كثيرة هي التحديات التي تواجه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الحاضنة لمحور المقاومة والمصطفة خلف القضايا العربية والإسلامية والأفريقية و(العالم ثالثية) العادلة، فهي ترتبط بعلاقة متميزة مع دول وشعوب وأنظمة حرة في الوطن العربي وأفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، وهي ومنذ أربعة عقود تحوّلت من دولة راعية للقوى الاستعمارية ومحاور الاستكبار العالمي وحليفة للكيان الصهيوني إلى جمهورية إسلامية ثورية تناهض قوي الاستكبار والاستعمار وحليفة للشعوب الحرة المناهضة لقوى الاستعمار والاستكبار في الوطن العربي وفي أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وبالرغم من التحديات التي وضعت أمام الثورة الإسلامية وحملات التشويه التي طالتها ولاتزال من قبل بعض العرب المرتبطين بالقوى الإمبريالية والاستعمارية الذين يحاولون جاهدين إظهار الجمهورية الإسلامية الإيرانية كدولة ذات أهداف توسعية بخلفيات ودوافع (استعمارية فارسية) وهي السردية التي برزت بعد قيام الثورة الإسلامية وغذتها أمريكا والكيان الصهيوني بعد أن تحوّلت (طهران) من حليف لهم إلى عدو لهم و حليف لخصومهم وهم المقاومة العربية في سوريا، ولبنان، وفلسطين، وهذا المحور الذي كان ولا يزل يمثل الخصم اللدود للعدو الصهيوني وحلفائه في أمريكا والغرب الاستعماري.
كانت أنظمة الخليج وأمريكا والصهاينة وراء إشعال الحرب العراقية _الإيرانية مباشرة، بعد قيام الثورة الإيرانية، وبعد أن انتهت هذه الحرب تقريبا بالتعادل ولم تدمر قدرات العراق ولا قدرات إيران خلال تلك الحرب التي اطلق عليها مستشار الأمن القومي الأمريكي وأحد أبرز مهندسيها إلى جانب ( رامسفيلد) وهو(بريجنيسكي) الذي ابتكر استراتيجية (الاحتواء المزدوج) وكان الغاية منها هو تدمير قدرات إيران والعراق ذاتيا أي عن طريق الحرب بينهما وقد فشلت هذه النظرية وسقطت على يد العراق وإيران.
جاء بعد ذلك الغزو العراقي للكويت وهو اختراع أمريكي خالص ثم دخول أمريكا بقواتها وأساطيلها لتحرير الكويت من العراق، ثم حصار العراق واحتلاله من قبل أمريكا وإسقاط النظام والدولة وتدمير المؤسسات وإشاعة الفوضى الطائفية والمذهبية داخل هذا القطر العربي، ثم كيل التهم إلى إيران وتحميلها وزر الأحداث التي شهدها العراق سواء كانت الطائفية والمذهبية أو الصراعات الحزبية والسياسية وعلى هذا سعي البعض إلى (شيطنة إيران) وتحميلها وزر كل ما يجري في العراق والمنطقة، رغم أن (طهران) لم تقم في العراق بما قامت به مثلا مصر في ليبيا والسودان، ولا بما قامت وتقوم به السعودية والإمارات في اليمن والبحرين وفي دول الخليج _ قطر مثلاً_ التي اضطرت لاستدعاء القواعد الأمريكية كي تحميها من تدخل شقيقتها السعودية..؟!
بغض النظر عن خلاف إيران مع التيار القومي الذي كان يحكم العراق فأن تدخلها كان طبيعياً لحماية أمنها القومي على ضوء الفوضى التي تسبب بها الاحتلال الأمريكي، وهي التي تدخلت في سوريا بطلب من الدولة السورية بعد أن تكالبت 89دولة وبتمويل عربي بهدف إسقاط النظام وتمزيق سوريا بمزاعم كاذبة، ولو أن تكاليف إسقاط النظام في دمشق قدمها العرب لها لتعزيز قدراتها العسكرية لخاضت بها حرب تحرير الجولان وفلسطين وانتصرت..
ومع ذلك فإن طهران بحاجة إلى تفعيل أدوات التواصل الناعمة مع النخب والفعاليات العربية وأن لا تكتفي بمن اندرجوا في التحالف معها من الفعاليات العربية، بل عليها فتح قنوات تواصلها مع كل الفعاليات والأطياف العربية والإسلامية وان لا تحصر علاقتها بحلفائها في الوطن العربي الذين وبالتالي فإن تعزيز محور المقاومة يتطلب الانفتاح على كل الأطياف السياسية والثقافية والحزبية والمكونات الاجتماعية وتعزيز العلاقة مع هذه الفعاليات وفق ثوابت نضالية مشتركة قوامها وقاعدتها المصالح النضالية المشتركة ووحدة العدو والمقاومة وتعزيز كل مقومات النضال المقاوم وترسيخ كل ممكنات النضال المشترك الذي يعزز من علاقتنا بالجارة التاريخية وشريكتنا بالجغرافية والتاريخ والعقيدة والقيم المشتركة وهي الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي من حقها تأمين مصالحها وأمنها القومي، بذات القدر الذي يحق لنا تأمين مصالحنا أيضا وأمننا القومي من خلال علاقة تكاملية وندية مع الأخوة في الجمهورية الإسلامية، علاقة تكاملية متكافئة وندّية بغض النظر أن تقوم هذه العلاقة بين أنظمة أو بين فعاليات نخبوية سياسية كانت أو ثقافية أو وجاهات اجتماعية.
Next Post