“لقاء الأربعاء”

مصطفى عامر

 

هذا- يا رعاك الله- وقد سمعت أحد المحسوبين على حكام سوريا الجدد، يقول “إن الكيان القذر ليسوا أعداءه، هو ومن يحكمون سوريا الآن”، مستشهدًا بـ:

أولًا: قول الحق سبحانه “وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ”.

—-

ولا مانع على أية حالٍ من سؤاله، لمن وجه الخطاب أعلاه، أهو لكافة المؤمنين، أم لخاصة سوريا؟

– فإن كان لكافتهم فالعدو القذر يقاتل إخواننا المؤمنين في غزة، وهذا يجعل كل الأمة في موضع “وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ”.

– وإن كان القرآن قد أنزل لأهل سوريا خاصة، فالعدو القذر يقاتلها أيضًا، ويتوغل في الأراضي السورية، ويقصفها كل يوم، ويتموضع الآن على مشارف دمشق.

ولهذا فالقرآن هنا لا يشهد لك، وإنما عليك.

———

ثانيًا: وقال إنهم بصدد التطبيع مع العدو القذر، بحجة أن النبي صلوات الله عليه وعلى آله، عقد مع كفار مكة صلح الحديبية.

والرد، ببساطة، أن يد النبي في صلح الحديبية كانت الأعلى، وما كان كفار المكة وقتها من يغزون المدينة، ثم أنه ذهب إلى مكة لأداء العمرة، ولو قام بتأجيلها للعام القادم فلم تكن لتسقط عليه عمرته.

كما أنه منذ البدء لم يذهب لقتال، لم تكن هذه منذ البدء نيته، وما كان له أن يبادرهم باعتداء، لأن “الله لا يحب المعتدين”، وما كانت مكة وقتها من أرض الإسلام، أي: أهل مكة هم دائمًا أهل مكة.

وبصلح الحديبية تحقق الغرض، بأداء العمرة، وإن كان قد تم تأجيلها.

لكنه لم يعقد معهم صلحًا وهم يغزون المدينة، وفي بدرٍ والمسلمون أضعف قوّةً وأقل عديدا.

وإذا كانت هذه حجتكم على أية حال، فلتعقدونها مع السوريين أبناء جلدتكم، من باب أولى، فهم أقرب رحمًا وإن كانوا في عيونكم “كفرة”!

كلهم في التصنيف، حتى وإن حسبتموهم أعداءكم، أقل عداوةً من يهود، بمن فيهم المسيحيون الذين هم- بحسب القرآن- أقرب مودّة.

ثالثًا: إذا كنتم تقولون بأنكم “سلفية”، فمذهبكم لا يجيز الخروج على الحاكم، حتى وإن كان طاغية، ولنقل أن بشار كان طاغية، وحتى لو كان فمذهبكم لا يجيز الخروج عليه، حتى وإن جلدكم، حتى وإن أخرج قرنياتكم الحمقاء من محاجرها.

وبحسب أحد دعاة السلفية: حتى وإن مارس الزنا في التلفزيون، وأمام العالمين.

– حتى ولو كان هكذا، فقد كان بمذهبكم هو المتغلب، وأنتم الذين خرجتم عليه، ووفقًا لمذهبكم أيضًا فقد حكمتم على الخارج عن سلطانه بالقتل.

– “سلفيتكم تقول هذا”، ونحن لا نتفق معها في هذا الأمر، لكنه مذهبكم، وقد كان عليكم أخذه كاملًا.

– وإذا قلتم بأن بشار كان “كافرًا”، وإذا سايرناكم بموضة “التكفير”، فنتنياهو أكفر من بشار، فإن كان هذا “باعٌ” فذاك ذراع، فلماذا توجبون قتال الأول، وتوجبون مهادنة الثاني؟

– وإذا كنتم- كما تزعم- من دعاة نشر الدين باللين، وكنتم حتى تعتبرون كافة السوريين كفارا، فلماذا لا تبادلونهم السلم، وتنشرون أفكاركم ومعتقداتكم باللين، “وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ”.

مع التنبيه إلى أن هذه الدعوة، وإن كانت ستنطبق على أهلينا في سوريا الذين تعتبرونهم- بزعمكم- كفارا؛ فهي لا تبرر التطبيع مع العدو القذر. لأنه اغتصب أرض الإسلام في المقام الأول، وقتل أهلنا في فلسطين، وهم المستضعفون الذين استنصروا في الدين كل الأمة، وقد قال الحق سبحانه: “وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ”.

– وعلى أية حالٍ، وبمنأى عن تهافت التهافت ولغو الحديث الذي يساق على ألسنة الدائرين في فلك “سوريا الجديدة”، فإنها محض مؤشراتٍ إضافية.. تؤكد إلى أيّ مدىً تاهت البوصلة، وإلى أيّ درجة يحكم سوريا اليوم قومٌ لا يعرف حتى منابتهم الحقيقية أحد، وما إذا كانوا من المحسوبين على سوريا، بل، وعلى الإسلام بمنأى عن مذاهبه.. بالفعل! أم أنهم جواسيس مدسوسون، ويهودٌ مستترون، تمامًا مثل يهود الدونمة، تمامًا مثل مصطفى كمال أتاتورك، اليهوديّ المؤسس لتركيا العلمانية الحديثة! أو حتى كمال أمين ثابت؛ الرجل الذي كاد أن يتبوأ في سوريا الستينيات كرسي وزارة الدفاع، قبل أن تكتشف جاسوسيته، وأن اسمه الحقيقي “إيلي كوهين”!

فيا تُرى؛ ما هو الاسم الحقيقي، والمعتقد الحقيقي، والانتماء الحقيقي للجولاني، الذي أصبح- في ظرف أسبوع- رجلًا آخر يلبس الكرافات، ويسمي ذاته “أحمد الشرع”، ويشهد له أحمد منصور- مذيع الجزيرة- بخالص الإيمان؟!

وفي صبيحة الأربعاء القادم، في الزاوية ذاتها بإذن الله.. يبقى لنا حديث.

قد يعجبك ايضا