
ثورة سبتمبر أولت الجيش أهمية كبرى فكان ثاني مبادئها
⚀ القوات المسلحة أضحت اليوم أكثر اقتداراٍ وتأهيلاٍ من أي وقتُ مضى
التدخل الحزبي والقبلي والسياسي أثر على تكوينات الجيش وولائه
لا يمكن بناء دولة مدنية حديثة يعلوا فيها النظام والقانون إلا في وجود جيش وطني قوي يتصدى لكل من يحاول تجاوز القوانين وإضعاف النظام, لذا فقد أعطت ثورة 26 سبتمبر 1962م اهتماماٍ كبيراٍ, إذ نص ثاني أهدافها ” بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكتسباتها”, ومنذ ستينيات القرن الماضي وحتى اللحظة قد مرت المؤسستان العسكرية والأمنية بمراحل عديدة وتطورات مختلفة إلا أنهْ لم يصل إلى النقطة المرتقبة من قبل الشعب.
وخلال هذه الأيام تحل علينا الذكرى الـ 52 لثورة 26 سبتمبر المجيد وبلادنا تشهد الكثير من الصراعات والنزاعات القبلية والطائفية والسياسية, مما يؤكد حاجتنا لوجود جيش وطني موحد للفترة الراهنة أكثر من أي وقتُ قد مضى.
“الثورة” وبهذه المناسبة العظيمة التقت بنائب رئيس المركز الوطني للدراسات الإستراتيجية العميد الركن /ثابت حسين صالح والذي تحدث عن مراحل تطور الجيش في الشطر الشمالي والجنوبي من 1962وحتى اليوم, بالإضافة إلى المعوقات التي وقفت ـ ومازالت ـ أمام تكوينه وعن عدد من الجوانب التاريخية للجيش والأمن.. المزيد في السطور التالية:
• في الذكرى الـ 52 لثورة 26 سبتمبر.. هل لشخصكم الفاضل أن يحدثنا بإيجاز عن المراحل والفترات والتطورات التي شهدتها المؤسستان الأمنية والعسكرية¿
ـ إذا أردنا تناول مراحل نشوء وتطور القوات المسلحة اليمنية في العصر الحديث وتحديداٍ منذ قيام ثورتي 26سبتمبر1962م و14 أكتوبر1963م… سنحتاج إلى وقت أطول للحديث عن ثلاث تشكيلات لهذه القوات هي : القوات المسلحة في ” الجمهورية العربية اليمنية ” 1962 – 1990م والقوات المسلحة في ” جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” 1967 – 1990م ثم القوات المسلحة للجمهورية اليمنية 1990 وحتى الآن.
مرحلة ما بعد الثورة بالشمال
• كيف ذلك ¿
ـ بالنسبة للشمال :يمكن القول أنه وتجسيداٍ للهدف الثاني من أهداف ثورة 26سبتمبر(بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها) كرست القيادة الثورية جهودها باتجاه بناء القدرة العسكرية للثورة…. كانت أولى الخطوات قد تمثلت بإنشاء مكتب تجنيد مركزي وفتح فروعُ له في العديد من الألوية الإدارية ودعوة الشباب إلى التجنيد الاختياري في وحدات الحرس الوطني.. و إنشاء مركز جديد في تعز أطلق عليه اسم المركز الحربي ليتم من خلاله تأهيل الكوادر القيادية على يد الخبراء الروس.
ولغرض مواجهة التطورات الهائلة شرعت القيادة في تشكيل وتنظيم القيادة العسكرية العليا بتعيين العميد حمود الجائفي وزيراٍ للحربية والمقدم /هادي عيسى نائباٍ له ومن ثم عملت الوزارة على إنشاء مكتب للعمليات الحربية ثم أعادت تنظيمه بإنشاء بعض الهيئات الاختصاصية وقد ساعد هذا التشكيل التنظيمي إلى حد ما في تحقيق السيطرة على القوات وربطها بهيئات مختصة محددة المهام والصلاحيات..
معوقات
• ما هي أخطر العوائق التي واجهت بناء هذا الجيش ¿
ـ أخطر العوائق التي كانت تعتري القيادة في خطى مسيرتها تمثلت بالآتي:
أ-ضعف القدرة العلمية والخبرة العملية عند الضباط في رسم السياسة العسكرية وكيفية تشكيل وتنظيم الوحدات الميدانية.
ب- توتر الجبهة الداخلية تحت ضغط حملات الحرب النفسية المعادية.
