بين عاصفة الحزم التي انطلقت ضد اليمن من واشنطن في مارس 2015م بزعم (استعادة الدولة وإعادة الشرعية) وعملية أو تحالف (حارس الازدهار) الذي أعلنته واشنطن بزعم حماية الملاحة الدولية في البحرين الأحمر والعربي ومضيق باب المندب، عبرت واشنطن عن جوهر استراتيجية أهدافها في اليمن التي كانت هدفا استراتيجيا لها منذ ما قبل غزوها أفغانستان والعراق بعد أحداث 11إيلول سبتمبر 2001م وتفجير أبراج مانهاتن التي قام بها تخطيطا وإعداداً وتنفيذا تيار المحافظين الجدد والموساد الصهيوني ليتخذوا منها لاحقا مبررا وذريعة لشن حربهم (الصليبية) حسب وصف الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن الذي رفعت إدارته شعارا _من لم يكن معنا فهو ضدنا _لتستبيح على إثر ذلك واشنطن سيادة الدول وتنطلق في عربدتها وغطرستها على دول العالم فارضة قوانينها الخاصة التي حلت بديلا عن القانون الدولي..
بيد أن عاصفة الحزم وبعد عقد من انطلاقها ورغم وحشيتها وانحطاط ونذالة القائمين عليها فإن هذه العاصفة وبعد عشر سنوات انتهت بارتدادها على من قام بها وعصفت بدولها فيما اليمن ازدادت قدرة واقتدارا وثباتاً متجاوزة كل تحديات العاصفة التي لم تنحني لها اليمن بل أجبرت من قاموا بها على الانحناء حتى الركوع لإرادة صنعاء التي خاضت تجربة استثنائية استطاعت رغم العدوان والحصار المطبق عليها وعدم الاعتراف بها إقليميا دوليا واعتبار سلطة صنعاء حسب توصيفهم (سلطة انقلابية) تقودها ( مليشيات الحوثي الموالية لإيران) هذا التوصيف الانتقاصي هدفه التسويق لشرعية المرتزقة الذين هم بالأصل خدم واشنطن وأذنابها ولم تكن واشنطن لتكترث بهم لولا إدراكها أنهم أدواتها وأفضل من ينفذون أوامرها، ومواقفها هذه لا تخرج عن موقفها في تحالف (حارس الازدهار) الذي كان دافعه حماية الكيان الصهيوني المجرم، وبين دفاع عن خونة الشرعية ومجرمي الكيان الصهيوني فإن واشنطن في الحالتين تدافع عن مصالحها الاستراتيجية والجيوسياسية، قطعا لم تكن واشنطن تدرك قدرة صنعاء على الصمود في معركة عاصفة الحزم، وأدرك أيضا أن قدرة اليمن في مواجهة تحالف حارس الازدهار أكثر من ممكنة فاليمن اليوم عكس ما كانت عليه بالأمس وعلى مختلف المستويات رغم الحصار والحملات الإعلامية والسرديات الانتقاصية التي تسوق عبر الفضاءات الإعلامية عن سلطة صنعاء واختزالها من باب الانتقاص بجماعة( الحوثي) بهدف كي الوعي الجمعي واعتبار حركة أنصار الله حركة انقلابية لا تمثل الشعب اليمني يستمد أصحاب هذا المنطق طرحهم على ارتهان بعض من يسمون أنفسهم الشرعية لخياراتها والتي تتخذ منهم دروعا لاستهداف اليمن، تجاهلت أمريكا أو تحاول أن تتجاهل حقيقة أن الحوثي جزء من الشعب اليمني وان مثل دوره كطليعة للتغير إلا أن هذا التغير التف حوله الشعب اليمني بأسره، وبالتالي فإن الشرعية اليمنية ليست في فنادق الرياض بل في خنادق صنعاء التي تواجه اعتى واكبر قوى الاستكبار وخلفها يقف ملايين من أبناء الشعب اليمني إذا ما استثنينا منهم طابور المرتزقة الذين لا يمثلون ما نسبته 5.٪ من الشعب اليمني الذي يفتخر باستعادة قراره السيادي، ويفتخر بالمواقف التي تتبناها قيادته الثورية المدافعة عن حرية وكرامة اليمن وسيادتها وقرارها الوطني الذي عاد إليها بعد رحلة من الاغتراب والمصادرة وسياسة التبعية والارتهان التي عاشتها اليمن على مدى عقود..
إن اليمن لو لم تكن حرة وذات سيادة لما اتخذت قرارا بحجم قرار إسناد ودعم الأشقاء في فلسطين رغم تهديدات الدول الاستعمارية لكل دول وأنظمة المنطقة محذرة الجميع من مغبة تقديم أي شكل من أشكال الدعم لأشقائنا في فلسطين الذين يتعرضون لحرب إبادة جماعية غير مسبوقة على يد أقوى جيوش العالم على الإطلاق والمتمثلين بالجيش الصهيوني والأمريكي والبوارج البريطانية والفرنسية والألمانية، دول عظمى سخرت كل قدراتها الاستخبارية والتجسسية وأقمارها الصناعية ومصانعها العسكرية وخزائنها لمساعدة الكيان الصهيوني الحارس لمصالحهم الاستعمارية في الوطن العربي..!
قرار اليمن الشجاع والاستثنائي الذي لاشك اربك العدو وأمريكا وعواصم الاستعمار القديم والحديث التي واضطرت إلى الكذب حد الفجور وتحريف مواقف اليمن التي أعلنت استهداف السفن الصهيونية والمتعاونة معها ويعرف العالم هذه الحقيقة غير أن واشنطن حرفت وكذبت كعادتها وهي الدولة الأكثر اعتمادا على الكذب الوقح السافر ودون خجل مؤمنة بمبدأ احد فلاسفتها الانتهازيين القائل بمبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) ورغم زعم أمريكا بأنها دولة عظمى ويفترض أن تؤمن بمبدأ (أن الوسائل يجب أن ترتقي شرفا مع غايتها) وهو المبدأ الذي تجسده اليمن في موقفها الداعم للقضية الفلسطينية، والوسائل التي اعتمدتها صنعاء ترتقي شرفا مع الغاية المنشودة وهي رفع الظلم والعدوان الإجرامي البشع على شعبنا العربي في فلسطين، هذا العدوان الذي رغم وحشيته واجرامه والدعم والإسناد الدولي له والتواطؤ العربي والإسلامي عليه، فشل في النيل من المقاومة ومن صمود وعزيمة الشعب الفلسطيني الذي قدم خلال الأشهر الأربعة أكثر من مائة ألف شهيد وجريح غالبيتهم نساء وأطفال وشيوخ مدنيين عزل فيما المقاومة تسطر ملاحمها في مواجهة هذا العدوان في كل دقيقة، ورغم الاستنكار الشعبي دوليا أصر واشنطن على أن وقف مذابحها لم يحن بعد متوهمةً فعلا كوهم الصهاينة بأن فلسطين وطنهم الموعود ولكن من الاستعمار البريطاني وليس من الله الذي وعدهم بجهنم وبئس المصير، وإلا لكانت أمريكا وطن الهنود الحمر وليس وطن الرجل الأبيض المهاجر إليها من كل أصقاع الأرض..!
لن يحصد تحالف حارس الازدهار أكثر مما حصده تحالف عاصفة الحزم، وإن كانت جيوش العدوان على قطاع غزة أخفقت وتتجرع الهزائم يوميا أمام المقاومة الفلسطينية منذ أربعة أشهر رغم الفارق الشاسع في العدة والعتاد، فإن حارس الازدهار لن يكون أكثر حظا ولن تجني واشنطن من ورائه غير المزيد من الانحطاط والازدراء العالمي لها ولمواقفها وسياستها الاستعمارية التي تسير على طريق الانحدار والسقوط بشهادة كل المؤشرات المعطيات التي تؤكد أن واشنطن تتجه نحو السقوط وقد تكون معركة طوفان الأقصى واحدة من المحطات المساعدة في هذا السقوط والتعجيل به، إما اليمن ستواصل تمسكها بمواقفها الداعمة للشعب العربي في فلسطين، وسوف تشهد مياه البحرين الأحمر والعربي ومضيق باب المندب أن إرادة اليمن وثبات مواقفها يتجاوزان حسابات وتقديرات واشنطن ولندن اللتين ستدركان قريبا انهما دخلتا نفقا معتما بسبب رغبتهما المضي في الدفاع عن إجرام الصهاينة وإن على حساب مصالح شعبيهما المغلوبين على أمرهما، وكان الأجدر على أمريكا أن تهتم بأكثر من 60 مليون أمريكي مشرد ينامون على أرصفة مدنها وتمنحهم قدرا من حياة كريمة بدلا من استنزاف مواردها لصالح الصهاينة والمرتزقة الأوغاد في قارات العالم.