رمضان في زمن حمّى الاستهلاك

احمد ماجد الجمال

 

رمضان أفضل شهر من شهور العام فهو شهر عبادة وصيام وقيام وتقرب إلى الله سبحانه وتعالى وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن الكريم، وفيه ليلة القدر وهي ليلة خير من ألف شهر وفضلها كبير ويأتي مرة واحدة في السنة ويعتبر فرصة لمراجعة الذات والصبر على الجوع والعطش الذي يعتبر مناسبة لتخليص الجسم من السموم المتراكمة في خلاياه واستشعار نعمة الصحة و الطعام والشراب صفة ينبغي أن يتحلى بها الجميع, وتزكية النفس وتخليص الروح من الشوائب والنظر إلى الذين لا يجدون قوت يومهم.

ورغم الفوائد العظيمة التي يتميز بها شهر رمضان المبارك عن بقية الشهور الا أننا نرى في حياتنا المعاصرة في زمن ارتفعت فيه غريزة الاستهلاك المتمثلة بالرغبة في استهلاك كل ما تقع العين عليه أو تشتهيه النفس وما يتبعها من نشوة نفسية وتحقيق السعادة المزعومة دون النظر إلى الحاجة الحقيقية وهي علي عكس فريضة الصوم وتعتبر من السلوكيات الخاطئة التي يرتكبها الأشخاص للاستعداد للشهر الفضيل بعد جولات مكثفة في التسوق يعودون إلى منازلهم محملين بمختلف الأصناف ومضاعفة قوائم المشتريات من حيث الأنواع والكميات وتناول الأطعمة بشراهة وقت الفطور وما بعده ,ومع الأسف يتجاوز ذلك السلوك الكم الهائل من النصائح الطبية والفقهية والاقتصادية الداعية إلى الترشيد وجعل هذه الشعيرة الدينية مناسبة للمصالحة مع الجسم والنفس والارتقاء بالروح.

وكل ذلك ناتج عن تعرض المجتمعات الإسلامية منها بلادنا لتحولات ومتغيرات في العادات واكتساب أفراد المجتمع ما يمكن التعبير عنه بانه الخضوع لثقافة الاستهلاك ولاشك ان للتأثير الإعلامي ووسائل التواصل الاجتماعي دور، فمثلا حال سؤال أي فرد ما يعني له شهر رمضان يبدأ بسرد معاناته المادية الاستثنائية وعدم قدرته توفير متطلبات الشهر الاستهلاكية فقط فعلى النقيض من مضمون الصيام الذي يدعو إلى التقشف في المأكل والمشرب وغيره تحول إلى مناسبة تشهد انتشار عادات غير سليمة واصبح الناس مكبلين بشهية الشراء كأنه مرض أصاب أفراد المجتمع عنوانه حُمى الاستهلاك للأسر بكل مستوياتهم المادية وتحول إلى شعيرة ذات بعد احتفالي واجتماعي رغم ما تشهده الأسواق من انتهاز للمناسبة برفع الأسعار ودوماً تكون مصاحبة هذا الشهر بسبب ارتفاع منسوب الاستهلاك الذي يظهر انعكاسه الإيجابي على حركة التسوق في الأسواق التجارية وهو اقتصاد مشوهة بسبب كثرة الغش والتدليس ونقيض لأشكال الاقتصاد العقلاني المبني على الأسعار الحقيقية والجهد والمردودية والاكتفاء، أو على التوازن لدي أفراد المجتمع الذي يجب أن يقوم بين ثنائية الدخل وضبط الانفاق حتى لا يؤدي الاخلال بهما إلى آثار وخيمة, ولا يحقق الاعتدال في المصروفات فزيادتها سواء عن مستوي القدرات المادية والصحية في شراء الطعام، والشراب وهي ممقوت أيضا حتى مع السعة ,فمن المؤكد انها عبء يتراكم اثره خصوصا على الأسرة ذات الدخول المحدودة الذين يضطرون للاستدانة لتلبية رغبات ومتطلبات الأسرة الشخصية المبنية على العاطفة وتقليد الغير في التسوق والاستهلاك والنتيجة تضاعف الأعباء المالية لعدم الاعتدال في الطعام والشراب وبقية التجهيزات والمستلزمات التي اكتسبها المجتمع وأصبحت عادات غير واعية تتبع جميعها نفس الحلقة كسلوك مفروض في شهر العبادات, فرمضان مناسبة مهمة ومحفزه نظرا لطابعها الاجتماعي لتبنى قواعد صحية للتغذية قوامها التخلص من المواد المضرة للصحة أو التقليل منه إلى أدنى حد وبالمعنى الاقتصادي تخفيض الإنفاق أو ترشيده بمعنى أدق وهذا هدف حيوي خصوصا في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها بلادنا كنتيجة لتداعيات العدوان والحصار, ومن المعروف ان القاعدة الاقتصادية للإنفاق في الظروف الطبيعية تعتمد على مستوى الدخل وثقافة الفرد، والأسرة وتنمية ما يعرف بالذكاء المالي ومراقبتها بموضوعية لأنها سبب ونتيجة في حسن إدارة وتدبير الاستهلاك الطيب المرتبط مع مضمون الشهر الروحي والتعبدي وتكون مسؤولية مشتركه لرب الأسرة وأفرادها فمثلا يلاحظ سنويا كثيرا من السلع الغذائية تصبح غير صالحة للاستهلاك الآدمي بعد أشهر قليلة من انتهاء شهر رمضان بسبب انتهاء صلاحيتها , وعدم استخدامها وهنا ينبغي على المستهلك أن يعي بأنه تسبب في إيذاء نفسه عبر إنفاق الأموال على سلع لم يستفد منها، وغير ضرورية لكن اشتراها في فترة كان صائما ورغبته في شراء الأطعمة كانت مرتفعة دون الالتفات للنتائج المترتبة على ذلك.

