الثورة / متابعات
على مدار شهور الإبادة والحصار، لم تكن الأمومة نعمة، بل تحولت إلى كابوس يومي تعيشه آلاف النساء في قطاع غزة. بين جوعٍ يُفتك بالأجساد، وخوفٍ دائم من فقدان فلذات الأكباد، تقف الأمهات في مواجهة سياسة إسرائيلية ممنهجة تستخدم التجويع كسلاحٍ بطيء للموت.
وأصبحت الأم التي كانت تسهر على تغذية طفلها، عاجزة عن تأمين قطرة حليب أو لقمة خبز، تتوسل المعابر المغلقة وأرفف الأسواق الخالية.
أمهات غزة.. من المعكرونة يصنعن الخبز ومن الأطفال ينجبن أيتاماً
تحت وطأة الحصار، لم تعد معاناة النساء تقتصر على صعوبات الحياة اليومية، بل تجاوزتها إلى فقدان الأحبة، الولادة وسط الجوع، ومشاهد أطفال يذبلون يومًا بعد يوم أمام أعينهن دون قدرة على إنقاذهم.
في غزة اليوم، لم يعد السؤال كيف تحمي المرأة أطفالها، بل كيف تنقذهم من الموت جوعًا في حضنها.
ومنذ بداية شهر مارس 2025، وبالتزامن مع انتهاء المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار واستئناف هجومها العسكري، شددت قوات الاحتلال الإسرائيلي حصارها على قطاع غزة بشكل غير مسبوق، وأغلقت المعابر الحدودية ومنعت دخول المساعدات الإنسانية الأساسية، بما في ذلك المواد الغذائية.
خبزٌ مفقود ووجباتٌ غائبة
توقفت جميع المخابز عن العمل بعد نفاد الوقود، وأُغلقت معظم “التكيات” التي كانت تقدم وجبات الطعام لمئات الآلاف من الجوعى. الأسواق باتت شبه خاوية من السلع الأساسية، وأسعار ما تبقى ارتفعت أضعافًا، لتصبح خارج متناول معظم السكان.
سوء التغذية.. قنبلة صحية موقوتة تهدد حياة أطفال غزة ومستقبلهم
حتى تجمعات المواطنين للحصول على الطعام لم تسلم من الاستهداف، إذ تعرضت لهجمات متكررة من قوات الاحتلال، مما فاقم معاناة المدنيين في مشهد يُعيد إلى الأذهان أسوأ صور الحصار والمجاعة.
“جنان” ماتت جائعة بين ذراعي أمها
من بين القصص المؤلمة التي تسردها الأمهات في غزة، تحكي آية السكافي، 21 عامًا – وفق تقرير للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان- عن معاناتها مع طفلتها “جنان” التي وُلدت في ظل الحرب وسرعان ما خُطفت منها بسبب الجوع.
مُسن يتناول بقايا الطعام، مع اشتداد المجاعة والحصار الإسرائيلي في قطاع غزة.
تقول: في البداية، كانت ترضع طبيعيًا وبدأ وزنها يتحسن. لكن بعد عودة الحصار، شح الطعام وبدأت صحّتها تتدهور. لم يكن لدينا حليب، ولا غذاء كافٍ، ومع الوقت، رفضت الرضاعة الطبيعية وأصيبت بالإسهال المزمن. حاولنا تحويلها للعلاج خارج غزة، لكن المعابر كانت مغلقة… وفي الثالث من مايو، ماتت طفلتي وهي جائعة، على جهاز الأوكسجين، تتألم وأنا عاجزة عن مساعدتها.”
أطعم طفلتي نصف الكمية لأوفّر ليوم آخر
بسمة عوض، 27 عامًا، تواجه خطر فقدان ابنتها في كل لحظة. طفلتها تعاني من حساسية تجاه سكر اللاكتوز، ولا يتوفر الحليب المناسب لها. مع الحصار، اضطرت الأم لإعطائها علبة حليب منتهية الصلاحية، وتقسيم الكمية القليلة المتبقية على عدة أيام خوفًا من انقطاعها بشكل نهائي.
حملٌ بلا غذاء
تعاني النساء الحوامل والمرضعات من سوء تغذية حاد، ما يهدد صحتهن وصحة الأجنة. هـ. ك، 35 عامًا، حامل في شهرها التاسع، تعيش على العدس والمعكرونة فقط، وتقول:
“أخشى أن يُولد طفلي وهو ضعيف أو لا ينجو. لا يوجد حليب ولا غذاء صحي. جسمي منهك، أسقط شعري، وأشعر بدوخة مستمرة.”
طفلة لا تستطيع الحبو
نعمة الكفارنة، 30 عامًا، تخشى على حياة طفلتها “ندى” التي بلغت عامًا وشهرًا ولا تزال عاجزة عن الحبو أو المشي، بوزن لا يتجاوز 7 كيلوغرامات. تقول: “لم أتمكن من الرضاعة الطبيعية بسبب سوء التغذية، واضطررت لاستخدام الحليب الصناعي رغم ندرته. المجاعة تضرب كل بيت، وكل أم تعيش خوفًا يوميًا من فقدان طفلها.”
مجاعة ممنهجة وجرائم إبادة
بحسب تقديرات رسمية، أكثر من 65 ألف طفل باتوا مهددين بالموت نتيجة سوء التغذية، وقد سُجلت وفاة أكثر من 50 طفلًا حتى الآن، في جريمة تجويع ممنهجة تشكّل جزءًا من سياسة الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة.