يؤكد لنا التاريخ وأحداثه، أن العرب كأمة لم يكن لهم الفضل في حماية هويتهم العربية -الإسلامية إلا في عهد رسول الله ومن بعده عهد الخلفاء الراشدين الأربعة، رغم ما رافقت عهود الخلفاء من أحداث إلا انهم حافظوا على سيادتهم كعرب ومسلمين في مواجهة أخطار الآخر الحضاري المعادي لهم.
بعد الخلفاء الراشدين الأربعة، كان هناك (أمويان) هما الخليفة (عبدالملك ابن مروان) والخليفة (عمر بن عبدالعزيز)، وهناك (عباسيان اثنان) هما الخليفة (أبو جعفر المنصور) والخليفة (هارون الرشيد) وبعدهما تمتد معاناة إذلال العرب والمسلمين حتى بروز نجم (الناصر صلاح الدين الأيوبي – الكردي) الذي دافع عن العروبة والإسلام..!
خلفاء وأمراء (الناصر صلاح الدين) بعد رحيله تعاملوا بطريقة الحكام العرب اليوم صراع فيما بينهم ومن كان يحكم الشام أراد أن يخضع حاكم مصر ومن كان يحكم مصر كان يريد إخضاع حاكم العراق وهكذا، حتى ذهبوا يستعينون بأعداء الأمة من (ملوك الصليبين) ضد بعضهم لدرجة أن حاكم الشام الأيوبي أقدم على تسليم (بيت المقدس) التي حررها صلاح الدين (للصليبين) مقابل أن يناصروه ضد حاكم مصر الأيوبي..!
خلفاء صلاح الدين أعادوا تجسيد مواقف (أبناء عقبة بن نافع) الذين كبروا وذهبوا (للأندلس) يطالبون بحقهم في حكمها والولاية عليها، لأن والدهم هو (فتحها) ولم يترددوا في التآمر مع (الصليبيين) على موسى بن نصير، وطارق بن زياد، مقابل أن يمكنوهم من حكم الأندلس ..!
في مواجهة حملات (المغول بقيادة هولاكو)، سقط كل الأمراء العرب وسقط (الخليفة المستعصم) في بغداد وسقطت عاصمة الخلافة الإسلامية وتسابق الأمراء العرب من حكام بعض الأمصار حاملين هداياهم إلى هولاكو يقبلون يديه ويطلبون رضاه عنهم مبدين استعدادهم (الجزية له) مقابل أن يبقيهم أمراء حكاما على إماراتهم..!
كان الحكم الأيوبي قد سقط في مصر لصالح (المماليك) وهذه الشريحة من البشر كانوا بمثابة (خدم) عند العرب، وكان ينظر لهم بكثير من الانتقاص والازدراء من قبل العرب والمسلمين، إذ تم شراؤهم من – أسواق النخاسة في دول وسط آسيا كعبيد -غير أن هؤلاء تشربوا قيم العروبة والإسلام وأصبحوا أكثر غيرة على العروبة والإسلام من أبناء العرب والمسلمين الذين كانوا يتفاخرون في أنسابهم، لكنهم عاجزون على الدفاع عن أنفسهم وعن عروبتهم وإسلامهم..!
استطاع المماليك -عبيد العرب -استعادة -بيت المقدس- التي سلمها حفيد صلاح الدين الأيوبي لهم مقابل دعمه ضد حاكم مصر الأيوبي، غير انهم سقطوا معا وانتهي عهدهم بسبب المؤامرات التي حاكوها ضد بعضهم..؟!
بعد استشهاد (قطز)، اعتلى عرش المماليك في مصر (الظاهر بيبرس) المملوكي والذي يعد المؤسس الحقيقي للعصر المملوكي، وكان قد اعد جيشا قويا من شباب المماليك وكان أسلافه من المماليك مثل (قطز) وآخرون عمدوا إلى استقدام شباب وأطفال صغار من المماليك ومنهم أو غالبيتهم تم شراؤهم من (أسواق النخاسة) من دول وسط آسيا، وفي معسكرات خاصة كان يتم تأهيلهم بقيم وتعاليم الدين الإسلامي، وتدريبهم على القتال وإعدادهم للجهاد في سبيل الله.
من بغداد عاصمة الخلافة بعث (هولاكو) الذي دانت له الأرض، كيف لا وهو على رأس جيش لا يقهر في ذلك العصر، بعث برسالة (للظاهر بيبرس) يطلب منه تسليم مصر دون قيد أو شرط..!
فرفع الملك المملوكي، شعار و”إسلاماه” وحشد جيشه وفي (عين جالوت) أسقط (بيبرس) أسطورة هولاكو والمغول والدولة المغولية وعلى يديه تحرر المشرق العربي من الوجود الصليبي..!!
لماذا أتحدت عن هذا التاريخ؟ لأن التاريخ يعيد نفسه، بصورة (مأساة أو مهزلة – على رأي كارل ماركس) وتاريخنا العربي يعيد نفسه اليوم في فلسطين من خلال معركة (طوفان الأقصى) والمشهد الرسمي العربي يجتر ذات مواقف الأمراء والحكام العرب في العصور الوسطى، فالكل يفكر بالسلطة والحكم وإن على حساب الدين والهوية ولم يتردد أي حاكم عربي اليوم عن التضحية بالدين والهوية وشعوب الأمة مقابل أن يبقى حاكما على قطره أو دولته..!
لهذا يأتي الله- كما وعد عند اشتداد الأخطار بالأمة- بقوم (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ).. واليوم هناك من لا ينتمون للعرب والعروبة أكثر إخلاصا وصدقا في دعم فلسطين وشعبها من بعض العرب أنظمة وشعوب..!!
ويمكن الاستشهاد في العصر الحديث بموقف ومشروع الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، الذي واجه مشروعه القومي مؤامرة العرب قبل الآخر الحضاري والاستعماري، ونعلم جيدا كيف تآمر العرب وتحالفوا مع المستعمر ضد عبدالناصر ومشروعه، بل إن العرب هم من شجعوا المستعمرين والصهاينة على مواجهة عبدالناصر ومشروعه القومي، فعلوا هذا حفاظا على كراسيهم ومن أجل ديمومة تسلطهم على شعوبهم..!
وهكذا ستظل هذه الأمة تجلد ذاتها، لأن الله جعل بأسها بينها لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى.. وبالله المستعان، وحسبنا الله ونعم الوكيل.