( مشهدية الفوز ) تفاصيل الساعات الأخيرة لعملية استشهاد القائد الكبير يحيى السنوار

مراد راجح شلي

استدراك: توثيق للساعات الأخيرة لعملية استشهاد القائد الكبير يحيى السنوار بطريقة السرد الروائي معتمدين على منهجية البحث والرصد والتحليل لجميع الروايات المتداولة المختلفة والتي تتقاطع مع شخصية البطل الشهيد مع ضبط دقيق للسياقات الزمنية للأحداث.
الساعة الخامسة إلا ربع فجرا بتوقيت مدينة غزة الخميس 17 أكتوبر 2024م.
القمر يضيء سماء القطاع فهي ليلة منتصف الشهر القمري.
تصدح المساجد بأصوات أذان صلاة الفجر في السماء معلنة يوماً جديداً من سردية الصمود الأسطوري في وجه آله الاستكبار الصهيونية.
داخل غرفة صغيرة في الطابق الثاني بمبنى شبه مدمر في مخيم تل السلطان برفح.
مخيم تل السلطان يطلق عليه اسم “معسكر تل السلطان”، يقع شمال غربي مدينة رفح في قطاع غزة، ويعد فرعا من أفرع مخيم رفح، تأسس بديلا عن مخيم كندا الذي أصبح ضمن الحدود المصرية عقب اتفاقية كامب ديفيد.
يقع المخيم شمال غربي مدينة رفح، ويعتبر فرعا من أفرع مخيم رفح الموجود وسط المدينة والممتد في معظمها، إلى جانب مخيمات أخرى تتبع له إداريا مثل مخيم الشابورة وأسدود وغيرهما. وبلغ عدد سكان مخيم رفح عام 2024 نحو 44 ألفا و227 نسمة حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
يتواجد بالغرفة ثلاثة أشخاص يؤدون صلاة الفجر يؤمهم رجل ستيني نحيف بشعر رأسه الثلجي ولحيته البيضاء وعيون كالصقر، حاد الملامح يتلو آيات الصلاة بصوت منخفض خاشع. انتهوا من صلاتهم وأذكارهم ليبدأ القائد بتمنطق سلاحه الشخصي الكلاشينكوف وجعبة عسكرية بداخلها أربعة أمشاط ذخيرة وقنبلتين يدويتين.. يضع بحرص مصحفين صغيرين داخل الجعبة ثم يلبس بندقية قنص نوع دراجنوف على كتفه الأيسر ثم يلثم وجهه بشاله الفلسطيني.
يلتف بجسده للخلف نحو رفيقيه اللذين انتهيا من تجهيز نفسيهما.. يرفعا أعينهم باتجاهه.. يحدث رفيقيه: يوم جديد آخر ننكل فيه بالعدو.
يبتسم الاثنان فهما يسمعان ذات الجملة عقب صلاة الفجر وأصبحت هذه الجملة صباحيتهم المعتادة كل يوم، فبعد انتهاء العمليات في خان يونس انتقل القائد يحيى السنوار ورفيقيه لرفح منذ نهاية مايو وحتى اليوم.
كانوا يهاجمون بتكتيك “الأربعين ثانية” غير المسبوق في تاريخ الحروب وسيسجل باسمهم في تكتيكات حرب الشوارع يتم فيها الاستهداف عبر مجموعات مكونة من ثلاثة أفراد يقومون بتغيير تموضعهم بلا توقف ويستهدفون مشاة العدو عبر الانقضاض عليهم من أماكن مختلفة والانسحاب فورا مستغلين عامل المباغتة وسرعة تنفيذ العملية والإخلاء مسنودين بالثقة بالله وشجاعتهم وتمرسهم للقتال ونفسية العدو المذعورة أصلاً.
الساعة العاشرة صباحاً بتوقيت مدينة غزة الخميس 17 أكتوبر 2024م.
يشاهد القائد يحيى السنوار من بعيد عشرة أفراد من مشاة العدو الإسرائيلي يقومون بتمشيط أحد المباني، يشير بيده اليسرى للحاج محمود حمدان قائد كتيبة تل السلطان ورفيقهم الثالث ينظران إليه يرفع اصبعيه السبابة والإبهام باتجاه عينيه ثم يشير بهما باتجاه مكان تواجد أفراد مشاة العدو.
