العرب وقدرات الكيان الخارقة..!

طه العامري..

 

 

منذ حدثت عملية تفجير (البيجرات) وأجهزة اللاسلكي في لبنان مستهدفة قيادات وقواعد المقاومة الإسلامية اللبنانية ممثلة بحزب الله، ووسائل الإعلام العربية وخاصة تلك التي تتبع أنظمة مرتهنة وتابعة لأمريكا والكيان الصهيوني، تتحدث عن عملية (اختراق الصهاينة) للمقاومة وأنها- أي المخابرات الصهيونية- استطاعت اختراق قيادة وقواعد المقاومة، بل وتتحدث هذه الوسائل عن قدرات تجسسية صهيونية طالت الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقياداتها ورموزها السيادية..!
قد يكون طبيعيا وجود حرب استخبارية بين العدو وفصائل المقاومة والدول والأنظمة المعادية للكيان، فهذا شيء طبيعي، لكن ما هو غير طبيعي هو هذا التهويل الذي يسوق ويظهر الكيان وكأنه يعرف الصغيرة والكبيرة عن المقاومة وعن محور المقاومة وهذا التضخيم يسوقه الكيان ليرعب به خصومه ويزرع الشكوك في أوساطهم ليخلق حالة من الارتباك وزرع بذور الشك في أوساط أعضاء الفصائل المقاومة وجعل كل فرد يشك بالأخر وهذا ديدن الكيان الصهيوني منذ تأسس وهو يعتمد هذه النظرية وهي نظرية التضخيم الوهمية لقدراته الاستخبارية..؟
لا شك في أن هناك حالة اختراق قد حدثت إلى جانب القدرات الاستخبارية التي سخرت لخدمة الصهاينة من قبل أمريكا وبريطانيا وأجهزة الاستخبارات الغربية، ناهيكم عن الأقمار التجسسية والطائرات بدون طيا، مضاف إلى كل هذا جواسيس على الأرض مجندين لخدمة أجهزة استخبارية عربية وأجنبية وصهيونية وهؤلاء تم تجنيدهم لخدمة الصهاينة في نقل المعلومات عن المقاومة ورموزها وتحركاتهم، وخاصة في مجتمع مفتوح كالمجتمع اللبناني الذي تنشط فيه الكثير من أجهزة الاستخبارات العربية والدولية، وهذا ليس فعلاً من معجزة حققها الصهاينة، بل هو ظاهرة يمكن حدوثها في ظل مواجهة تدور بين المقاومة والعدو، الذي نفترض انه تمكن من اختراق المقاومة بما نسبته 20 ٪ تزيد النسبة قليلا أو تقل، فهذا فعل يمكن حدوثه، لكن هذا السلوك لا يعني نهاية المقاومة ولا يعني قدرة العدو وسيطرته، إذا ما قارنا قدرات العدو وشركائه وحلفائه وإمكانياتهم مقابل قدرات وإمكانيات المقاومة التي نحني لها الهامات، لأنها تنازل عدواً تراجعت أمامه كل جيوش الأمة وأجهزتها ومع ذلك علينا أن نعرف أن هؤلاء الذين يتحدثون عن قدرات العدو التجسسية عليهم أن يدركوا أن دولهم وانظمتهم وجيوشهم وأجهزتهم الأمنية والاستخبارية ومجتمعهم مخترقون صهيونيا وبنسبة، 100 ٪ إن كانت المقاومة مخترقة بنسبة 20٪ تزيد أو تقل هذه النسبة لكنهم وهم دول وجيوش مخترقون بطريقة أن العدو يدرك أدق التفاصيل لكل ما يجري في تلك الدول والأنظمة..!
