من الناس لا يحب الخير الذي يأتي بمعنى الفضل والاستزادة من كل مفيد وقيم ومجد نفعاً، لا شك جميع الناس، ومن من الناس لا يكره الشر الذي يأتي بمعنى السوء والمكروه والخديعة والعواقب الوخيمة “والعياذ بالله”، لا شك كل الناس، وكل هذا يأتي امتثال لقول الله تعالى :” لا يسئم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط” صدق الله العظيم، لذا عندما نلاحظ كلمة دعاء الخير، فإن ذلك يأتي بمعنى أن الإنسان يظل يناشد ربه وكذا من حوله من الناس – أي من كان فيه خير كما يقال في اللهجة الدارجة – الخير، ولا يسأم من ذلك، فتراه مترجياً دائماً أن يعمه الخير الوفير أينما كانت وجهته وكيفما كانت، فأينما كانت وجهته ممكنه، لأن فضل الله واسع في كل مكان في أرض الله وسبحانه لا ينسى أحداً من خلقه، لكن كيفما كانت هنا أتى قوله تعالى :”قل بفضل الله والله برحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون” صدق الله العظيم، هذه الآية الكريمة حددت أين يكمن الخير المنشود فعلاً لكل إنسان والذي يستحق أن يقال عنه خير يرتجى فضل الله ورحمته هو ذلك الخير الذي يجلب الفرح والسرور في الدارين، لأن فضل الله هو الفضل الذي ما بعده فضل والعطاء الذي ما بعده عطاء والجود والكرم الذي لا يوجد ما يضاهيه كما هو فيه سبحانه، ورحمة الله هي ولوج في فضل وعطف ورأفة من بيده مقاليد السماوات الذي قال عن نفسه سبحانه :” ففروا إلى الله أني لكم منه نذير مبين” وقوله عز من قائل سبحانه :” وهو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً” صدق الله العظيم، لأنه إذا رحمك من يريك البرق الذي هو فقط خلق من خلق الله سبحانه فتخاف أن يمسك بسوء، فكيف لو غضب عليك هو سبحانه ؟!، وفي نفس الوقت تطمع بالمطر الذي يعقب البرق وهو فضل ورحمة من فضل الله الذي نشر برحمته هو لا سواه الذي يخوفك ومع ذلك يعدك بفضله سبحانه، لذا فضل الله ورحمته هي أساس كل خير لمن ينشد الخير، ولذا أتى لفظ “خير مما يجمعون”، الأمر الذي يدل على أن كل ما يسعى ابن آدم لجمعه والاستحواذ عليه من مال وعقار وووووو لا يمثل إلا نسبة بسيطة جداً من معاني الخير التي فعلاً تمثل عامل خير كما في فضل الله ورحمته.
من رحمته سبحانه وتعالى أنه أنزل القرآن الكريم نوراً وهدى يبصرنا به كواليس ومخابئ ومكامن الخير الذي دائماً ما ننشده في جل ظروف حياتنا، كوننا بشراً ضعافاً ونكره أن يمسنا الشر والسوء والمكروه وقد مس أقوام وأقوام ذلك الشر والسوء والمكروه بسبب عصيانهم لله وتفضيلهم ما سوى الله فاستحقوا سخط الله ومقته وغضبه وعذابه، حتى أنه قال في كتابه العزيز القرآن الكريم:” كم تركوا من جنات وعيون” إلى آخر الآيات الكريمة، والتي دلت على أن تلك الأقوام كان في خير عظيم تمثل في تلك الجنات والعيون ووووو ومن كل سبل العيش التي تجعل الإنسان يحس أنه في خير، إلا أن تكذيبهم لرسل الله وكتبه وعصيانهم لله كانت محل إبدال ذلك الخير إلى شر ينزع الخير نزعاً من أوساطهم ليحل شراً ووبالاً ونكالاً “والعياذ بالله”، وما قصص القرآن الكريم إلا شارحة لكل هذا وذاك ومن عدة وجوه وحالات وأساليب اختلفت باختلاف الزمان والمكان ونوع المعصية التي فندت فضل الله ورحمته بتفضيلهم لما يجمعون في الشق القبيح منه وليس الجميل، كما في مسألة من يجمع المال بالبيع والشراء الحلال ومن يجمع المال – انتبهوا لكلمة “يجمع المال” – من الربا والقمار وغيرها من وسائل الابتزاز، أي الشق القبيح، وكلها جمع مال ولعاعة دنيا ولكن تلك اتفقت مع مراد الله في أرضه وبين خلقه وتلك منافية ومناقضة لمراد الله وأمره في أرضه وبين خلقه.. وأيهما خير ولو من باب الفطرة الإنسانية؟!.
وردت -كما ذكرنا في المقال السابق- لفظة خير في قوله سبحانه “ليلة القدر خير من ألف شهر”، وهذا دليل على أن هناك خيراً عظيماً من الممكن أن يتداركه المؤمن ولا يفوته وهو في متناوله فقط بمجرد أن يدرك ليلة القدر التي هي خير من عبادة ألف شهر والتي ورد في الأثر أنها في ليلة من ليالي رمضان المبارك وحث كثير من العلماء على تحريها في العشر الأواخر من رمضان الكريم واستدلوا بأحاديث نبوية، ولذا فحري على كل حريص على أن ينال الخير والفضل من الله -كما شرحنا- الذي هو خير من كل ما يسعى الإنسان لجمعه واقتنائه طيلة عمره لو كان ما كان لكنه يبقى خيراً يمكن أن ينتفع به في عاجل الدنيا، أما الآخرة فقد لا ينتفع إلا ما يردي به إلى النار، كمن يأكلون الحرام ويتعاملون به ويجمعونه من كل ما هو حرام، كالمراقص والدعارة والكافيهات الخمور والبار ووووو وغيرها مما هو حرام ويدعون للحرام “والعياذ بالله”، ولكنه يدخل في “يجمعون”، ويعتقد أنه خير ويجلب الخير، ولذا فليلة القدر التي هي خير من ألف شهر تمثل خيراً، من رب عظيم ناشر ومريد لنا الخير “وقل بفضل الله وبرحمته….” هذا والله أعلم وهو أعلى وأجل سبحانه.
،،ولله عاقبة الأمور،،