ومن هنا يأتي دور الجهات ذات العلاقة صياغة خطة للحد من ظاهرة اختلال الأسواق على مدار العام وليس فقط في المواسم عبر تعزيز المتابعة الصحية والتموينية والبرامج التوعوية والإرشادية لأفراد المجتمع وفي نفس الوقت عدم السماح للسلع التي لا تلتزم بالمواصفات والجودة ومنع تداولها ومراقبة الأسعار وفترة الصلاحية من خلال تقصى حقيقة الأسعار على أرض الواقع وطبيعة السلعة بالزيارات الميدانية لمنع الممارسات غير القانونية وتعزيز ثقافة الاستهلاك التي يجب على الفرد اتباعها بعيدا عن مقولة لا شيء يمكن ان يتغير بل العكس كل شيء بالإمكان ضبطه وتغييره، لأن الله سبحانه وتعالى منح الإنسان العقل الذي يتيح له الإرادة والاختيار أو الامتناع عن فعل ما يشاء وقت ما يشاء بالطريقة التي يشاء والسيطرة على الرغبة و تجنب محاكاة الآخرين بدون ادراك خاصة مع متغيرات الحياة السريعة والصعبة والتحديات التي يتعاطى معها الإنسان بصفاته الفطرية السليمة والسجايا المدركة بالبصيرة فهو قادر على الاعتدال وترشيد قوائم الاستهلاك ومنع الزيادة في الانفاق فوق القدرة المتاحة وفي نفس الوقت تطبيق معاني الصوم إمساك عن شهوة البطن من خلال الإدارة الرشيدة للمحفظة المالية للأسرة والتفريق بين الاحتياجات والمتطلبات الحتمية اليومية التي تأخذ الجزء الأكبر من الدخل وما هو ثانوي ويمكن الاستغناء عنه وتوجيه الأبناء بالتوسط في الإنفاق بالتوعوية الهادئة لتجنب الضغوط الاستهلاكية التي يمكن أن تكون تحدياً كبيراً بالنسبة لذوي الدخول الضعيفة والمتقطعة وتحقيق المقاصد الذهبية والنبيلة من تشريع الصيام كمدرسة روحية عظيمة تتناغم مع مضامين هذا الشهر الفضيل لنتعلم منه ونعمل به كشعيرة دينية تعبدية وروحية في المقام الأول.

 

قد يعجبك ايضا