ج- اتساع جبهات القتال يوازيها نقص كبير في المعلومات والإمكانيات المادية.
د- إخفاق القوات الجمهورية في عدد من الجبهات.
هـ- إغراق القيادة في سيل من الطلبات والوساطات والانتقادات والمعلومات المتضاربة وكل ذلك عكس نفسه على مجمل الأوضاع العسكرية.
ولذلك طلبت القيادة مطلع عام 1963م هيئة من الخبراء المصريين(هيئة الخبراء العرب) برئاسة العميد أركان حرب صلاح الدين خليفة فأخذ أعضاء البعثة يتفحصون الأوضاع العسكرية التي وجدوها متردية جداٍ.
أسس لم تتحقق
• ما هي الأسس التي وضعت لبناء الجيش ¿
1 – بناء وحدات جديدة تكون أساساٍ لجيش حديث ولهذا الغرض فقد تم في الربع الأول من ذلك العام تشكيل (لواء النصر) وكان الهدف إرساله بالكامل إلى الجمهورية العربية المتحدة للتدريب هناك إلا أن تفجر الموقف في الحيمة اضطر القيادة إلى الاكتفاء بإرسال كتيبة منه فقط إلى مصر ودفع بقية القوة إلى ميدان المعركة.
2 – في الربع الأخير من نفس العام (1963) تم تشكيل (لواء الثورة) وهو أول وحدة يمنية نموذجية وتم إرساله بكامل قوامه إلى الجمهورية العربية المتحدة لتدريبه هناك تبعه لواءان آخران هما لواء الوحدة ولواء العروبة في العامين 64و1965م.
3 – في 8 أكتوبر 1964م أعلن نائب الرئيس( اللواء حسن العمري) عن نية القيادة تكوين جيشُ جمهوري من (20) ألفاٍ يتم تشكيلهم في (7) ألوية.. وخلال الفترة ( 1963 – 1966) تم تشكيل أربعة ألوية مشاة ولواء صاعقة و(لواء مظلات) وعدد من الكتائب والوحدات الإختصاصية.
4 – كان التسليح الذي زودت به القوات المسلحة بعد الثورة بشكل عام شرقياٍ وصل بعضها إلى اليمن منتصف الخمسينات إلى جانب ما قدمه الجيش العربي المصري أثناء تواجده في اليمن والمعونات الروسية للثورة عبر مصر بالإضافة إلى الأسلحة القديمة الإيطالية وغيرها وكل أنواع الأسلحة الشرقية صنع معظمها في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات.
مرحلة حصار السبعين وما بعدها
• لو تجاوزنا هذه المرحلة وانتقلنا إلى مرحلة حصار السبعين وما بعدها… ما هي أخطر معوقات البناء العسكري 1967 – 1978 ¿
ـ أولاٍ:عندما غادرت آخر الوحدات المصرية اليمن أواخر 1967م كان وضع القوات اليمنية سيئاٍ للغاية ولكن القيادة اليمنية سرعان ما عملت على إعادة تشكيل القيادة العامة وتشكيل المقاومة الشعبية وإعادة جاهزية الوحدات بسرعة قياسية لتدخل بها حرب السبعين يوما.
ثانياٍ: واجه الجيش اليمني بأوضاعه تلك جنبا إلى جنب مع أشقائه من مقاتلي قوات مصر الهجوم المكثف المعادي للثورة اليمنية وأفشلت كل المخططات المضادة محلياٍ وإقليمياٍ ودولياٍ.
ثالثاٍ: استمر بناء القوات المسلحة يتعثر بسبب طبيعة الظروف السياسية الداخلية والضغوط والمعارك المتواصلة داخليا وفي الأطراف حيث أجهضت كل محاولات وجهود التحديث في مؤسسة الجيش والأمن في الشطر الشمالي لاسيما تلك التي سعى من أجلها الرئيس إبراهيم الحمدي (1974 – 1977).
والذي كان لديه مشروع واضح المعالم لبناء دولة وطنية حديثة تعتمد على قوة الدولة وتحد من تغول القوى القبلية والإقطاعية وتعزز استقلال اليمن وسيادته هو الرئيس الراحل الشهيد إبراهيم الحمدي. وقد أدرك الحمدي مبكرا أن المؤسسة العسكرية هي المؤسسة الوطنية الوحيدة القادرة على إضعاف العنصر القبلي ورموز المشايخ.
كانت مسألة إعادة تنظيم هذه المؤسسة وتجهيزها ووضع ضوابط تمنع الاختلال داخلها وتعيين قيادات جديدة تعمل على تحقيق حالة من التماسك الوطني في الجيش وكذلك إضعاف التأثير السياسي السعودي على القبائل في الشمالº كل هذه الأمور كانت هي المقدمة الأساسية التي ارتكز عليها الرئيس الحمدي للمضي في مشروع الدولة الوطنية الحديثة.
اغتيل الحمدي في 11أكتوبر 1977 ولم يكتمل مشروعه لأسباب وعوامل داخلية وخارجية كثيرة وبالتالي لم يؤد إنشاء جيش وطني في الشمال إلى وجود قوة معادلة لقوة المؤسسة القبلية لأن رجال القبائل والمشايخ اخترقوا الجيش نفسه وتولى العديد منهم مراكز المسؤولية فيه.
وفي 17 يوليو من العام 1978 أصبح المقدم علي عبدالله صالح رئيسا عقب فترة قصيرة من حكم الرئيسين أحمد الغشمي وعبدالكريم العرشي لا تتجاوز في مجملها 9 أشهر والذي عمل منذ وصوله إلى الرئاسة على السيطرة على الجيش لضمان بقاء سلطته بالاعتماد على إخوته وأقاربه وعلى رجال قبيلته الذين تم تعيينهم في مواقع رئيسة في الجهازين العسكري والأمني.
ويمكن القول أن هذه الفترة شهدت تحديثاٍ وتطويراٍ ملموساٍ للقوات المسلحة ولعل أهم ما يذكر في هذا المجال هو تحطيم كسر احتكار بيع السلاح للقوات المسلحة اليمنية.
يمكن القول أن التطور النوعي والتحديثي قد شمل أيضاٍ جوانب: التنظيم والإدارة التدريب القتالي المنشآت التعليمية العسكرية التخصصية فضلاٍ عن ما تم استحداثه من منظومة القوانين واللوائح والقرارات التنظيمية والخدمات الطبية والتربية الرياضية وغيرها وبصورة متواصلة منذ عام 1978 وحتى عام 1990م.
مرحلة بعد استقلال الجنوب
• طالما ونحن تطرقنا لمراحل بناء الجيش بالشمال.. فماذا عن الجنوب¿
– يمكن القول أن حكومة الاستقلال في عدن قد ورثت مؤسسة جيش محترف أشرفت على إعداده وتدريبه جيدا السلطة الاستعمارية البريطانية التي حكمت الجنوب حتى عام 1967جيشاٍ رغم تعدد وحداته وتسمياته إلا انه كان أفضل بكثير من الجيش الذي ورثته حكومة صنعاء… وإضافة إلى ذلك فقد قامت الثورة وحكومة الاستقلال في الجنوب بإنشاء التنظيمات العسكرية كان أبرزها:
أ- الحرس الشعبي المسلح التابع للجبهة القومية.
ب- جيش التحرير الشعبي وجرى بعد ذلك إدماج هذين التنظيمين في إطار تنظيم القوات المسلحة الحديثة.
كان من أْولى المهام التي واجهت حكومة الاستقلال الوطني في عدن بعد رحيل الاستعمار مهمة بناء جيش وطني قوي قادر على حماية وحدة أراضي الدولة واستقلالها السياسي ونتيجة لسلسلة من الإجراءات السياسية والتنظيمية فقد أْنشئت المؤسسات العسكرية التالية:
أ- الجيش (القوات المسلحة).
ب- الشرطة الشعبية.
ج- المليشيات الشعبية.
د- القوات الشعبية.
تميز الجيش والشرطة بالطابع النظامي الصارم القائم على الاحتراف بينما تميزت المليشيات الشعبية والقوات الشعبية بالطابع الجماهيري الواسع والتي يمكن وصفها بالتشكيلات العسكرية شبه النظامية وقد تمكنت الحكومة من بناء جيش قوي بمساعدة الاتحاد السوفيتي السابق حتى صار أقوى جيش في المنطقة وتمكن من تحقيق انتصارات ملموسة في المعارك الحدودية .
ومثل القانون رقم (19) لعام 1973م الأساس القانوني لتنظيم القوات المسلحة. وفي مرحلة لاحقة وتماشياٍ مع التطور الكمي والنوعي الذي شهدته عملية بناء الجيش تم إقرار الهيكل التنظيمي الجديد لوزارة الدفاع.