يشاهدوهم ثم يعيدون بأعينهم باتجاه قائدهم يشير باصبعه باتجاه الحاج محمود ويدور بها عكس الساعة ليعرف الحاج اتجاه مكان تموضعه فيذهب على الفور باتجاه يمين مكان تواجد جنود العدو وكذلك رفيقهم الثالث الذي ذهب عكس اتجاهه يسار مكان تواجدهم .
بعد أن تموضع الاثنان على بعد خمسين متر تقريبا يمينا ويسارا بانتظار إشارة البدء التي يطلقها القائد السنوار عبر إطلاقه الرصاصة الأولى.
يلتفت القائد السنوار بعينينه الحادتين حول المكان ويلقي نظرة على رفيقيه ثم يبدأ إطلاق النار مباغتاً القوة الراجلة للعدو والذين يتفاجأون بكمية إطلاق نار كثيف عليهم من ثلاث جهات ليتساقطوا بين قتيل وجريح.
استغرقت العملية أربعين ثانية وهي فترة هذه العمليات الخاطفة التي ابتدعها مقاتلو المقاومة في غزة وسميت بعمليات الأربعين ثانية.
يشير القائد السنوار لرفيقيه بسرعة العودة لمكان التجمع ومغادرة المكان، يركض الاثنان بسرعة في خط متعرج تفاديا لأي هجوم من الخلف.
يعرف الثلاثة أن السرعة والوقت يشكلان عاملي حسم في هذه العمليات.
ينطلق الثلاثة عكس اتجاه المكان يركضون بسرعة مدهشة رغم أعمارهم المتقدمة لكن اللياقة وتمرس القتال جعلهم مقاتلين سريعين للغاية ومناورين بشكل مدهش.
واصلوا ركضهم باتجاه مكان الاختفاء وتربص أهداف جديدة وفجأة تشاهدهم قوة مشاة كبيرة خرجت من زقاق شارع جانبي مكونة من خمسين جندياً انتقلوا للتو للمكان بعد سماعهم إطلاق النار الكثيف.
بسرعة يشير قائد مجموعة العدو بيده للجنود بإطلاق النار باتجاه المقاتلين الثلاثة ليبدأ إطلاق النار الكثيف باتجاههم..
كان القائد السنوار يركض متقدماً رفيقيه بنصف خطوة.. يمسح بعينيه الأماكن أمامهم وصلوا لنهاية الشارع، تلتقط أذنيه صوت إطلاق رصاص من يمينهم تراجع نصف خطوة ساحبا زميليه باتجاه حفرة كبيرة يسار تواجدهم.
انزلقوا بخفة عجيبة باتجاه الحفرة ثم التفت بعينيه باتجاه مصدر إطلاق الرصاص الذي يبعد ثلاثين متراً..
كان يتحرك بسرعة ومرونة مدهشتين.
يعود لمشاهدة رفيقيه، يشاهد الحاج محمود مضرجاً في دمائه، بعد إصابته برصاصة قاتلة في الرأس وأخرى في يمين صدره فيما رفيقهم الثالث أصيب برصاصتين في ساقه اليمنى أما القائد السنوار فكان نصيبه رصاصتان أصابتا عظمة كتفه الأيمن وسحقته تماماً..
يمسك وجه الحاج محمود بكلتا يديه ويمسح دماءه ويشير لرفيقهم الثالث بأن يطلق النار باتجاه مكان إطلاق النار المعادي.
بصوت متهدج يسارع للشهادة يُحِّدث الحاج محمود قائده يحيى السنوار:
أبو إبراهيم فش فينا حيل انتبه لحالك وللمقاومة في وداعة الله.
يحتضن القائد السنوار رفيقه الشهيد مودعاً إياه في مشهد مؤلم .
يغالب وجع فقد رفيقه يمسح المكان بعينيه يشاهد منزلاً أمامهم يفكر بسرعة يجب الوصول إلى المنزل.
يتواصل تبادل إطلاق النار.. يلقي القائد السنوار قنبلة يدوية باتجاه جنود العدو ويستغل غبار القنبلة ليوقف رفيقه الثالث ويضع يده اليسرى جنب كتف رفيقه ليساعده على المشي.
