كربلاء ..مأساة وثورة ومنهج حي لا يندثر

رشا القفيلي :
أهم ما أحيته الثورة الحسينية هو انبعاث الروح الجهاديّة
دينا الرميمة :
الإمام الحسين تحمَّل مسؤولية الحفاظ على المبادئ والقيم المحمدية التي أرست مبادئ العدالة
آية ابوطالب :
غُيِّبت ثورة الحسين تعمدا.. لكن الشهيد القائد السيد حسين والسيد القائد عبدالملك الحوثي أعاداها إلى الواجهة بروح جهادية متجددة

الاسرة/ خاص
من واقع مؤلم عاشته الأمة المحمدية بعد رحيل نبيها الكريم إلى الرفيق الأعلى نتيجة مخالفة حديث الولاية الذي جاء كوضوح الشمس بولاية الإمام علي -عليه السلام- من بعده، فانحرفت عنه ما جعل أمرها بيد الطلقاء من بني أمية ممن دخلوا الإسلام رهبة لا رغبة وفي قلوبهم جبال من الحقد على النبي وآل بيته، فتسلطوا على رقاب الناس وحرَّفوا الدين الإسلامي بما يتماشى مع نزعتهم الانتقامية من الإسلام، الذي اغتال أجدادهم وذهب بهيبتهم، فعاد الظلم كما كان قبل الإسلام واصبح أمر الخلافة متوارثا، وعن الإسلام ارتد الكثير وعاش البقية تحت سطوة الذل دون أن يجرؤ أحد على المعارضة، حتى وصلت خلافة الأمة إلى يزيد بن معاوية المعروف بالفسق والمجون والحقد على الإسلام، الأمر الذي لم يقبل به الإمام الحسين -سلام الله عليه- ورفض مبايعته وخرج ثائرا على الظلم الذي حل بأمة جده المصطفى، بيد أن الأمة خذلته خشية من عقاب الأمويين وانضم الكثير منهم لصف جيش يزيد وانهالت سيوفهم تقاتل الحق ليقدموا رأسه الشريف ورؤوس أهله وأصحابه قرابين ليزيد وهم بذلك إنما أسسوا لدولة قائمة على الظلم، كانوا هم أول ضحاياها ولازالت قائمة حتى اليوم وبسبب خذلانهم لثورة الإمام الحسين توالت الكربلائيات حتى يومنا هذا، يقابلها منتهجو فكر الإمام الحسين الذي حاول الأمويون وأده مع جسده الشريف، لكنهم فشلوا وبقي ذكر الحسين مخلدا في ذاكرة العالم حتى من غير المسلمين وأصبحت ثورته منهجا ومنارا لكل المظلومين ضد الظلم والظالمين ولنا في اليمن وما شهدته من عدوان خير مثال.
في هذا الاستطلاع الذي أجريناه في المركز الإعلامي بالهيئة النسائية مكتب الأمانة لـ(الأسرة) نسلط الضوء على ذكرى عاشوراء والثورة الحسينية وعن أسبابها ونتائجها وأهمية إحيائها مع عدد من الإعلاميات والناشطات الثقافيات.. إليكم الحصيلة:

بداية الأستاذة رشا القفيلي ذكرت في بداية حديثها أن هناك أسباباً دفعت الإمام الحسين للخروج في هذه الثورة، أهمها تحطيم الإطار الدينيّ المزيّف الّذي كان الأمويّون وأعوانهم يحيطون به سلطانهم، وفضح الروح اللا دينيّة الجاهليّة الّتي كانت أطروحة الحكم آنذاك، وخاصّة بعد أن شاعت هذه الروح في جميع طبقات المجتمع.
وأكدت أن الإمام الحسين -عليه السلام- كان هو الشخص الوحيد الّذي يملك رصيداً من المحبّة والإجلال والقادر على فضح الحكّام وكشف حقائقهم. ولهذا قرر الثورة عليهم.