كانت القيادة تعتمد بصورة أساسية في تغطية الملاك البشري للوحدات على مجندي الخدمة الإجبارية (خدمة العلم) ومدتها سنتان. وشهدت فترة السبعينات وبداية الثمانينيات قفزة نوعية في تنظيم القوات البرية ليصبح عدد ألوية المشاة (16) لواء بما فيها الألوية الميكانيكية.وتم في بداية الثمانينيات من القرن العشرين تشكيل المحاور حيث قسمت الجمهورية إلى ثلاثة محاور رئيسية هي : الشرقي والأوسط و الغربي.
أولت الدولة اهتماماٍ خاصاٍ لإنشاء وتطوير القوى البحرية تسليحاٍ وتنظيماٍ وتدريباٍ بالنظر إلى موقع الدولة على شواطئ بحرية تمتد من خليج عدن إلى الحدود البحرية مع عمان إضافة إلى الجزر اليمنية المترامية وأهمها جزيرة سقطرى وأرخبيلها وأدخلت الزوارق الحربية الحديثة في تسليح القوى البحرية وكذا الصواريخ والمدفعية الساحلية فصارت القوات البحرية أكثر جاهزية وقادرة على حماية المياه الإقليمية اليمنية.
شهدت القوى الجوية هي الأخرى بناءٍ متطوراٍ حديثاٍ مكنها من الدفاع عن أجواء الدولة وسيادتها فدخلت الطائرات الهجومية الحديثة (الميج والسوخوي) ووسائل الدفاع الجوي والرادارات ووسائل الإنذار المبكر إضافة إلى الطائرات المروحية والنقل العسكري.
وتشكلت القوات الخاصة من كل من: الشرطة العسكرية التي كانت مهمتها الحفاظ على النظام أو الحماية في القوات المسلحة لواء المظلات القوة الخاصة المسلحة التابعة لوزارة أمن الدولة وقوة النجدة التابعة لوزارة الداخلية.
وفي عام 1971م تم إنشاء الكلية العسكرية وتخرجت منها (10) دفعات حتى قيام الوحدة اليمنية أما مدرسة القادة والأركان فقد تم إنشاؤها في بداية الثمانينيات والى ذلك تم إنشاء المدارس التخصصية كما أنشأت القوات المسلحة مدارس (أبناء البدو الرحل) التي وصل عددها إلى عشر مدارس وقامت بدور هام في تعليم وتربية الآلاف من أبناء البدو الرحل والمناطق الريفية إضافة إلى إعدادهم عسكرياٍ.
كان الجيش الجنوبي يتصف بالمهنية والحرفية والانضباط العالي إلا أنه لم يكن بمنأى عن الصراعات السياسية الحزبية. وقد كان الصراع الأيديولوجي المتكرر على السلطة في الجنوب ينعكس بصورة أو بأخرى على الجيش , بيد أن الجيش كان يتدخل لحسم الموقف دائماٍ لصالح القيادة الجماعية للحزب الحاكم ويسلم السلطة فوراٍ لقيادة مدنية..
ما يؤكد هذا أن كل رؤساء الجنوب قبل الوحدة كانوا من المدنيين , بل إن معظم وزراء الدفاع والداخلية كانوا كذلك من الشخصيات المدنية , وقد اتسمت الأجهزة الأمنية في الجنوب بكفاءة عالية وفرت أمناٍ واستقراراٍ تاماٍ جعل الوطن والمواطن يشعر بالطمأنينة في حياته وعمله , رغم وجود بعض التجاوزات التي كانت تحدث بين الحين والآخر.
مرحلة ما بعد الوحدة
• كيف أصبح الجيش بعد الوحدة 1990¿
– بعد تحقيق الوحدة اليمنية في العام 1990 اتفق شريكا الحكم آنذاك حزب المؤتمر الشعبي العام برئاسة علي عبدالله صالح والحزب الاشتراكي اليمني بقيادة علي سالم البيض على أن تكون هناك فترة انتقالية مدتها ثلاثة أعوام يكون هدفها الأساس متابعة وتقييم الحياة السياسية والاقتصادية ومعالجة كافة الاختلالات التي تعود إلى حقبة الدولتين السابقتين وكذا استكمال دمج مؤسسات وأجهزة الدولة المختلفة وعلى رأسها مؤسسة الجيش والأمن.
