بعد قرابة سبعة أشهر من العدوان الصهيوني على الشعب العربي في فلسطين وبعد سقوط أكثر من مائة ألف شهيد وجريح وتشريد أكثر من مليوني مواطن عربي فلسطيني من مساكنهم، وبعد تدمير شامل لكل المرافق الحياتية والخدمية، أصدر مجلس الأمن قراره رقم 2728 القاضي بوقف إطلاق النار في القطاع، القرار صدر تحت (البند السادس) وهذا يعني أن القرار غير ملزم وبالتالي امتنعت أمريكا عن استخدام حق النقض ضد القرار كما امتنعت عن التصويت عليه..!
القرار الذي حظي بترحيب غالبية دول العالم بما فيها حركة حماس والأطراف، العربية والإسلامية للأسف، حمل في نصوصه بذور فنائه، أولا إنه غير ملزم لأطرافه، أي أن تنفيذ القرار هو فعل اختياري ووصفته المندوبة الأمريكية في مجلس لحظة التصويت بأنه (قرار غير ملزم) وكأنها تقول للصهاينة انتم أحرار في الالتزام بالقرار أو تجاهله، فلن يمسكم سو إن رفضتم وواصلتم عدوانكم، غير أن القرار يعد خطوة على طريق إعادة تلميع صورة أمريكا على خلفية دعمها للعدوان الصهيوني في حربه ضد الشعب الفلسطيني، خاصة بعد أن تضاعفت معاناة المدنيين في القطاع وحدوث وفاة بين الأطفال والشيوخ بسبب الجوع وانعدام الغذاء والدواء وان أكثر من مليون ونصف مليون مواطن فلسطيني مهددون بالموت جوعا جراء الحصار الظالم وغير المسبوق وهذا ما جعل القرار الأممي يجد طريقه للصدور ولكن وفق ( البند السادس) وبالتالي هو قرار غير ملزم ولكنه يعطي الصهاينة مزيداً من الفرص لمواصلة جرائمهم بحق الشعب الفلسطيني، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى ربط القرار عملية التنفيذ بإطلاق سراح الرهائن الصهاينة لدى المقاومة دون أن يذكر بالمقابل الأسرى الفلسطينيين لدى العدو..!
الأمر الآخر أن المجلس لم يصدر قراره وفق ( البند السابع) وهذ ما كان يفترض لأن إصداره تحت هذا البند يلزم المجتمع الدولي بتنفيذه وإجبار الكيان الصهيوني على الالتزام به، لكن أمريكا أرادت إخراج القرار بهذه الصورة رغم الزوبعة التي صدرت عن قادة الكيان الصهيوني وانتقادهم الموقف الأمريكي على عدم اتخاذ حق النقض داخل المجلس ضد القرار، وما جرى من زوبعة إعلامية وسياسية وتنابز التصريحات بين حكومة العدو ورموزها وبين قادة البيت الأبيض ومسؤوليها، فيما يبدو وكأنه خلاف نشب بينهما ولكن الواقع أن كل هذه الزوابع مجرد خدع سياسية وأكاذيب متفق عليها، لأن ما يجري في غزة وما يجري للشعب العربي في فلسطين هي حرب أمريكية بامتياز منذ انطلاقتها بدليل حضور واشنطن إلى البحرين الأحمر والعربي ومضيق باب المندب وخليج عدن وإلى البحر المتوسط والمحيط الهندي، حضرت بأساطيلها وبوارجها ومعها بريطانيا وكل هذا من أجل حماية الكيان الصهيوني وتمكينه من تحقيق الانتصار على المقاومة ورد الاعتبار لمؤسساته العسكرية والأمنية بعد الإهانة المدوية التي تعرض لها في السابع من أكتوبر من العام الماضي على يد أبطال المقاومة الذين يخوضون منذ سبعة أشهر معارك بطولية رغم فارق الإمكانيات ورغم حالة الحصار التي ضربت على القطاع وحجم الدمار ووحشية العدو وتجرده من كل القيم والأخلاقيات وتقاليد الحروب..!
إن قرار مجلس الأمن 2728 لن ينفذ لأن الشعور بالهزيمة الذي يستوطن وجدان وذاكرة الصهاينة يمنعهم من القبول بوقف اطلاق النار، لأن قبولهم بالقرار يعني تدثرهم بلحاف الهزيمة وان نتنياهو بعد ساعات من قبوله بالقرار سيجد نفسه داخل زنزانة في أحد سجون كيانه، والقبول بالقرار يعني انهيار حكومته وإحراق كل حياته السياسية والرجل يقارن نفسه بأنه (قرين النبي يوشع) ومنقذ بني إسرائيل ومخلصهم من الموت..!
إن معركة طوفان الأقصى من أساسها هي معركة أسطورية بكل المقاييس، معركة لا يمكن مقارنة قدرات أطرافها المادية، لكن يمكن المقارنة فيما يتعلق بإرادة أطرافها، الكيان رغم كل قدراته وحجم الدعم الأمريكي البريطاني والغربي له يظل كياناً محتلاً يملك القوة ولكنه لا يملك الحق، فيما المقاومة ورغم إمكانياتها المادية المحدودة غير انها تتمتع بإرادة فولاذية، إرادة لا تنكسر ولا تهزم ولا يزيدها استمرار العدوان إلا صلابة، كما أن المقاومة هي صاحبة الحق والحق فوق القوة وبغض النظر عن كل نتائج المعركة فإن من المخجل أن يتحدث العدو عن الإنجازات والانتصارات، لأن مثل هذا الحديث هو معيب بحق هذا الكيان الذي يسعى لإقناع مواطنيه بأنه قادر على حمايتهم وتوفير الأمن لهم، فيما ترعاه أمريكا بدورها التي حضرت بأساطيلها لمؤازرة هذا النجاح وتمكينه من عوامل الانتصار ورد الاعتبار لمكانته التي أهدرتها المقاومة في طوفان الأقصى، لهذا جاءت أمريكا بأساطيلها وبوارجها ومعها بريطانيا إلى المنطقة جالبين معهما أجهزتهما الاستخبارية وتقنياتهما التجسسية لمساعدة الصهاينة في تحقيق انتصار على المقاومة ولو من خلال (بروبجندا إعلامية) تسوق عبر وسائل إعلامية صهيونية _أمريكية نموذج هذه البروبجندا قصة أو حكاية اغتيال القيادي في القسام مروان عيسى، ودون خجل يعتبر الصهاينة تصفية هذا المجاهد انتصاراً عظيما وهذا دليل إفلاس وانحطاط وهمجية الكيان الذي يصنف نفسه الأقوى في المنطقة.
لكن يبقى هناك سؤال: من سينفذ قرار مجلس الأمن ويوقف إطلاق النار وحرب الإبادة على الشعب العربي في فلسطين؟!
من سيطبق قرار مجلس الأمن ويدخل المساعدات الغذائية والدوائية للشعب العربي في قطاع غزة؟!
وإذا لم يحترم القرار الأممي الأخير والمتوقع أن الصهاينة لن يلتزمون به، وان القرار أساسا جاء بهدف التسويف وتهدئة الرأي العام وخطوة في طريق إعادة تلميع صورة أمريكا الملطخة بدماء أطفال وشيوخ غزة..؟
لكن هل سيستغل النظام العربي هذا القرار ويكسر الحصار ويدخل المساعدات للقطاع؟ هذا هو السؤال الأهم..