اللغة المهرية..جذور تعود إلى ما قبل الميلاد

المقالح عبدالكريم

المهرة.. هذه المحافظة الواقعة إلى الشرق من اليمن..لعلها الأكثر استثنائية بين المحافظات اليمنية..وذلك لعدة عوامل مختلفة..عائدة أساساً إلى سمات متنوعة تشكل في مجملها خصوصية تنفرد بها المهرة دوناً عن سائر المدن اليمنية..سواء من حيث مكونات البيئة وتضاريسها..أو العادات و التقاليد..أو النشاط البشري الممارس على عدة أوجه مثل : الزراعة-الرعي-التجارة و الصيد السمكي..
وأخيراً و ليس آخر..اللغة المهرية..والتي تعد عن جدارة لقدمها و توارثها أعجوبة حضارية تنفرد بامتلاكها المهرة..منذ عهود ما قبل التاريخ .. وتحديداً حسب ما يرجح الكثير من الآثاريين و علماء اللغة اليمنية القديمة..إن لغة المهرة المتداولة حالياً هي ذاتها اللغة الحميرية القديمة .
ومايستدعي الدهشة فعلاً هو وجود الكثير من كبار السن في أنحاء مختلفة في المهرة لايجيدون الحديث باللغة العربية في شكلها العامي اليمني ..و إن وجد بينهم من يتحدث بها فهي عربية ركيكة جداً ..
القاموس المهري
يتحدث المهريون سواءً في جزيرة سقطرى أو في أراضي محافظة المهرة اللغة المهرية القديمة المتعددة اللهجات حتى وقتنا الراهن ، وهي لغـة تختلف عن العربية تنحدر من اللغة اليمنية القديمة وظلوا محتفظين بها على الرغم من انقراضها من جنوب الجزيرة العربية وهذه اللغة غير مكتوبة -أي أن متحدثيها يتوارثونها شفوياً وتكثر فيها النصوص الشعرية والقصص والمساجلات وغيرها من الخصائص اللغوية مثل الغناء، وبعض ألفاظ الرقصات ، والطقوس الخاصة- وتنقسم هذه اللغة بدورها إلى عدة لهجات، فسكان الشريط الساحلي يتميزون بلهجة خاصة عن سكان مرتفعات الهضبة الوسطى، وهؤلاء أيضاً يتميزون بلهجتهم عن سكان السهل الصحراوي الشمالي ؛ وبذلك نجد بعضهم يجيد لهجتين إلى جانب اللغة العربية .
وتمتد اللغة المهرية إلى جزيرة سقطرى والأرخبيل التابع لها ، وجزر كوريا موريا ، وغرب سلطنة عُمان على الحدود مع المحافظة .
ويرى الكثير من الباحثين أن المهرية لغة وليست لهجة وذلك بحكم امتلاكها كل مميزات اللغة عن اللهجة سواء من حيث عمرها واستمراريتها طيلة هذه السنوات ومن فترة ما قبل الاسلام واعتبارها اللغة المحكية اليومية ..إلى جانب عدد المتحدثين بها من أبناء المهرة في الداخل وفي بلاد المهجر أي عوامل المساحة والسكان مع احتوائها على القواعد اللغوية الخاصة بها ناهيك عن الموروث الشعبي والفني بكافة أشكاله من عادات وتقاليد مميزة تختص بها هذه المحافظة المعطاءة كل هذه تعتبر مقومات اساسية لجعلها لغة وليست لهجة كما يعتقد البعض.
و تكمن خصوصيات اللغة المهرية في تعدد لهجاتها وخصوصية مفرداتها ومرادفاتها وفي نطقها ومخارج الفاظها وأيضاً في بقائها وديمومتها وثرائها واستخداماتها الفريدة.
الأبجدية و القواعد
السائد والمعمول به والمتعارف عليه حاليا هو أن أبجدية هذه اللغة يمكن أن نقسمها إلى قسمين: أولاً: إن اللغة المهرية تنطق بكافة حروف اللغة العربية الـ”28″ حرفاً إضافة الى خمسة حروف أخرى نستطيع القول إنها حروف مهرية صرفة من حيث النطق ومخرج الكلمة وحركة الفم واللسان ويمكن أن نعتبرها مرادفة أو مضافة لبعض الحروف الأساسية في الأبجدية المهرية المشابهة للأبجدية العربية وهذه الحروف هي: “نس” ويمكن تسميتها بالشين الجانبية وتلفظ من طرف الفم، وبعضهم أحياناً يكتبها مثل “الشين” تماماً ولكن مع اختلاف اللفظ، والحرف الثاني هو “ص” وهو قريب في لفظة من حرف الصاد والثالث “جي” وينسب إلى الضاد والرابع “ب” وهو مقارب لحرف القاف والخامس حرف” جع” “شع” وهو في لفظه يجمع تقريباً ما بين الشين والعين كما يعتقد بعض السامعين من غير أبناء المهرة ولكن بالتأكيد هو ليس كذلك
و بالنسبة لقواعد اللغة المهرية يقول أحد الباحثين فيها وهو “عسكري حجيلان” يعمل مدرساً للغة المهرية في جامعة المانية ( من سابق لم يكن هناك أي اهتمام بهذه اللغة حتى يتم الوقوف على قواعدها وقد يعتقد الكثير أو يجهلون بأنه لا توجد لها قواعد خاصة ولكن من خلال اهتماماتنا بهذا الجانب النحوي في هذه اللغة ومن خلال تدريسنا لها في المانيا، تمكنا مع الجانب الألماني من إيجاد قواعد خاصة لها واكتشفنا ذلك من خلال المواضيع التي قمنا بتدريسها هناك حيث يتم استخراج الافعال والاوزان والضمائر وكل ما يختص بالنحو في هذه اللغة.. وهنا أحب أن أعطي وبشكل مقتضب عرضاً لبعض الافعال وأوزانها بالمهرية مع معناها باللغة العربية مثلاً:-
1 – على وزن فِعال : سَعَال وتعني كَحَّ أي سَعَلَ
زَعَال وتعني طير ماء من القرية أو يخرج دم من صدره
2 – على وزن أَفْتَوْعَل: أفتَوٌوَح: وتعني تفوه من كثرة الاجهاد والنعاس.
-أَنْتَوْيَح: وتعني سقط من قمة جبل حتى أسفله وبشكلٍ مفاجئ وغير متوقع
3 – على وزن فَعُول: كتُوب: وتعني كتب
4 – على وزن شفعول شتمون: وتعني بكى بُكاءًشديداً من شدة الحُرقة والألم لأمرٍ ألم ّ به وأجهش بالبكاء
دائرة معارف..المهرة
سميت بالمهرة نسبةً الى “مهرة بن حيدان بن عمر وبن لحاف بن قضاعة بن عمرو بن مُرَّة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ” وهم من العرب القحطانية حسب المصادر التاريخية او أخبار النَّسابة.
وذكرت “مهرة “في العديد من المصادر منذ القدم، وعند ظهور الإسلام أسلمت قبائل المهرة دون مكايدة أو قتال وبرغبة ذاتية حيث كان لأبنائها دور رائد في الفتوحات الإسلامية والجهاد في سبيل الله حيث اشتركوا في فتح مصر بقيادة عمرو بن العاص وكذا قتال الروم وأشهر قادتهم “شرحبيل بن حسنة” كما تشير بعض المصادر، ويرى بعض المؤرخين أنها موطن “عاد” بالاحقاف بين حضرموت واليمن وعمان إلى حضرموت والشحر وقد اشتهرت قديماً بتجارة اللبان و”البخور” وكانت محطة هامة على طريق القوافل التجارية.
الموقع : تقع محافظة المهرة إلى الشرق من الجمهورية اليمنية بين خطي عرض (15ْـ20ْ) وبين خطي طول (51ْ ـ 45ْ) شرق غرينتش ، وتبعد عـن العاصمة صنعاء شرقـاً حـوالي (1400 كم) ، يحدها من الشمال صحراء الربع الخالي ، ومن الشرق سلطنة عُمان الشقيقة ، ومن الجنوب خليج القمر والبحر العربي ، ومن الغرب محافظة حضرموت .
عادات المهريين :
للمهريين عـادات وتـقـالـيـد خاصة سواء أكـانـت فـي الأعراس أو في المناسبات وسنكتفي هنا بذكر عـادات الخـتـان العلني للذكور من أفراد القبائل وكانت في الماضي تبدأ بأن يقيم رجـال القبائل حـفـلات مشـهـودة يحضرها شـبـاب القبيـلـة الـذيـن تجرى لهم عملية الختان -تجرى عملية الختان للذكور في سن الشباب- وتكـون امتحاناً لشجاعتهم وصبرهم وقوة احتمالهم للألم ويجتمع الرجال والنساء في حلقة واسعة تتوسطها صخرة يجلس عليها الشباب ويجلس الرجل الذي سيقوم بعملية الختان وتقف وراءه إحدى قريباته حاملة سيفا تقذف به في الهواء وتتلقفه من شفرته الحادة لتشجيعه على احتمال الألم ، وبعد أن تتم العملية يقف مباشرة والدماء تنزف منه ثم يجري حول الحلقة وهو ينشد القصائد الحماسية وسط دقات الطبول وطلقات الرصاص وغالباً ما ترفض النساء الزواج ممن يصرخ من الألم وقت إجراء العملية ، وبفعل تطور الوعي الاجتماعي انقرضت هذه العادة وأصبحت الخدمات الطبية الحديثة متوفرة في مراكز المحافظة .

قد يعجبك ايضا