• هل تعتقد أن هناك معوقات رافقت تطور الجيش وبناءة بعد الوحدة أثر ذلك سلباٍ على الوضع في الوقت الحالي¿
– كانت مسألة دمج مؤسسات الجيش والأمن من أولويات ترسيخ الوحدة بين الشطرين وذلك لأن بقاء الوحدات العسكرية على أوضاعها السابقة سياسيا وتنظيميا وقياديا سيعطي القيادتين السياسيتين دعما ومبررا للتنصل من الاتفاقيات التي تمت بينهما. وقد عقد الطرفان أكثر من خمسة اجتماعات قمة لدمج القوات المسلحة غير أن جميع هذه الاجتماعات لم تحقق أهدافها في دمج القوات المسلحة للشطرين.
ولعل اختلاف الأيديولوجيا العسكرية والسياسية بين الجيشين كان أحد أسباب عدم توحدهما ففي الشطر الشمالي حظرت الحزبية سواء في الحياة المدنية أو داخل القوات المسلحة واقتصر العمل السياسي على المؤتمر الشعبي العام الذي كان بمثابة التنظيم الوحيد الذي تنضوي تحته التيارات والاتجاهات السياسية كافة.
أما الوضع في الشطر الجنوبي فقد اختلف جذريا ليس فقط على صعيد التعامل مع الحزبية وتشكيل التنظيم الطليعي الممثل في الحزب الاشتراكي اليمني وإنما أيضا في السماح لأفراد القوات المسلحة بالانخراط في العمل السياسي تحت مظلة الحزب الاشتراكي. ومن هنا كان جيش الشطر الجنوبي يجمع بين الاحتراف العسكري والانتماء الفكري والأيديولوجي على نحوُ جعل من الجيش جزءاٍ من العملية السياسية في الجنوب ومن الطبيعي في وضع كهذا أن يكون أفراد الجيش على قدرُ عالُ من التسييس.
في الواقع فإن اختلاف التجربة السياسية والاقتصادية بين الشطرين انعكس من دون شك على الاختلاف الحاصل في طبيعة وتركيب الجيشين وقد مثلث هذه الإشكالية واحدة من أكثر قضايا الصراع حساسية في تلك الفترة. واتفق الطرفان على منع الحزبية في القوات المسلحة , بيد أن الطرف الجنوبي هو الذي التزم بهذا الاتفاق.. حيث اتضح ذلك أثناء الانتخابات النيابية 1993م , حيث قدم العسكريون الجنوبيون أنفسهم مرشحين مستقلين, بينما جاهر نظراؤهم من الشمال بانتمائهم إلى المؤتمر الشعبي العام.
ومع اشتداد الصراع بين طرفي الحكم المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي حول العديد من القضايا وعلى رأسها قضية دمج الجيشين وكمحاولة أخيرة لكسر هوة الخلاف بين الطرفين تم التوقيع بالعاصمة الأردنية عمان في فبراير /شباط من العام 1994 على وثيقة العهد والاتفاق. وقد كانت المواد الأهم في هذه الوثيقة تتعلق بالحد من الدور السياسي للجيش.
تحت عنوان “بناء القوات المسلحة وإعادة تنظيمها” نصت الوثيقة على أن القوات المسلحة يجب أن تتبع الحكومة مباشرة ويمنع تشكيل أية قوة مسلحة نظامية أو غير نظامية تتبع أي سلطة أخرى ويجب أن توزع القوات المسلحة على القوات البرية والبحرية والجوية ويمنع تكوين أية وحدة خارجة عن هذه الفروع الثلاثة. (في هذا إشارة واضحة إلى الحرس الجمهوري ).
يوضح نص الوثيقة أنه من الضروري التفكير بتعديل قانون الخدمة في القوات المسلحة والأمن ليؤكد على المبادئ التالية: أن يفتح باب التجنيد في القوات المسلحة والأمن أمام جميع اليمنيين دون استثناء وألا يبقى ضباط القوات المسلحة والأمن الكبار في مناصبهم أكثر من خمس سنوات. وأن تكون القوات المسلحة أنموذجا للوحدة الوطنية بعيدا عن التأثيرات الحزبية والسياسية والانتماءات العائلية أو المناطقية أو الطائفية وأنه يجب إعادة تنظيمها.
بالمجمل استهدف نص اتفاق عمان فيما يتعلق بالجيش الحد من هيمنة الرئيس صالح بخاصة وأقاربه التي تحتل المناصب الأهم في الجيش وقوات الأمن… وكان هذا من بين الأسباب لرفض صالح تطبيق الوثيقة ومن ثم التهيئة الإعلامية والسياسية والدينية للحرب ضد شريكه في الوحدة الحزب الاشتراكي والجنوب.. فكانت حرب 1994م المدمرة.
لقد نصت الوثيقة على” أن الخمس السنوات التي يجب أن يبقى فيها الضباط الكبار في مناصبهم تبدأ من مايو /أيار 1990 تاريخ قيام دولة الوحدة. كما ينبغي منع وجود أكثر من ضابط كبير ممن له علاقة عائلية بالرئيس وأبنائه وبرئيس الوزراء وبنوابه وبوزراء الدفاع والداخلية ورئيس الأركان, فإذا وجد أكثر من رئيس وحدة عسكرية يرتبط بقرابة عائلية مع الأشخاص المذكورين يجب أن يحالوا على التقاعد قبل إعادة التنظيم في القوات المسلحة أو يحالوا إلى مناصب مدنية أو يستقيلوا”.
شكلت قوات الحرس الجمهوري منذ العام 1991 قضية خلاف بين حزبي السلطة آنذاك (المؤتمر والاشتراكي) إذ رأى المؤتمر أن هذه القوات يجب أن تتبع الرئيس مباشرة في حين شدد الاشتراكي على أنها يجب أن توضع تحت المسؤولية المباشرة لوزير الدفاع لتجنب انقسام الجيش إلى قوات متعددة. وقد أعيد تناول هذا الموضوع في وثيقة العهد والاتفاق ولكن في الأخير تم التخلي عن كل هذا بعد حرب 1994م وإقصاء الشريك الجنوبي.
جرى بعد حرب 1994م دمج مشوه وغير مدروس ومزاجي للجيش الجنوبي في إطار الجيش ” المنتصر ” في هذه الحرب ولم تراعُ الأسس الوطنية والعلمية لهذا الدمج مما أدى إلى إقصاء وتسريح قسري لآلاف الضباط ولأفراد من الجنوبيين ضمن أخطاء استراتيجيه أخرى قوضت الوحدة اليمنية.
• ما تقييمكم لبناء وأداء القوات المسلحة التي أعقبت حرب 1994 وحتى أحداث 2011م ¿
– من يقلب صفحات التاريخ اليمني سيجد أن معظم الأحداث والتغيرات تمت على يد الجيش خاصة في التاريخ المعاصر فالتعاطي مع وضع الجيش أو هذه المؤسسة يضع أكثر من سؤال حول مكانها وتداخلها وكيفية ترسيخ العديد من الثوابت التي جعلت منها مجرد سلم يصل بها البعض إلى أهدافهم الخاصة.
فعلى الرغم من التطور الملموس الذي شهدته القوات المسلحة اليمنية خلال هذه الفترة تسليحاٍ وتنظيماٍ وعدداٍ وخاصة في وحدات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والأمن المركزي إلا أن الوجه الآخر لهذه الحقيقة مختلف… حيث أزاحت الثورة الشعبية التي اندلعت في اليمن في فبراير 2011 الستار عن الكثير من التشوهات التي اعترت جسد الدولة اليمنية ومكامن الخلل في بنية النظام السياسي الذي حكم طيلة 33 عاما, ويمكن اعتبار حدة الخلاف وحالة الشد والجذب بين قوى الثورة وبقايا النظام السابق التي جرت حول إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية في البلد وحالة الانقسام الذي كانت تعانيه هذه المؤسسة مؤشرات هامة ودقيقة حول الطريقة التي كانت تدار بها مؤسسات الدولة الوطنية.
مخرجات الحوار
• من خلال متابعتكم وقراءتكم لمخرجات الحوار الوطني.. هل تلك المخرجات تدعم بناء وإيجاد جيش وأمن وطني¿
– مما لاشك فيه أن مقررات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وخاصة فريق بناء القوات المسلحة والأمن ستشكل الأساس النظري لإعادة بناء وتطوير القوات المسلحة اليمنية وكذلك أجهزة الأمن والمخابرات على أسس وطنية وعلمية… غير أن الأهم هو التطبيق العملي الملموس ومن ناحية أخرى سيكون وضع ووظائف الجيش في الدولة الاتحادية غير وضعه في الدولة المركزية .
• كيف ترى مستقبل الجيش والأمن في ظل ما خرج به مؤتمر الحوار من قرارات بشأنهما ¿
ـ لقد لامست مخرجات الحوار فيما يخص القوات المسلحة , لامست وبصورة عملية معظم المعوقات والتحديات التي واجهت وما زالت تواجه بناء أجهزة والأمن على الأسس العلمية والوطنية وفي ضوء تجارب الماضي المريرة والمعقدة والمحزنة في كثير من جوانبها. ولذلك من الممكن البناء على هذه المخرجات لبناء جيش وطني حديث يقوم على النوعية والاحترافية وكذلك أجهزة الأمن.
• تعتقد أنه يمكن إيجاد جيش وأمن قوي في وقت تمتلك فيه جماعات وتنظيمات أسلحة ثقيلة¿
– الجيش اليمني موجود ولكن يحتاج إلى إعادة بناء وتحديث في كل المجالات التنظيمية والتدريبية والتأهيلية والتسليحية والبدنية والنفسية والمعنوية. أما موضوع الجماعات والتنظيمات التي تمتلك أسلحة ثقيلة ومتوسطة فهو موضوع آخر يتعلق بمدى تطبيق مخرجات الحوار التي نصت على نزع هذه الأسلحة من كافة المليشيات المسلحة وإن الدولة وحدها هي تحتكر امتلاك مثل هذا السلاح وإنشاء أي تشكيلات أو وحدات عسكرية أو أمنية.
خطوات ضرورية
• ما الخطوات التي يمكن أن تتخذها الحكومة في الوقت الحالي لبناء الجيش والأمن بحيث تكون المؤسستان قوة رادعة تحمي الوطن وممتلكاته¿
– سأجيب على هذا السؤال بدون مقدمات بالخطوات الرئيسة التالية :
1. استكمال هيكلة القوات المسلحة والأمن وربما إعادة النظر في بعض جوانب وتفاصيل الهيكلة التي تمت خلال السنتين الماضيتين
2. تخليص القوات المسلحة والأمن من مكامن الفساد المالي والإداري
3. تحسين الأوضاع المعيشية لمنتسبي هذه القوات
4. إيلاء اهتمام جاد وفعال بجوانب التدريب والتأهيل والتسليح والتنظيم بشكل نوعي ومتطور وحديث يقوم على النوع وليس على الكم
5. إعادة النظر في توزيع ووظائف ومهام القوات المسلحة والأمن بما يلبي الاحتياجات الدفاعية للدولة الاتحادية.
• ما أهمية أن يكون لدينا جيش وأمن وطني.. وما دور المجتمع في ذلك¿
– وجود جيش وطني قوي مهني ومحترف في ظل الديمقراطية والمتغيرات الكونية المتسارعة حتمية تاريخية وضرورة وطنية ليس فقط من أجل الدفاع عن سيادة الوطن وحريته وحماية منجزاته ولكن أيضاٍ من وجهة نظر متطلبات التطور الداخلي للمجتمع وحماية أمنة واستقراره وتوفير الشروط الدفاعية والأمنية اللازمة للتطور والتنمية بأبعادها الشاملة.
وقد اضطلعت القوات المسلحة بدور تاريخي متميز خلال السنوات المنصرمة في حماية التجربة الديمقراطية وأثبتت في كل المنعطفات أنها رغم كل المعوقات مع الوطن والشعب وأكدت التجربة والحياة العملية أنه لا يمكن أن تكون هناك ممارسة حقيقية للحقوق الديمقراطية للمواطنين في ظل غياب الحرية والأمن والاستقرار وغياب سلطة وهيبة الدولة على تراب الوطن بكامله.
“تأثيرات مناطقية”
• تعتقد أن هناك معوقات تعرقل إيجاد جيش وأمن منتمي للوطن والدولة¿
– بالتأكيد ما تزال المعوقات العديدة التي واجهت بناء وتوحيد القوات المسلحة وأجهزة الأمن في الماضي ما تزال قائمة وخصوصاٍ تأثيرات الحزبية والمناطقية والمذهبية والقبلية ولكن يمكن القول أن القوات المسلحة اليمنية أضحت اليوم في ضوء تجاربها السابقة وخبراتها العملية ونجاحاتها الكبيرة في تأمين المسيرة الديمقراطية أكثر اقتداراٍ وتأهيلاٍ من أي وقت مضى لانجاز مهامها الدستورية التنموية ذات الأبعاد الاجتماعية الديمقراطية وتفتحت أمامها آفاقاٍ رحبة للتعاون والتنسيق مع المؤسسات الرسمية والشعبية المدنية لمجابهة التحديات المحتملة.
