أغلب العائلات تحصل على نصف وجبة غذائية كل 48 ساعة

الأمم المتحدة أسيرة القلق والصمت: الوضع تجاوز المرحلة الكارثية.. سكان غزة يموتون جوعاً وعطشاً

الفاو: جميع سكان غزة مصنّفون بين أعلى فئات الجوع

الأمم المتحدة: نصف مليون شخص في غزة على حافة المجاعة

غزة مكان للموت واليأس هكذا تقول الأمم المتحدة التي تقف على جدار العجز والخيبة في الوقت الذي يموت فيه سكان غزة جوعاً وعطشا في ظل حصار شامل يفرضه الكيان الصهيوني ترافقا مع عدوانه على القطاع ومجازر الإبادة الجماعية التي يرتكبها بحق السكان.
الثورة / محمد الروحاني

صغارنا لا يستطيعون النوم من الجوع ولا طعام في أي مكان، هكذا تصرخ الأمهات الفلسطينيات بينما يقف الآباء طوابير أمام المخابز لعلهم يعودون برغيف خبز قد يشبع ولو بعضاً من جوع أطفالهم في حين يموت أطفال وهم ينتظرون.
إنها المأساة بكل ما لها من معنى.. جوع وأمراض وقتل وصواريخ وعطش وخوف وفزع وترويع ورعب وقلوب منكسرة وحزن فاض على اليابسة حتى أغرق البحر الذي يحتضن غزة.
هكذا حول جيش الاحتلال غزة إلى مقبرة جماعية، الناس يدفنون في الشوارع العامة، في كل شارع جثث وأضرحة وبيوت مدمرة تحتضن جثامين أصحابها وقصص وروايات وذكريات ودموع لن تجف لمن بقوا أحياء يحملون انكسارهم أينما يرحلون وينتظرون الموت، وخيام تنتشر ونازحون يموتون جوعاً وعطشا لتسجل هذه القطعة من الأرض أكبر كارثة إنسانية عرفتها البشرية في عقودها الأخيرة.
المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة أكد أن بعض العائلات تحصل خلال 48 ساعة على نصف وجبة غذائية فقط.. لافتا إلى أن الاحتلال يمنع وصول الشاحنات إلى محافظة شمال القطاع والوضع الإنساني في شمال غزة تجاوز المرحلة الكارثية، والمواطنون هناك لا يجدون حتى الأعلاف والحبوب.
أطفال يأكلون الحشائش وآخرون يموتون من الجوع
في مقطع فيديو متداول ظهر طفل فلسطيني وهو يأكل من العشب.. فيما ظهرت طفلة فلسطينية في مشهد مصور وهي تحاول التقاط بقايا طعام من قدر، وتحاول بأصابعها النحيلة أن تأكل ما بقي من الطعام لتسد جوعها.
ويبقى موت الطفلة جنى قديح « 14 عاما» في منتصف ديسمبر الفائت كشاهد على عظم جريمة العدو الصهيوني، حيث ظلت لثلاثة أيام متواصلة لا تجد لقمة واحدة حتى استشهدت جوعا ودفنت في مدرسة إيواء بالقرب من معبر رفح.
وعقب أيام كشفت الناشطة ندى عصفور لوسائل الإعلام عن موت أطفال من الجوع في مجمع ناصر الطبي.. كما مات الرضيع جمال كفارنة من الجوع أيضاً.. فيما تؤكد شهادات أخرى لفلسطينيين موت العديد من الأطفال في غزة من الجوع.

