أثبت عمليات الإسناد لغزة من محور المقاومة ان ( أمريكا نمر من ورق) أمريكا التي تبحث الآن عن مخرج لأزماتها على حساب الإنسانية حتى لو كانت حياة الناس هو الثمن، ومع هذا تبقى مساندة ودعم أمريكا لجرائم ومجازر كيان العدو الإسرائيلي في غزة هو أكبر أزماتها، فإذا ما بحثنا عن استراتيجية أمريكا للخروج من هذه الأزمة فهناك 157 تعريفا للسياسة في العالم، أكثرهم شمولا هو أنها علم القوة، القوة بجميع أشكالها، كانت قوة الوعي أو قوة السلاح، وصحيح أنه لا غنى لإحداهما عن الأخرى، ولكن تبقى قوة (الوعي) هي الأساس الحقيقي والمعيار الأوحد لقياس حاجة الشعوب إلى السلاح كقوة خشنة لمواجهة الظلم و الجبروت الأمريكي اليوم، فبينما أمريكا تعتبر نفسها اليوم انها في أعلى قمة إدارة النظام الرأسمالي العالمي، ولكنها في الحقيقة في أعلى قمة تمثل أكثر وأكبر وابشع صورها ظلما وتوحشا وعدوانا، وتسعى الآن إلى تطويع المال العالمي كله من خلال الإدارة الكونية للاقتصاد تحت لواء القطاع الخاص، وحكم الشركات، وهذا هو مشروع ترامب وشركائه الصهاينة، لتخرج من أزمتها هذه ..
إن السيطرة العالمية لرأس المال العالمي الذي تحاول أمريكا تحقيقه يعني تجاوز حدود الجغرافيا السياسية، وهذا التجاوز لا يقتصر على انتصار مجموعة دول على أخرى، أو حتى أسلوب إنتاج على أساليب أخرى منافسة، بل تمتد هذه السيطرة إلى تجاوز منطق العلاقات المحلية والدولية، لتحل محلها شبكة من العلاقات المالية لشركات متعددة الجنسية، تعبر عن الاتساع المكاني للرأسمالية، لفرض ظلمها وطاغوتها على من تشاء، وهذا ما بدأت به أمريكا لتطويق الكرة الأرضية، لتلتف على الحدود المادية والتنظيمية التي تعيق تراكم رأس المال على الصعيد العالمي، ولتتمكن من تفسيخ هذه الحدود وإزالتها نهائيا إذا أمكن، لسببين، السبب الأول وهو الظاهر بسيطرة الشركات على رأس المال العالمي وصولا لحكم أصحاب الشركات، والسبب الثاني وهو الخفي بصنع هوية عالمية جديدة بدون حدود وهويات دينية ليكون تاريخها واقتصادها أقل من تاريخ دولة إسرائيل اللقيطة على التاريخ والجغرافيا ..
وحول الوجود والنفوذ الإسرائيلي (الصهيوني) أشير هنا إلى نقطة مهمة في موضوع تأثيرات حكم الشركات الترامبية على الأمم والشعوب، وهي أنه إذا كان بمقدور حكم تحالف شركات ترامب أن تفرض نفسها اقتصاديا على العالم، فإنها لن تستطيع فعل ذلك من الناحية الثقافية، فالجانب الاقتصادي هو جانب في غالبيته مادي، يمكن للناس فيه أن يتماثلوا ويتشابهوا في طرق المأكل والمشرب والملبس واقتناء الأجهزة، فالتليفزيون والتلفون وبنطلون الجينز عند الأمريكان هي نفس البضاعة أو المنتج عند أفقر اليمنيين في أطرف قرية نائية..
أما من الناحية الثقافية والهوية الإيمانية فالأمر يختلف، إذ يصعب بل يستحيل ذلك، فلكل شعب هويته التاريخية وقيمه المعنوية والعقلية التي يعتز بها، فالمتذوق للشعر العربي الفصيح أو للزوامل اليمنية وللعادات والتقاليد اليمنية، قد يقرأ أو يستمع للمبدعين الأجانب، ولكنه لا يجد ذاته في إنتاجهم السياسي والاجتماعي وحتى الفكري، لأن إبداع الهوية الخاصة به لها مذاقها الخاص الذي يعبر عن روح المجتمع اليمني ويجعل الإنسان يرى نفسه فيه، والشعب اليمني يرى نفسه اليوم في دعم وإسناد غزة ومواجهة حاملات الطائرات الأمريكية في البحر الأحمر، ومن ثم فإن حكم الشركات الترامبية قد تؤثر على العالم في كل المجالات، ولكن لا خوف منها على خصوصية الهوية الدينية والثقافية لكل مجتمع يعرف ويعي ويدرك ان هويته هي المستهدفة من هذا كله متحملا مسئولية الواجب عليه ان يواجهها بوعيه ويعد لها سلاحه، والوعي الديني والثقافي هوية ثابتة تشبع الروح دائما، ويسقط ويهزم أمامها نظام الشركات والهويات المادية التي تشبع الشهوات ..