• من خلال مسيرتكم العسكرية النضالية.. هل وجدتم ولاء وطنياٍ كافيا في صفوف الجيش والأمن.. وإن لم يكن.. فما السبب.. وكيف نحقق ذلك¿
– على الرغم من الانقسام الخطير الذي تعرضت له القوات المسلحة اليمنية خلال السنوات الأخيرة وما رافق ذلك من صدامات واشتباكات واحتكاكات إلا أن كل ذلك كان بشكل محدود وغير شامل وظلت القوات المسلحة النظامية بصورة عامة تتحلى بضبط النفس وانحازت لمصالح الوطن وطموحات الشعب في التغيير.. وساهمت القوات المسلحة بفعالية واقتدار في حماية وتأمين الانتخابات الرئاسية التوافقية وفي إنجاح مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
حفظ النظام
• ما هي سمات ومتطلبات بناء جيش وأمن وطني¿
– يعرف الجيش بأنه تنظيم تسلسلي هرمي يضم رجالاٍ مسلحين ويستطيع صد المعتدين ونقل الحرب خارج البلاد وحفظ النظام في الداخل ويبني وجوده على حقيقة الحرب التي تعتبر صراعاٍ مسلحاٍ بين طرفين يحاول كل طرفُ منهما فرض إرادته على الآخر وعملاٍ عنيفاٍ ساد تاريخ الإنسانية منذ عصور ما قبل التاريخ وحجم الجيش وشكله في كل زمان يعكسان حقيقة الوضع الجغرافي للبلاد وثرواتها وتطورها التقني كما يعكسان واقع التكوين الاجتماعي وإرادة الشعب الذي ينحدر منه هذا الجيش.
المفهوم الكلاسيكي
• عدم إعطاء المجتمع الجندي حقه وقيمته ومكانته من الاحترام.. كان أحد أسباب غياب ثقافة الولاء الوطني بالمؤسستين العسكرية والأمنية¿
– يعرف الجيش بالمفهوم الكلاسيكي بأنه اتحاد منظم للبشر المسلحين تتولى الدولة الإنفاق عليه بهدف خوض الحروب الهجومية أو الدفاعية. وهذا التعريف كافُ لأن تدرك الدولة والمجتمع أهمية تحسين الوضع المعيشي المناسب ( راتب , غذاء , سكن,ú علاج وتعليم… الخ ) للجندي الذي يضحي بحياته من أجل الوطن والمجتمع… ولكن هذا يتطلب قبل كل شيء تخليص الجيش والأمن كما أشرت سلفاٍ من الفساد المالي والإداري الضارب مثل الأعداد الوهمية والتضخم الوظيفي.
الجيش جسم اجتماعي
• الجيش والأمن دائماٍ هما الضامن في وجود الأمن والاستقرار والديمقراطية والحكم الرشيد.. أين نحن من ذلك..¿
– علاقة الجيش بالسلطة ودوره في ظل الديمقراطية كانت ولا زالت معضلة سياسية مطروحة على مستوى العالم بأسره حتى اليوم دون حلول ناجحة فإذا كان مبدأ التبعية يدل على حقيقة أن الجيش كأداة السلطة يجب أن لا تكون له إرادة سياسية خاصة به إلا أن تحقيق هذا المبدأ في الواقع العملي السياسي يجب أن يدرس من جانبين أولهما أن الجيش هو في الوقت نفسه أداة قهر يمكنها التحرك باستعمال القوة وثانيهما أن الجيش جسم اجتماعي قادر على التدخل في السياسة بواسطة وسائل شرعية على غرار جماعات الضغط المختلفة.
متخلف
• ما دور الأحزاب في بناء المؤسستين العسكرية والأمنية¿
– في البلدان النامية ذات الديمقراطيات المتسمة بتخلف بناها وقواها الاجتماعية يكون دور الجيش أكثر أهمية وأكبر تأثيراٍ على مسار التطور الديمقراطي وبوسعه الاضطلاع بدور تقدمي مقرر نجاح العملية الديمقراطية أو بدور رجعي يقرر فشلها إذ لا يمكن للديمقراطية أن تنتصر في هذه البلدان بشكل نهائي إلا إذا توفر شرط لا غنى عنه وهو أن تمتلك قوة مسلحة تدعمها وبمقدورها حماية الأمن والاستقرار الداخلي وتحطيم ومقاومة تآمرات القوى المعادية للديمقراطية.