المستوطنون يعيقون وصول المساعدات
وفي ظل الحصار الشامل الذي يفرضه الكيان الإسرائيلي على قطاع غزة، توعز حكومة الاحتلال للمستوطنين الصهاينة بإعاقة وصول المساعدات، حيث أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قبل أيام أن الكيان الإسرائيلي صعد من إجراءاته لتقييد وصول المساعدات عبر عدة آليات، منها السماح لمجموعات من المستوطنين المتطرفين بموافقة شرطة الاحتلال، وبناء على أوامر وزير الأمن القومي في كيان الاحتلال «إيتمار بن غفير»، بتعطيل مرور شاحنات المساعدات من معبر «كرم أبو سالم»، وتكرر ذلك عدة مرات.. مشيرة إلى انه نتيجة لذلك يعاني مئات الآلاف من السكان في شمال قطاع غزة من جوع حقيقي وحرمان متواصل وشديد من المواد الغذائية، فيما تبقى هناك مؤشرات عالية على بدء انتشار المجاعة في تلك المنطقة، وتسبب ذلك بخسران جميع السكان أكثر من 1200 طن من أوزانهم، نتيجة الحرمان من الغذاء الكافي، وهو ما ستكون له تأثيرات مستقبلية خطيرة على صحتهم وجهازهم المناعي، وسيؤدي إلى حالات وفاة كبيرة تفوق الأعداد الكبيرة الناجمة عن القتل المباشر.
وأشار المرصد إلى ما أعلنه المفوض العام للأونروا «فيليب لازاريني»، أن آخر عملية توزيع للمواد الغذائية في شمال وادي غزة، نفذتها الأونروا كانت في 23 يناير الماضي، وأن الكيان الإسرائيلي رفض منذ بداية العام نصف طلبات إرسال المساعدات التي قدمت للشمال.
ووفق «لازاريني»، حددت الأمم المتحدة مناطق عميقة من المجاعة والجوع في شمال غزة، فيما أكدت المعطيات الواردة في تقارير آليات عمل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أن جميع سكان قطاع غزة، أي بنسبة 100%، يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد الشديد، بينما أكثر من نصف مليون شخص في مرحلة المجاعة، ويعانون من الحالة القصوى من حرمان الغذاء، وازدياد في حالات الوفاة الناتجة عن الجوع أو سوء التغذية أو الأمراض المرتبطة بهما.
وكان المرصد قد وثق حادثة وفاة المسن الفلسطيني أحمد شاكر عايش عن عمر يناهز الـ70 عاما، الذي أفاد أقاربه بأنه مات جوعا في مخيم الشاطئ في مدينة غزة في 28 يناير.. فيما ذكر تقرير لوكالة الأناضول أن مئات الآلاف من الفلسطينيين في مناطق شمال غزة، اضطروا إلى أكل أعلاف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة بسبب نفاد الأغذية الأساسية، بعد 4 أشهر من الحرب والحصار المشدد.

مستويات غير مسبوقة من الجوع
منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، أكدت أن سكان قطاع غزة يعانون من مستويات “غير مسبوقة” في “ظروف تحاكي المجاعة” بسبب العدوان الصهيوني المتواصل على القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023م.
وبحسب المنظمة فإنّ نحو 550 ألف فلسطيني في القطاع يواجهون مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي، فيما تؤثّر الأزمة على جميع سكان القطاع.
ونقلت المنظمة عن نائبة مديرها العام بيث بيكدول قولها إنّ “ثمّة مستويات غير مسبوقة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، والجوع، وظروف تحاكي المجاعة في قطاع غزة، وأن هناك تزايداً للأشخاص الذين يقتربون من ظروف المجاعة.
وبيّنت بيكدول أنّ جميع سكان غزة البالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة مصنّفون بين أعلى ثلاث فئات للجوع، من المستوى الثالث الذي يُعَدّ “حالة طوارئ” إلى المستوى الخامس الذي يُعَدّ “كارثة.
ورأت نائبة المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة أنّه “في هذه المرحلة، قد يكون نحو 25 % من سكان قطاع غزة مصنّفين في المستوى الخامس وهو أعلى مستويات الجوع.
ولفتت بيكدول إلى أنّه قبل العدوان، كان لدى الفلسطينيين في غزة “قطاع إنتاج فواكه وخضراوات ذاتي الاكتفاء” مع بيوت بلاستيكية، كذلك “كان لديهم قطاع قوي لتربية الماشية” دمرها جميعها جيش الاحتلال الإسرائيلي.

تحذيرات بالجملة من المجاعة في غزة
وفي هذا الإطار قال المدير القُطري لبرنامج الأغذية العالمي في الأراضي الفلسطينية ماثيو هولينغورث: إن سكان قطاع غزة يعيشون “كارثة إنسانية ملحمية” وسط الجوع وانتشار الأمراض.
وأتى ذلك بعدما كان البرنامج قد حذّر من أنّ فلسطينيي غزة مهدّدون بالمجاعة، مؤكداً أنّ هذا التهديد يتفاقم أكثر فأكثر.
من جهتها، حذّرت وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، أخيراً، من أنّ حياة 300 ألف فلسطيني على أقلّ تقدير معرّضة للخطر في شمال قطاع غزة ووسطه بسبب نقص الغذاء، وذلك وسط عرقلة الكيان الإسرائيلي إدخال المساعدات مع تواصل عدوانها على القطاع.
وقبلها أفاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأنّ أربعة أشخاص من كلّ خمسة يُعَدّون من الأكثر جوعاً في العالم موجودون في قطاع غزة.

