حين تخلّت الأمة عن مبدأ الولاية سقطت في قبضة الطاغوت

عبدالمؤمن محمد جحاف

 

تحلّ علينا ذكرى الولاية، المناسبة التي تتجاوز طابعها التاريخي والديني لتلامس جوهر واقع الأمة اليوم في حاضرها الجريح والمثقل بالخذلان والهزائم.

في هذة الذكرى نعود إلى محطة مفصلية من تاريخ الإسلام حيث وقف النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في غدير خم ليعلن بوضوح وصراحة لا لبس فيها: “من كنت مولاه فهذا علي مولاه”.

إنها لحظة مفصلية في توجيه الأمة نحو المسار الذي يُفترض أن يحفظ لها كرامتها ويصون وحدتها ويؤسس لها نهجاً في القيادة قائماً على القيم الإلهية والاصطفاء الإلهي والكفاءة النادرة التي لا تُقارن.

ولكن ما أشد ما ابتعدت الأمة عن هذه اللحظة وما تمثله، لقد انحرفت بوصلتها وتركت ولاية الله التي هي ولاية رحمة وهداية ونور واختارت بدلاً عنها ولاية الطاغوت ولاية أمريكا وإسرائيل ولاية القهر والهيمنة والاستعباد.. وما النتيجة؟ هزيمة تلو هزيمة، ذلّ بعد ذلّ خضوع وانكسار وفقدان للقرار والسيادة حتى باتت الأمة الإسلامية برمّتها أو على الأقل أنظمتها الحاكمة أدوات طيعة في أيدي أعدائها خادمة لأهدافهم صامتة على جرائمهم بل ومبررة لها في كثير من الأحيان.

إن الأزمة التي تعاني منها الأمة الإسلامية اليوم ليست أزمة موارد أو جغرافيا أو حتى قوة عسكرية، بل هي قبل كل شيء أزمة قيادة وولاية. حين تُسلَّم الأمة لولاة أمر لا يمتلكون الحدّ الأدنى من صفات القيادة الحقيقية –لا علماً، ولا شجاعة، ولا حكمة، ولا زكاء، ولا كرامة– فلا يُنتظر منها إلا ما نراه اليوم: خنوع للعدو، وتآمر على القضايا الكبرى، وعجز تام عن اتخاذ أي موقف مشرّف.

انظروا إلى غزة، الجرح النازف في خاصرة الأمة، حيث يُذبح الأطفال وتُباد العائلات، بينما لا يسمع الفلسطينيون إلا بيانات الشجب الباردة، ومبادرات التهدئة المشبوهة، ومؤتمرات القمم التي تخرج بلا نتائج ولا كرامة.

إن ما يجري في غزة اليوم هو صورة فاضحة لانعدام الولاية الحقيقية في واقع الأمة، واستبدالها بولاية التبعية والارتهان.

وهنا نستحضر حديث الغدير، ليس كمجرد نص تراثي أو وثيقة تاريخية، بل كحقيقة متجذّرة ومجمع عليها من حيث الواقعة، ومؤيدة بأمهات الكتب والمصادر الإسلامية المعتبرة لدى مختلف المذاهب، ما يجعل من تجاهلها أو إنكارها خيانة معرفية ودينية. لقد مثّل الغدير إعلاناً لمبدأ إلهي في قيادة الأمة، بأن يكون من يلي أمرها هو الأعلم، الأزكى، الأشجع، الأكرم، الأعظم، من تتوفر فيه صفات القيادة الربانية، وليس من يلهث خلف رضا أمريكا أو يخضع لسطوة المال الخليجي، أو ينحني للعدو الصهيوني.

ذكرى الولاية، ليس مجرد ذكرى عابرة أو مناسبة طقوسية، بل هو دعوة متجددة لإعادة النظر في أصل الخلل. إنه نداء للعودة إلى ولاية الله ورسوله وأوليائه الصالحين، الذين يجعلون من مسؤولية القيادة أمانة ثقيلة لا تُعطى إلا لمن يستحقها، لا لمن يفرضه الخارج أو يشتريه المال أو تصنعه المؤامرات.

وفي ظل هذا الانحدار المرير الذي تعيشه الأمة، تبقى العودة إلى الولاية الحقيقية هي الخلاص الوحيد، فالولاية التي تخرج الناس من الظلمات إلى النور، هي وحدها القادرة على إعادة الأمة إلى موقعها الحضاري والروحي والتاريخي، ومواجهة أعدائها بثقة وعزة وكرامة.

في ذكرى الولاية، آن للأمة أن تسأل نفسها بصدق: إلى أين قادنا من اخترناهم؟ وماذا لو عدنا إلى من اختارهم الله لنا؟ وهل يمكن أن تنهض أمة يتولاها من لا يعرف معنى الولاية، ولا يسير على نهج النور؟

قد يعجبك ايضا