الثابت قطعيا دونما شك أو ريب، أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد انتهى وبات من الماضي الذي مضى وانقضى بمغادرة الأسد سوريا وإقامته في موسكو وتسليم السلطة من قبل رئيس حكومته للجماعات المسلحة التي تطلق على نفسها مسمى هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع الذي عرف طيلة السنوات الماضية باسم أبو محمد الجولاني والذي سبق وأن وضعته الولايات المتحدة الأمريكية على قائمة الإرهاب وعرضت ملايين الدولارات لمن يتمكن من إلقاء القبض عليه، الجولاني اليوم بات الحاكم الفعلي للجمهورية العربية السورية، بمعنى أنه المسؤول الأول وجماعته عن الذود عن الأرض السورية، والمنوط بهم الحفاظ على الأمن والاستقرار، وطي صفحة النظام السابق، وفتح صفحة جديدة بمعزل عن لغة الانتقام وسياسة تصفية الحسابات، والتعاطي مع المسألة بمسؤولية تليق بمقام ومكانة سوريا.
السلاح السوري، الثروات والمقدرات السورية، السيادة السورية، كل ما يتعلق بسوريا انتقلت مسؤولية حمايته والدفاع عنه للقيادة والحكومة الجديدة المعنية باتخاذ خطوات عملية لتعزيز ذلك، وكسب ثقة الشارع السوري الذي ما يزال متخوفا وخصوصا فيما يتعلق بالسياسة التي سيدير بها الجولاني وحكومته سوريا، هناك أولويات عليهم القيام بها، أولويات تلامس حياة المواطن السوري، أولويات مقدمة على تحطيم تماثيل القيادة السورية وتغيير أسماء المساجد والشوارع والأحياء والمدارس والجامعات، أولويات تتعلق بالسيادة الوطنية السورية التي تنتهك يوميا من قبل كيان العدو الصهيوني .
الجيش الإسرائيلي يتوغل داخل الأراضي السورية في انتهاك سافر للسيادة السورية، والطائرات الحربية الإسرائيلية تواصل تدمير القوة العسكرية للجمهورية العربية السورية التي جاء الجولاني وجماعته تحت يافطة الانتصار لها ولشعبها، كل ذلك ولم ينبس الجولاني ببنت شفه حيال ذلك، وكأن المسألة لا تخصه، وكأن تدمير القدرات العسكرية السورية التي تكفل بها كيان العدو الصهيوني تندرج في سياق مهمة إسقاط نظام الأسد التي قام بها وجماعته؟!!
أنا شخصيا أستغرب من دعوة الجولاني للشعب السوري للخروج إلى الساحات والميادين للاحتفال بسقوط بشار الأسد في هذا التوقيت الذي تتساقط الصواريخ الإسرائيلية على العاصمة دمشق وهو يرى آثارها ويسمع صدى انفجاراتها، ودخان الحرائق التي تخلفها، ولا يعني ذلك أنه ليس من حقه الدعوة للاحتفال، ولكن ما أقصده أن هذه الدعوة كان من المفترض أن تسبقها دعوة للأحرار في الجيش السوري للالتحام مع جماعته من أجل مواجهة الجيش الإسرائيلي المتوغل في العمق السوري وإجباره على الانسحاب، وعمل كل ما من شأنه حماية ما تبقى من المقدرات العسكرية السورية، وتأمين حياة العقول السورية النيرة والكوادر المؤهلة التي باتت هدفا لفرق الاغتيالات التابعة للموساد الصهيوني والتي نشطت عقب سيطرة جماعته على السلطة في سوريا، والتي تكشف حجم المؤامرة الصهيونية التي تستهدف سوريا .
النخب المثقفة وجهابذة العلم والمعرفة في سوريا يعدون ثروة قومية وعالمية لسوريا وللمنطقة وللعالم، ومن غير المنطقي أن يتركوا لآلة القتل والإجرام الصهيونية وأدواتها وأذرعها القذرة، من الجرم تكرار ما قامت به أمريكا وإسرائيل بحق العلماء والمفكرين والنوابغ في العراق عقب الاحتلال الأمريكي .
اليوم في سوريا، لا ذنب لهذه الكفاءات والكوادر حتى تترك فريسة سهلة لفرق الاغتيالات التابعة لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، هناك من يبرر للجولاني وجماعته هذه السلبية المفرطة تجاه الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة السورية وعمليات الاغتيال والتصفية الجسدية التي تطال العلماء والمفكرين بقصر المدة التي مضت على تسلمهم السلطة، وهو مبرر غير دقيق البتة، وخصوصا أن عملية التسليم والانتقال للسلطة جرت في أجواء سليمة ودون أي مقاومة من الجيش السوري، والشارع السوري تعامل بشكل طبيعي مع ما حصل رغبة منه في العيش الكريم والحياة الهانئة التي كانت وما تزال وستظل هدفا منشودا لهم سواء في عهد الأسد أو في الوقت الراهن .
بالإضافة إلى أنني ومع الكثير أرى أن لا معنى ولا قيمة لوجود دولة تحت أي مسمى، تكون منزوعة السلاح، منتهكة ومستباحة السيادة، إذا أنت غير قادر على حماية حدود بلدك، والحفاظ على حق أبناء شعبك في الحياة، فما حاجة بلدك وشعبك إليك؟! إلا إذا كنت عبارة عن أداة بيد قوى أوكلت إليك تنفيذ مهمة ما، دون أن يكون من حقك القفز على هذه المهمة، وهنا تكمن الكارثة.
الخلاصة.. من لا ينظر إلى كيان العدو الصهيوني كعدو لدود لله ولرسوله وللأمة وللعالم بأسره، فهو بعيد كل البعد عن دين وتعاليم الإسلام وهدي القرآن، وإن اعتلى المنبر خطيبا، وتقدم صفوف المصلين إماما، وتغنى بالقرآن مرتلا، فالأقوال مصادقيتها الأفعال، والتوجهات معيار مصداقيتها التنفيذ في الميدان، ما نزال في الانتظار ولسان حالنا يجسده المثل الشعبي (مسلم أو يهودي با يخرجه سبته).
والله من وراء القصد .