المساعدات لم تدخل منذ أسبوع
وفي نهاية الأسبوع الماضي قال الهلال الأحمر الفلسطيني: إنه منذ حوالي أسبوع لم يستلم مساعدات عبر معبر رفح بسبب استمرار مظاهرات المستوطنين الصهاينة التي تعرقل عملية تفتيش الشاحنات من سلطات الاحتلال عند معبر العوجا.
وكانت الخارجية الفلسطينية قد أكدت أن المجاعة التي يعانيها قطاع غزة سياسة إسرائيلية، تهدف للتجويع المتعمد واستكمال الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني.. مشيرة إلى أن عدداً من التقارير الأممية ومختلف الجهات الدولية المختصة بقضية الغذاء والتغذية وحقوق الإنسان والتي أقرت جميعها أن المواطنين في قطاع غزة يعانون نقصا عاما وحادا في الغذاء، وانتشار الجوع على نطاق واسع بين الأسر الفلسطينية التي تمضي أياماً كاملة دون الحصول على أي طعام، وان أكثر من نصف مليون شخص في قطاع غزة يتضورون جوعا، وأن 4 من كل 5 جائعين في العالم يتواجدون في قطاع غزة، وأن 95 % من أطفال قطاع غزة لا يتوفر لهم الحليب والمواد الغذائية ويعانون من سوء التغذية، وان 1.9 مليون نازح يتواجدون في مراكز الإيواء يتعرضون لجوع شديد، وأن 50 ألف امرأة حامل في هذه المراكز بلا ماء ولا دواء ولا رعاية صحية.
ونهاية الأسبوع الماضي قال مارتن غريفيث -وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، إن هناك نصف مليون شخص في غزة على حافة المجاعة، يفتقرون لأبسط الحاجات الأساسية من غذاء وماء ورعاية صحية.. مضيفا أن الحرمان الذي يعاني منه سكان غزة قاسٍ وعميق، وأي قدر من المساعدات لن يكون كافيًا لحاجاتهم، مشيرًا إلى أن الأمم المتحدة طلبت من إسرائيل كقوة محتلة لغزة تسهيل وصول المساعدات، دون جدوى.
من جانبها قالت اليونيسف إن أكثر من 80 % من أطفال قطاع غزة يعانون من فقر غذائي حاد، وان آلاف الأطفال دون سن الـ 5 يعانون من سوء التغذية، وهم عرضة لمخاطر سوء التغذية الحاد والوفاة بسبب ذلك.
ووفقا لمدير عام منظمة الصحة العالمية فإن جميع الناس في قطاع غزة يواجهون الجوع ويضطرون لبيع ممتلكاتهم مقابل الغذاء، وأن الآباء والأمهات يحرمون أنفسهم من أي طعام لإطعام أبنائهم مما يعني وجود كارثة حقيقية على صحة الناس في قطاع غزة.
واستنادا إلى البيانات السابقة، أكدت وزارة الخارجية الفلسطينية أن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ليس جوعا وتجويعا فقط وإنما هو مجاعة حقيقية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، تهدد حياة المواطنين لخطر الموت جوعا، بل وتموت أعدادا يومية منهم بسببها».
وشددت على أنه استنادا إلى المعايير المعتمدة لدى الأمم المتحدة، فإن المواطنين في قطاع غزة يتعرضون للمجاعة ومخاطرها وانتشار سوء التغذية.. مطالبة الأمم المتحدة «بالإعلان رسميا عن أن قطاع غزة يعاني من مجاعة حقيقية تهدد حياة المواطنين بالموت بسبب حرب الإبادة الجماعية والحصار المفروض على الشعب الفلسطيني».
كما طالبت مجلس الأمن الدولي بتحميل إسرائيل المسؤولية عن الإبادة بالمجاعة وكسر الحصار على قطاع غزة الذي تفرضه القوات الإسرائيلية وتنفيذ القرار 2720 بأسرع ما يمكن لوضع حد للمجاعة التي تنتشر في قطاع غزة.
يشار إلى أن الكيان الإسرائيلي قد شن حملة تحريض جديدة ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي تعد الجسم الأكبر لتقديم المساعدات للفلسطينيين في القطاع، بدعوى مشاركة 12 من موظفيها في هجوم الـ 7 من أكتوبر الماضي.
تلا ذلك قيام 18 دولة بقطع تمويل الوكالة الأممية التي تقوم بإيواء أكثر من 1.2 مليون لاجئ من أصل 1.9 مليون لاجئ في قطاع غزة، ومن شأن قطع التمويل الذي يأتي كشكل من أشكال العقاب الجماعي للفلسطينيين بأكملهم أن يوقف عمل الوكالة الأممية مع عدم وجود بديل عنها، الأمر الذي يعني تكريسًا لحالة التجويع وانتشار المجاعة واليأس وانقطاع الخدمات الأساسية في قطاع غزة.

قد يعجبك ايضا