نتائج ثورة الحسين
وأوضحت القفيلي أن من نتائج الثورة الحسينية وما حدث فيها من مأساة بعد خذلان أمة جده لثورته وهو الذي ما خرج إلا لإصلاحها هو الشعور بالإثم، حيث أن استشهاد الإمام الحسين -عليه السلام- أثار موجة عنيفة من الشعور بالإثم في ضمير كلّ مسلم يستطيع نصره ولم ينصره، خصوصاً أولئك الذين كفّوا أيديهم عن نصره بعد أن عاهدوه على الثورة.
وقد قُدِّر لهذا الشعور بالإثم أن يبقى مشتعلاً في النفوس وحافزاً دائماً على الثورة والانتقام، وقدّر له أن يدفع الناس إلى الثورات على الأمويّين كلّما سنحت الفرصة لهم.
وتابعت رشا القفيلي: كان لا بدّ لثورة الإمام الحسين -عليه السلام- من أن تدعو إلى نموذج من الأخلاق أسمى ممّا يُمارسه المجتمع وأن تغيّر نظرة الإنسان إلى الحياة وإلى نفسه وإلى الآخرين، بما من شأنه إصلاح المجتمع.
ونوهت القفيلي بأن الإمام الحسين -عليه السلام وآله وأصحابه- قد قدموا في ثورتهم على الأمويّين – الأخلاق والقيم الإسلاميّة العالية بكلّ صفائها ونقائها، ولم يقدّموا إلى المجتمع الإسلاميّ هذا اللون من الأخلاق بألسنتهم، وإنّما كتبوه بدمائهم وحياتهم.
أصحاب الحسين
وتواصل حديثها بالقول: لقد اعتاد الرجل العاديّ –آذاك- أن يرى الزعيم القبليّ أو الدينيّ يبيع ضميره بالمال، وبعرَض من الحياة الدنيا، وأن يرى الهامات تنحني خضوعاً لطاغية حقير وأصبح همّ المسلم دُنياه وحياته الخاصّة، يعمل لها ويكدح في سبيلها ولا يفكّر إلّا فيها، أمّا أصحاب الإمام الحسين -عليه السلام- فقد كان لهم شأن آخر حتّى قال فيهم عليه السلام: “… أمّا بعد، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي”.
واختتمت رشا القفيلي حديثها بالقول: ولعل اهم ما أحيته الثورة الحسينية هو انبعاث الروح الجهاديّة، حيث كانت النهضة الحسينيّة السبب في انبعاث الروح الجهاديّة في الإنسان المسلم من جديد بعد فترة طويلة من الخمود أو الخنوع والتسليم، فقد حُطّمت كلّ الحواجز النفسيّة والاجتماعيّة الّتي حالت دون الثورة.
انحراف الأمة
بدورها أوضحت الناشطة السياسية دينا الرميمة أن الانحراف الذي وقعت فيه الأمة الإسلامية بعد انتقال نبيها الكريم إلى الرفيق الأعلى ومخالفة أمر الولاية، كان له أثر بالغ في عودة الظلم وتسلط الظالمين على رقاب الناس ضمن الإمبراطورية الأموية التي اتخذت دين الله دغلا وعباده خولا وماله دولا، توارث أمراؤها الحقد على الإسلام وأهله مع توارثهم سدة الحكم ورسخوا في عقول الأمة حرمة الخروج على الحاكم وإن كان ظالما حتى وإن قصم ظهورهم، واصبح هذا الأمر محرما لا يتجاوزه إلا من يمتلك شجاعة تمكنه من الوقوف بوجه هؤلاء المردة على الدين، وهم من يعي ويعلم المبادئ والقيم المحمدية أنها ما جاءت إلا لانتشال الناس من تحت سطوة الظالمين .
رفض البيعة
وأكدت الرميمة أن هذا العلم هو الذي فرض على الإمام الحسين سبط رسول اللّه وامتداده الطبيعي ووارث علمه والذي امتلك من الشجاعة ما جعله يرفض مبايعة يزيد بن معاوية الذي اعتلى أمر خلافة الأمة وعاث فيها الفساد، كونه شخصاً فاسقاً فاجراً يحمل كل البغض لآل رسول الله وللرسول نفسه والإسلام .