يخرجان من الحفرة باتجاه المنزل أمامهما.. وفجأة قذيفة دبابة تنطلق باتجاههم..
انقشع غبار القذيفة وبعينين داميتين يشاهد القائد السنوار رفيقه شهيداً مضرجاً في دمائه يسحب جثته للداخل باتجاه ردهة المنزل وسط إطلاق نار مكثف.
أصيب القائد السنوار بشظايا في رأسه وعنقه ومزقت لحم ساعد ذراعه اليمني وفي كلتا قدميه عشرات الشظايا بمختلف أجزاء جسده رغم فداء رفيقه الذي قام باحتضانه ليحمي جسده.
صعد بكل صعوبة يجر جسده القائد السنوار للطابق الثاني من المنزل يشاهد طقم كنب شبه مدمر..
يقترب من النافذة ويبدأ في إطلاق النار.
ينتظر قليلا ويسمع صوت اقتراب الجنود يلقي قنبلة يدوية يسمع صراخ الجنود.
يبتعد الجنود بضحاياهم.
فجأة دوي قذيفة دبابة باتجاه مكانه..
يصاب من جديد يشعر بأسياخ من النار تخترق ظهره يتحامل على جراحه النازفة.
يتنامى لمسامعه صوت اقتراب خطوات جنود العدو ينتظر قليلاً يخرج القنبلة اليدوية الأخيرة يرميها باتجاه النافذة لتسقط فوق الجنود المتقدمين خارج المنزل ليسمع من جديد صوت صرخاتهم.
استمر إطلاق الرصاص لست ساعات متواصلة.. نفدت ذخيرة القائد السنوار تماماً.
يلتفت ناحية طقم الكنب يتذكر صورته الشهيرة على كنبة خلف الدمار بعد عدوان 2014 م.
يذهب باتجاه الكنبة يجاهد نفسه مستعينا بعصا خشبية للجلوس عليها.
يمر شريط حياته أمام عينيه..
طفولته في مخيم خان يونس للاجئين ،أسرته أباه وأمه أولاده الثلاثة زوجته شقيقاه ، سنوات شبابه الـ24 التي قضاها في السجون الإسرائيلية سنوات النضال العسكري التي توجها بعملية طوفان الأقصى. رفاق حماس.. شهداء المقاومة ،الحاج محمود.. ورفيقهم الثالث .
يخرجه من تفكيره صوت طائرة درون تقترب من مكانه.. تقترب ببطء يجاهد نفسه ويرمي باتجاهها العصا الخشبية.
يرفع عينيه للأعلى، يتذكر كلماته لوالدته ” الآن جاء الموعد يا أماه، فقلد رأيت نفسي اقتحم عليهم موقعهم، وأقتلهم كالنعاج ثم استشهد، ورأيتني بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم، وهو يهتف بي مرحى بك مرحى بك”.
يكرر الشهادتين ويسلم روحه لبارئها شهيدا في سبيله عز وجل.
الساعة الرابعة عصرا بتوقيت مدينة غزة الخميس 17 أكتوبر 2024 م.
ظل العدو لساعات يقصف المبنى حتى دمره تماما وعندما اخرجوا جثمان القائد الكبير من بين الأنقاض ارتعبوا بسرعة حينما رفعوا لثام شاله الفلسطيني عن وجهه ليصرخ الجنود في رعب: إنه السنوار.
تصل المعلومات لقيادة العدو ويبدأون بسرعة تحليل الصورة وإرسال الخبراء وتحليل الـDNA وطوال ساعات حتى إعلان جيش العدو استشهاد القائد السنوار وبسبب نشوة انتصارهم المزعوم نشروا مقطع الطائرة المسيرة ليتحول لدليل على عظمة وبسالة القائد الكبير الشهيد يحيى السنوار.
ثم نشروا ما قالوا إنها مقتنياته فيما هي بعض من مقتنياته ومقتنيات رفيقه الثالث الشهيد.
ندم العدو بعد نشره للمقطع ولمقطع المقتنيات فقد أكدوا قوة وبسالة وصلابة الشهيد القائد وفندوا روايتهم المكذوبة المعتادة عن الشهيد البطل يحيى السنوار.
انتهى,,

قد يعجبك ايضا