ورقة “باريس” والتطبيع والصراع الدولي!!

مطهر الأشموري

 

التفاعل العام التلقائي مع ما أراها الجرائم الأشنع والأوسع التي تمارسها إسرائيل في غزة، هو من الإيجابيات كمخرجات لهذه الأحداث حتى لدى الشعوب التي تتقاطع مع رؤى وخيارات أنظمتها وهي واضحة في وضعنا وحالتنا العربية..
فالمؤكد أن الكثير من الشعوب ليست راضية عن خيارات أنظمتها وإن لم تستطع التعبير عن رؤاها بمظاهرات أو احتجاجات، لأنها تعيش مستوى من متراكم القمع كأمر واقع..
فنحن نشهد في الأردن مثلاً مظاهرات واحتجاجات تتقاطع مع سياسات وخيارات النظام كأمر واقع يختلف عن الحالة السعودية مثلاً، وفي مصر قد تخرج تظاهرة صغيرة ضد التهجير، لكنه لا يسمح بخروج جماهيري وكبير ضد الإبادة الجماعية..
من كل هذا قد نتساءل عن أداء ودور ما كنا نسميه الإعلام العربي كإعلام رسمي؟..
هذا الإعلام يهتم مثلاً بما تسمى ورقة باريس أكثر مما تعاطى واهتم بالإبادة الجماعية..
هذا الإعلام المعبر عن رأي وسياسة أنظمة يبحث لهذه الأنظمة عن تخريجات أو مخرج من إحراج أو مأزق من صياغة وصنع المقاومة ومعها محور المقاومة منذ السابع من أكتوبر 2023م..
أياً كانت أطراف التفاوض “السياسي” فإن ما تسمى “ورقة باريس” صاغتها أمريكا مثلما كانت تصيغ قرارات ومواقف للجامعة العربية ولقمم عربية منذ 1990م، وبالتالي يكفي أن تنظر المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة لورقة باريس على أنها “ورقة أمريكية” كاستيعاب ووعي أياً كانت القرارات التي تسير فيها أو يصار إليها، لأن السياسة الدولية وربطاً بها الأقليمية باتت ترتبط بالتغيير والمتغير كصراع دولي ولم يعد بمقدور أمريكا تجاوز استحقاق هذا المتغير والتغيير..
لفت نظري مسؤول ومحلل روسي حين قال: ” إن صفقة القرن لم تعد تعني الشرق الأوسط فقط وفق ما طرح ” ترامب”، وأضاف هذا المسؤول أن الصفقة تشمل “أوكرانيا”..
استشف من هذا الطرح الروسي ما طرحه الكاتب والمفكر العربي الراحل محمد حسنين هيكل بأن كل ما يجري سيدفع إلى ما أسماها هيكل” سايكس بيكو 2″، فهل ورقة باريس ستكون من أوراق وصول أو توصيل إلى ” سايكس بيكو 2 “؟..
هل من المحتمل مقايضة بين روسيا وأمريكا في مسألتي أوكرانيا وإسرائيل، وماذا عن الصين ولها قضية مع أمريكا والغرب اسمها تايوان؟..
مادام الغرب بات بقيادة أمريكا لا يطرح فقط حل الدولتين بل ويقدم التزاماً للعالم وما يسمى ” المجتمع الدولي ” بالاعتراف بدولة فلسطينية يشترطها منزوعة السلاح، فهو في ذلك ينطلق من المقايضة الدولية أو ” سايكس بيكو 2 “، ولنا هنا التوقف عند أن رئيس مصر ” السيسي ” استبق في إعلان مقترح ” منزوعة السلاح “ولهذا دلالاته وارتباطاته بالغرب قبل الشرق أو بالشرق قبل الغرب ” سيان “..
بغض النظر عن كل هذا بما في ذلك ورقة باريس، فإنه يعنينا كمقاومة ومحور مقاومة أن لا نتعامل باليومية ولا بالآنية بقدر ما يعنينا اللعب بالمتغيرات وبها لتعظيم مصالحنا ومكاسبنا، بحيث يكون التوافق أو التقاطع وفق معاييرنا وقياس مصالحنا، لأن روسيا والصين كطرف – افتراضا- هما بحاجة إلينا مثلما نحن نحتاج لهما في محور المقاومة بما يتطلب رؤية متوازنة في قياس الأولويات والمصالح..
أمريكا تريد استباقاً أي توافقاً دولياً أو مقايضة أو ” سايكس بيكو 2 ” بفرض التطبيع مع إسرائيل كأمر واقع في المنطقة، ولهذا تريد تطبيعاً إسرائيلياً سعودياً بسقف مطاطي أو مفتوح ” 5- 10 ” سنوات..
أمريكا تريد فرض التطبيع كأمر واقع في المنطقة من منظور التأسيس لنهج التطبيع، فثقل الثورة مصر دفع بها إلى المطبع الأول فيما ثقل الثروة ” السعودية ” سيكون الثقل الأهم لفرض التطبيع المناسب في الوقت المناسب..
فإذا تطبيع العلاقات – إن جاز التعبير – فرض على أمريكا بالوساطة الصينية فأمريكا تريد فرض التطبيع ” السعودي – الإسرائيلي ” خارج التفاوضات عربياً أو إقليمياً أو دولياً، والمسألة لم تعد تحتاج إلا إلى تخريجات لتخفيف إحراج النظام السعودي كما التخريجات الساداتية حين أول تطبيع، وأكثر ما طرح كتخريجة هو حل الدولتين والإعلان عن استعداد أمريكا وبريطانيا وفرنسا الاعتراف بدولة فلسطينية، وبالتالي جاء ” السيسي ” الدور سادتي ” منزوعة السلاح”..
أعتقد أنني بهذا الأفق وضعت المقاومة ومحور المقاومة أمام المهم والأهم، ولدى المقاومة ومحور المقاومة كفاءات وقدرات نوعية وواعية تستطيع التحليق و”تخليق” ما هو المناسب والأنسب للتعامل مع التطورات بأسقف الصراع الملونة والمتلونة والعديدة والمتعددة بما فيها الدولي ربطاً بالمتغير والتغيير.

قد يعجبك ايضا