وأشارت الرميمة إلى أن الإمام الحسين تحمل مسؤولية الحفاظ على المبادئ والقيم المحمدية التي أرست مبادئ العدالة بجهود بذلها جده المصطفى، أسس فيها لدولة إسلامية أصبحت لا تذل إلا لله رب العالمين.
مضيفة: وبرفض الإمام الحسين مبايعة يزيد هو أيضا فنَّد أكذوبة عدم الخروج على الحاكم الظالم وأثبت أنها ليست إلا سلما يحاول بنو أمية من خلالها الاستئثار بالحكم وحرف الناس عن منهجية الإسلام الصحيحة التي أصبحت مجرد أحاديث جوفاء تتماشى فقط مع نزعاتهم الانتقامية من هذا الدين الذي قضى على أشياخهم من كفار قريش وساواهم بالعامة من الناس .
الثورة على الظلم
وأكدت دينا الرميمة أن الإمام الحسين بذلك رسم للناس طريقا للثورة على الظالمين، فكانت ثورة مبادئها الأساسية القضاء على الظلم وإرساء قواعد العدالة والحرية، ثورة المظلوم على الظالم وتقويم المارقين عن نهج الرسالة المحمدية، ثورة تحمل كل القيم الإنسانية السامية، لم تخش قلة تابعيه، ففيها جابه الظالمين مع القلة القليلة من المؤمنين الصادقين في وقت جبن الكثير من أبناء الأمة الذين خشوا عقاب السلطان ونسوا عقاب الرحمن وصموا آذانهم عن ندائه في كربلاء وهو ينادي “الا من ناصر ينصرني”، فخذلوه مع أن قلوبهم كانت معه ويعلمون انه على الحق إلا أن سيوفهم انهالت عليه تقطع رأسه ورؤوس أصحابه وتحملها كقرابين ليزيد ليتشفى بها أمام نكأة بدر التي أطاحت بأجداده ومشايخه من كفار قريش .
آثار الخذلان
كما أكدت الرميمة أن الخذلان الذي واجهه الإمام الحسين من قبل المنظمين لجيش يزيد كان سببا في جعل رقابهم تحت سطوة يزيد وسطوة الظالمين من بعده حتى يومنا هذا وأسسوا بذلك دولة يزيدية داعشية شعارها الظلم والفسق والفجور وذبح الرقاب لكل من يخالف أو يعترض أفعالهم، هي دولة داعش الحالية التي جاءت تحت عناوين دينية تشوه معالم الإسلام بذبح الجثث والتمثيل بها وحرقها ومعها تحرق القيم الدينية الأصيلة وتنسف كل ما له علاقة بالإنسانية.
منهجية حية
وأشارت الرميمة إلى انه في الوقت نفسه سطر الحسين بدمه الطاهر منهجا قويما يستلهمه كل الأحرار في كل الكربلائيات التي حدثت بعد الطف دائما فيها ينتصر الدم على السيف ويدحض الظلم وترسو معالم العدالة وتنتصر الإنسانية مع كل تضحية ودم مسال.
ونوهت الرميمة بأن منهج الإمام الحسين هو المنهجية التي سار عليها أحرار اليمن في كربلاء العصر ضد يزيد وآل سعود خدام أمريكا الذين انتهجوا نهجه في محاولة ارضاخ اليمن لهم وجعلها حديقة خلفية لأطماعهم تحت شعارات زائفة، تصدى لها وصدها اليمنيون في ثورة كربلائية شعارهم فيها قول ربهم (فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين)، شعار ثائرهم الأول الحسين السبط (لا والله لا نعطي بأيدينا إعطاء الذليل ولا نقر إقرار العبيد) .
