزب الاشتراكي السابق علي صالح عباد مقبل وعضو المجلس السياسي الاعلى المرحوم ناصر النصيري والاستاذ محمد الرباعي للعلاج في الخارج وها هم ثلاثتهم رحلوا عن عالمنا وهم في مقام شهداء الحصار المفروض على الشعب اليمني من دول العدوان
تعازينا إلى رئيس المجلس الاعلى لحزب اتحاد القوى الشعبية الأستاذ قاسم بن على الوزير وعضو المجلس الأعلى للحزب زيد بن على الوزير وإلى الأستاذ خالد عبدالرحمن الرباعي وإلى كافة أسرتهم الكريمة وإلى المهندس أحمد حمود الوشلي وإلى كافة قيادة الاتحاد وأعضائه وكافة محبي المناضل الراحل الجسور محمد عبدالرحمن الرباعي.

#عضو المجلس السياسي الأعلى

قد يعجبك ايضا