رهان تفكيك الوطن العربي أساس لضمان أمن إسرائيل

طاهر محمد الجنيد

في أوج قوتها جمعت بريطانيا حلفاءها وأرادت احتلال إسطنبول لكنها منيت بهزيمة منكرة، بفضل تكاتف وتلاحم الأمة الإسلامية في مجموعها، لم تيأس بل استعانت بروسيا وفرنسا وغيرهما من الدول المتقدمة صناعيا وتوزعت الدول العربية والإسلامية بناء على اتفاقية (سايكس بيكو).
الصهيونية العالمية بشقيها (النصراني واليهودي) أعطى لها فلسطين وحتى يتمكنوا من البقاء والاستمرار فإن رهانهم الأساس هو على تفتيت كل مقومات التوحد والإلتقاء بين أقطار الأمة العربية الواحدة، لأن ذلك حتما سيؤدي إلى إنهاء الاحتلال وعودة فلسطين لأهلها.
بن جوريون أول رئيس للكيان الصهيوني وأحد قادة حرب الاستقلال “طرد الفلسطينيين منها وتوطين اليهود” يوضح أهمية تقسيم الوطن العربي إلى دويلات متناحرة بناء على أسس طائفية ودينية- يقول” قوتنا ليست في سلاحنا النووي بل في تدمير ثلاث دول عربية كبرى حولنا، هي العراق وسوريا ومصر، وتحويلها إلى دويلات متناحرة على أسس دينية وطائفية- ونجاحنا في هذا لا يعتمد على ذكائنا بقدر ما يعتمد على غباء الآخرين”، تدمير المجتمعات دينيا وطائفيا أخطر من استعمال السلاح النووي، وهو ما حذر منه نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم “ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، قالوا بلى: قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة.. هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين” وهو حديث صحيح، ومصداق ذلك في القرآن الكريم قال تعالى ” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا” آل عمران (103).
نجحت المساعي الإجرامية في تدمير العراق وسوريا ولازال المخطط مستمرا ومن يظن من الأنظمة العربية أنه سيظل آمنا فهو واهم أو خائن، فاليهود لا أمان لهم ولا عهد ولا ذمة، وهم يراهنون على تمزيق المجتمعات طائفيا ودينيا حتى تظل إسرائيل في فلسطين وتستمر السيطرة والاستيلاء على ثروات الوطن العربي لصالح الاستعمار الحديث.
والتفرقة والتجزئة ليست أسلوبا حديثا بل قاعدة سياسية للطغاة والمجرمين في كل عصر ولكن الوحدة والألفة أمر واجب، كما أشارت إلى ذلك آيات القرآن الكريم، فالاستعمار البريطاني اعتمد على سياسة “فرق تسد”، ومثل ذلك فرنسا، وغيرهما من الدول التي أوجدت الفرقة والشتات ومزقت الأمة الواحدة واستولت على الوطن العربي بناء على اتفاقية بينها، وما يقوله بن جوريون يأتي في ذات السياق، لكنه يضيف تحديد الدول التي يجب تدميرها، مع أن المخطط يشمل الوطن العربي ولا يستثني منه احد، وأن كان يعتمد على غباء الطرف الآخر – حسب قوله – لكن نوع الغباء أكدته جولدا مائير – رئيسة الكيان الصهيوني حينما قالت “سيتفاجأ العرب ذات يوم أننا قد أوصلنا أبناء إسرائيل إلى حكم بلادهم” وهذه حقيقة كشفتها الأحداث المتوالية، أن هناك من القيادات والزعامات العربية من يعمل لصالح اليهود سرا وعلانية بدون خجل ولا حياء، لا من الله ولا من الناس، فهل صدق مؤلف كتاب “سكرتي جيوش” المكسيكي الجنسية، حينما تحدث عن قيام المخابرات البريطانية والإسرائيلية بزرع عملاء في الوطن العربي على أنهم مسلمون وعرب، لكنهم في حقيقة الأمر يهود، يعملون لخدمة اليهود من خلال مراكزهم المرموقة في الأنظمة العربية.
من خلال استعراض الأقوال السابقة وما يقوله ساسة الغرب يمكن القول إن كل دعوات الفرقة والشتات تحت أي عناوين هي دعوات مجرمة وتخدم توجهات الأعداء وتخالف توجيهات وأوامر الله سبحانه وتعالى وتعاليم النبي الأمين وخاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وبين حديث بن جوريون وتحقيق تلك الأهداف “تدمير العراق وسوريا” عشرات السنين، مما يؤكد أن الإجرام لن يتوقف وحتى الدول التي تسعى لحماية أنظمتها بالتطبيع كالسعودية والإمارات وغيرهما، لن تجو من التفكيك والتفتيت وحتى وإن استندت السعودية لتعهد مؤسسها لبريطانيا العظمى بعدم ممانعته لإعطاء فلسطين للمساكين اليهود وقيام بن زايد بدعوى إبادة الأِشقاء في أرض غزة، مع السعودية التي وصفها مناحيم بيجن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ليست دولة وغير قادرة على لعب أي دور مفيد على الإطلاق، هي من أكثر الدول فساداً في العالم، قال لي أحد رجال الدولة الأمريكيين، السعودية ليست دولة بل عائلة، أربعة آلاف أمير وأميرة يحصلون على مليارات الدولارات ولا يعرفون ماذا يفعلون بها نظام ضعيف وقد يسقط، ويبدى سعادته الغامرة بتحييد مصر عن أي نزاع مع سوريا، إعلان الرئيس السادات كان ممتعاً للغاية، قال بوضوح “حتى لو اندلعت حرب بين إسرائيل وسوريا فمصر لن تشارك في تلك الحرب” وأضاف السادات “إن علمية السلام بين مصر وإسرائيل ستستمر”، فاتفاقية كامب ديفيد عزلت مصر بثقلها السياسي والقومي عن القضايا المصيرية والاستراتيجية وعملت المعونة الأمريكية على تحويلها إلى تابع لا يتجاوز محذورات السياسة الأمريكية بمنطلقاتها الصهيونية، ولولا ذلك لما تم تقسيم السودان وتدمير روابطه القومية بسعى الإمارات والسعودية ومثل ذلك ما يجرى تنفيذه على أرض ليبيا، بالإضافة إلى خذلان المعتدى عليهم من الأشقاء في غزة وهم يتعرضون لجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية ومنع إمدادات الغذاء والدواء، حتى أنهم يهلكون من الجوع ولا تستطيع جمهورية مصر السماح بدخول المعونات الإنسانية إرضاءً للحف الصهيوني الصليبي، ويصل الهوان والذلة إلى الاعتداء على الأراضي المصرية وقتل الجنود المرابطين في معبر رفح الحدودي أكثر من مرة، بل إن قائد الجيش المصري يذهب لملاقاة رئيس هيئة الأركان المجرم الصهيوني والقاتل المجرم المساند له الأمريكي للتنسيق في المهمات القتالية والإجرامية على أرض غزة.
غزة بصمودها وتضحيات أبطالها، كشفت أنظمة العمالة والخيانة وحطمت أسطورة الجيش الصهيوني عدو الإنسانية وقاتل الأطفال والنساء وجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وصدق الله القائل “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ” سورة الأنفال.

قد يعجبك ايضا