كربلاء اليمن
ومضت الرميمة تقول: إن ما يحدث في اليمن إنما هو كربلاء أخرى فيها قتل الطفل الرضيع والمرأة والشيخ المسن، وقدم فيها الأحرار رقابهم في سبيل حرية شعبهم وكرامتهم، تخلوا عن دنيا ارتأوا فيها الحياة مع الظالمين برما والموت في سبيل دينهم سعادة وقربى لربهم، كربلاء يمانية فيها أسرت المرأة وهي تجابه الظالمين وفيها سطرت مواقف زينبية تضاهي موقف زينب الحوراء في الطف، فيها قدمت أبناءها وأبيها وزوجها في سبيل الله وفي سبيل يمنها الحر والسالك مسلك مصابيح الدجى من آل البيت عليهم السلام،
واختتمت دينا الرميمة حديثها بالقول: كربلاء الحسين عاشتها اليمن بكل تفاصيلها وجسدتها اليمن وهي وحيدة تجابه كل قوى الاستكبار العالمي، كما وقف الحسين وحيدا مخذولا في الطف، وهم بذلك سطروا أروع مشاهد العزة والكرامة والإباء والفداء تحت منهج الحسين حبا وتمسكا بالدين والأرض وطمعا بنيل الشهادة ليكونوا بالقرب من الحسين وأصحابه في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
تغييب متعمد
على ذات الصعيد الناشطة الثقافية آية عبدالله أبو طالب، ذكرت في حديثها أن شهر محرم كان يأتي ونعتبره شهرا عاديا كبقية الشهور نمر منه مرور الكرام، إلى أن أتى أعلام الهدى الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي والسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي فأظهروا لنا ما تم كبته من قبل أعداء الإسلام والمسلمين في هذا الشهر من الفاجعة الكبرى والمؤلمة التي لم تكن قبلها ولن تتكرر على مدى التاريخ حتى لا نحمل تجاههم الكره والعداء، مأساة عالمية حوادث كارثية حدثت لأهل بيت رسول الله.
وحول الظروف التي عاشتها الأمة والتي دفعت الإمام الحسين لهذه الثورة، أكدت أبو طالب أنها كانت ظروفاً استثنائية وذات طبعٍ حاد يعيشها ابن بنت رسول الله، سيد شباب أهل الجنة.
“بين السلة والذلة”
وأوضحت أبو طالب انه بعد أن بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسلم الكثير من الناس وتغيرت الأحوال من حالة الخوف والذل والإهانة إلى الشجاعة والعزة والكرامة، وبعد وفاة مقتل رسول الله بدأت الأوضاع تتغير وكادت تكون أسوأ مما كانت عليه الجاهلية، حيث القوي يأكل الضعيف وصاحب المال والسلطة يستعبد الفقير..، وعند تدهور الوضع ورؤية الظلم والاضطهاد والفساد والقهر ورؤية الناس يقاسون الجوع والعطش والفساد الأخلاقي الذي كان يعيشه الولاة والجرائم التي يرتكبها يزيد وحاشيته، لم يبق للإمام الحسين -عليه السلام- إلا أمران لا ثالث لهما، إما مبايعة يزيد الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (يزيد لا بارك الله في يزيد كأني انظر إلى مصرعه ومدفنه) والخضوع والاستسلام، وحاشى أن يرضى به سبط رسول الله وإما الخروج والذي لا بد منه.
إصلاح الأمة
وأضافت آية أبو طالب: خرج الإمام الحسين وهو يقول “ما خرجت أشرا ولا بطراً ولا مفسداً وإنما أريد الإصلاح في أمة جدي رسول الله”، حيث انه قد تم منعه من قبل ابن زياد بتوجيه من يزيد من دخول الكوفة بعد ما وصله خطاب المبايعة والنصرة من أهل الكوفة، فاستعد -عليه السلام- للذهاب إلى الكوفة فأرسل رسوله مسلم بن عقيل، وعندها تراجع أهل الكوفة عن مبايعته ونصرته لخوفهم من ابن زياد وطمعا في المناصب والعطايا، فتركوا رسول ابن بنت رسول الله وحيداً تنهشه كلاب يزيد.

قد يعجبك ايضا