ثم إن العدو الصهيوني اعتاد أن يضخم قدراته التجسسية، وكلما يسقط شخص عدو له حتى وإن سقط قضاء وقدر يعمل هذا الكيان على تسريب معلومات بأنه كان وراء رحيل هذا القائد أو ذاك، حتى يرعب ويرهب البقية من خصومه ويزرع في الوعي الجمعي هالة من أساطير زائفة مهمتها ردع الخصوم واشعارهم بقدرات الكيان التجسسية وهذه القضايا تفصل ويشرف عليها علماء نفس وأطباء متخصصون في مجال الدعاية والحرب النفسية وبما يتسق مع نفسية المجتمع المراد تخويفه بقدرات الاستخبارات الصهيونية التي بالمناسبة تعد من أكثر الأجهزة الاستخبارية فشلا في كثير من المهام، بدليل طوفان الأقصى وحرب أكتوبر قبل ذلك وفي كثير من المحطات التي هزمت بها الاستخبارات الصهيونية.
إن ما حدث في لبنان نعم اختراق تقني غير مسبوق، وحدث اختراق عن طريق أجهزة التجسس ونظام التجسس الصهيوني الشهير (باجسوس) أو هكذا يطلق عليه..
لكن الأكثر من ذلك كان التجسس البشري، ففي لبنان قوى معادية للمقاومة وتنشط لحساب أكثر من نظام إقليمي ودولي وقد لعب هؤلاء دورا في تقديم معلومات للعدو وخاصة عن البنية التحتية لحزب الله ومقراته والتي هي معروفة لكل أبناء لبنان، وكذلك عناصر الحزب السياسية تحديدا وهي معروفة لكل أبناء لبنان بمختلف انتماءاتهم وطوائفهم ومذاهبهم، وما نشاهده اليوم من استهداف للبني التحتية التابعة للحزب وهي منشآت خدمية وتنموية واجتماعية..
مؤسف وفق هذا السياق أن نجد بعض _الناطقين بالعربية _يتحدثون بقدر من التهويل والتضخيم لقدرات الكيان العسكرية والأمنية والاستخبارية وهذا التسويق التهويل عن قدرات العدو الاستخبارية وهذا ما يعمل على تسويقه العدو ويرحب به  بل ويعمل على تغذيته وفق استراتيجية (كي الوعي) وزرع في الذاكرة العربية الجمعية مثل هذه الأساطير الخارقة عن قدرات الكيان كجزء من حرب نفسية وثقافة ردع وتخويف لكل خصوم الكيان، وكأن العدو في السابق دفع يدفع تكاليف هذه الشائعات وينفق عليها ملايين الدولارات، فيما اليوم يحصل على هذه الخدمة مجانا ويقوم بها بعض العرب للأسف، مع العلم أن هذا الكيان  يتعرض لعملية اختراق امني واستخباري  أكثر إيلاما له ولمجتمعه وعجز عن التصدي لها مثل العمليات الاستشهادية التي قامت بها المقاومة ولا تزال داخل العمق الصهيوني، وتعرض لعمليات اختراق غير معلنة رغم خطورتها وعلى يد المقاومة في فلسطين ولبنان ويخوض معركة استخبارية شرسة مع سوريا وإيران وحزب الله مسارحها مدن العالم، قطعا لا يعلن عنها، فحرب الاستخبارات لا يتم الإعلان عنها لا من قبل الفاعل ولا من قبل المفعول به، بل تظل مثل هذه العمليات طي الكتمان لعقود طويلة..!
وقد تكون عملية طوفان الأقصى أكبر ضربة استخبارية توجهت للعدو وأسقطت هالته الوهمية وكل أساطيره الزائفة، ولهذا جاء رد العدو متجاوزا كل القيم والأخلاقيات القانونية والإنسانية التي عكست نفسها بردود انتقامية غير مسبوقة تجاوز فيها العدو كل المعايئر لدرجة استهانته ليس بالقوانين الدولية وأخلاقيات الحروب وتقاليدها، بل أهان المنظمات الدولية وبوقاحة سافرة وظهر وكأنه فوق العالم وقوانينه.

قد يعجبك ايضا