تأخرت حتى كتبت عنه تأخرت حتى استطعت أن استوعب خبر استشهاده، أعرف أن مثله لا يليق به إلا الشهادة، أعرف أن مثله لا يليق به إلا أن يكون مع سيد الشهداء حسين كربلاء، أعرف أن مثله لا يليق به وبفراقه إلا أن يكون عظيما بعظمته، أعرف أنه قد فاز الفوز العظيم رغم خسارتنا الفادحة به، أعرف أنه ارتقى حيث المقام الذي يستحقه، رغم ثكلنا وفجيعتنا به وبفراقه، أعرف أنه في مقام التبريكات لا التعازي، أعرف كل ذلك ورغم معرفتي لا أريد ولا أستطيع إلا أن أُبكيه وأرثيه ولولا ذكر الله لتصدعت الأفئدة من رزية فراقه.
إلى من أقدم العزاء فيه؟ إلى بيروت الأبية الشامخة بنصره. أم إلى صنعاء الوالهة بعشقه. أم إلى دمشق وبغداد وطهران المتيمة بحبه. أم إلى القدس الباكي المنتحب لفراقه؟
من أعزي فيه؟ حزب الله الذي هو سيدهم ونبض قلوبهم. أم أنصار الله وقائدهم المتألمين لمصابه.
أم إلى المحور الذي هو وتده وناصيته؟ من أعزي فيه والكل مكلوم القلب عليه؟!
من أعزي أهله وذويه وهل مصابه أصاب أهله وذويه فقط! أم أن مصابه قد أصاب الكل وأوجع ومزق نياط قلوبنا جميعا وجعل الدموع تنهمر كأنهار متدفقة لا تريد ولا تقبل الانقطاع أو التروي مهما حاولنا منعها وحبسها في المآقي؟
هل أترك عزاء الجميع وأعزي نفسي؟ وإذا كان كذلك فكيف أعزيها وبما أواسيها وماذا أقول لها!
نفسى التي ما عرفت السياسة ولا التفتت إليها إلا إذا كانت منه، نفسي التي تتسمر أمام الشاشة إذا أطل منها سيد المقاومة، نفسي التي رأت فيه العز في زمن الهوان والشموخ في زمن الذل والنصر في زمن الهزائم؟ فـيا صبر زينب.
كيف نعزي وكيف نرثي مثل هذا الرجل؟
إنه «حسن نصر الله» من أعاد للأمة الأمل وأحيا فيها روح الجهاد وحب الاستشهاد. نصر الله من علمنا عدم الاستسلام، ووعدنا النصر، وحقق لنا النصر، حسن نصر الله قائد تملك القلوب قبل العقول، قائد توغل حبه في كل من عرفه من ساسة وقادة ورجال ونساء وشيوخ وأطفال وإعلاميين من كل الدول ومن كل الطوائف والمذاهب والأعراق، ولم يشذ عن محبته إلا من هم عبيد لا يعرفون ما معنى الحرية.
قائد جعل حتى أعداءه ينحنون إجلالاً وإكباراً لهيبته، «يبكيه حتى الحاسدون لفضله.. أن السماء لم تخل من حسادها».
قائد إذا رفع إصبعه بالتهديد جعل فرائص أعدائه ترتعد من ذلك الوعيد، قائد استثنائي في زمن التدجين.
إن نصر الله قائد لن ينسى، ولن يمحى اسمه من قلوب أحبائه وأعدائه مهما طال وتباعد زمن ارتقائه شهيدا.
أنرثيك نصر الله أم نهنئك؟
هل ندع رثاءه وعزاءه ونهنئه بالشهادة ولقائه الأحبّة محمد وآله وصحبه ونهنئ الجنان بقدومه ونقول له هذا ما سعيت إليه اللقاء بالنبي المختار وبحيدرة الكرار وبالحسنين وبمولاتي الزهراء.
هل ندع التهنئة والعزاء ونوجه كلامنا إلى الشامتين والأعداء ونقول لهم، لا تطمئنوا ولا تفرحوا، فسيدنا وقائدنا قد قالها لكم ولنا نحن منتصرون فنصرنا انتصار واستشهادنا انتصار وأنتم مهزومون في كلا الحالتين ولن يطول الأمد على هزيمتكم وليس في قتلكم لقادتنا نصر لكم ولا هزيمة لنا، فقادتنا باقون ما بقي المجاهدون والجهاد باق ما بقيت كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وسنتجه كما وعدنا سيدنا نصر الله إلى القدس الشريف رافعين راية النصر، وسنخرجكم من فلسطين كل فلسطين وكل أرض عربية بشكل أفقي محملين على نعوش هزيمتكم وليس هذا ببعيد: (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ).