في المسألة الفلسطينية.. المقاومة الرهان الصحيح

طاهر محمد الجنيد

 

 

الأمم المتحدة كمنظمة دولية اختلف دورها في القضية الفلسطينية عن غيرها من القضايا، فبدلاً من الاعتراف باستقلال الدول المنضمة إلى عضويتها وجدناها تقرر تقسيم وطن بين طرفين، الأول هو صاحب الأرض والثاني الوافد عليه بغير سبب ولا دعوى توجب تواجده فيه، كان المفروض أن ينتهي الانتداب البريطاني وفقا لقرار الأمم المتحدة رقم (181) ويتبعه الاستقلال الفلسطيني كغيرها من الدول التي تخلصت من الاستعمار، لكن المستعمر القديم وطَّد دعائم الاستعمار الجديد بوجهه اليهودي من خلال دعم ورعاية العصابات الصهيونية، وهنا الأمم المتحدة يصدرون قرار التقسيم بين الجلاد والضحية بلغتهم العظيمة، يصفون الأمر وصفا دقيقا بـ”النكبة”، نص القرار (242) على تقسيم أرض فلسطين منطقة للعرب وأخرى لليهود وثالثة مناطق دولية، ومع كل استمرار للتوسع والتهجير تأتي الأمم المتحدة لتبني مخيمات للاجئين الفلسطينيين وتبارك للصهاينة استكمال المخطط والسيطرة على المزيد من الأراضي والمساكن وغيرها، فالأراضي نهبت وصودرت بالقوة والسلاح، والبيوت احتلت وأصبح الفلسطيني لاجئا في موطنه ومشردا في جواره ومحيطه العربي والإسلامي.
وبينما يشتد الإجرام على أبناء فلسطين نجد أن الأمم المتحدة التي أعطت الشرعية لقيام كيان بني صهيون، هي ذاتها العاجزة عن إلزامه باحترام القرارات الصادرة عنها، أما مجلس الأمن فهو حمل وديع لنشر الرعب والخوف في نفوس الآخرين ويتمسح بين أقدام الأمريكان والصهاينة ومن تحالف معهم.
جاءت النكسة بعد النكبة، وحرب يوم الغفران، واعترف العالم بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد وتوسع الكيان وأصبح دولة تمد سلطانها على أرض فلسطين، ولم يبق لأهل الأرض سوى المخيمات في الداخل، أو في الخارج، ومع كل مفاوضات يتجذر الصهاينة ويجعلون المساومة على حقوق الشعب الفلسطيني أساساً لمصادرتها، كما صادروا الأرض والإرادة وغيرها حتى وصلنا إلى المطالبة بإلغاء حق العودة لأهلها وفتح مجال الهجرة في أرض الميعاد.
تفاقمت الأوضاع سوءاً على أبناء فلسطين وخذلهم الأقربون، وتآمر عليهم المجرمون شرقاً وغرباً، القيادات الوطنية يتم اغتيالها، والناشطون يقتادون إلى السجون، أو يهجرون خارج حدود الوطن، فإما العيش تحت وطأة الاحتلال، أو وفق شروطه وقانونه، أو الموت، أو الهجرة، وحتى يستتب الأمر يقوم الصهاينة بين كل حين وآخر بارتكاب المجازر، وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ والعزل على مرأى الجميع، مما يشكل إرهاب وردع الآخرين عن التحدث عن مظلومية الشعب الفلسطيني، الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس، والعرب ينددون بالمجرمين، والغرب يؤكد حق إسرائيل في ممارسة الدفاع عن النفس، فالجيش المدجج بالسلاح والآلات الحديثة من طائرات ودبابات وغيرها مسموح له أن يمارس القتل والفتك بمن جُرِّد من السلاح الأبيض، حتى أن شراء المدية (السكين) غير مسموح التسلح بها إذا كانت ستشكل خطراً.
أخرج الفلسطينيون من أرضهم وديارهم وهجروا إلى سوريا ولبنان والأردن وغيرها، واستولى الصهاينة على كل ممتلكاتهم وأراضيهم.
شتان بين قرارين.
عرض اليهود تسديد ديون الخلافة العثمانية وغيرها الكثير من المغريات، لكن السلطان عبدالحميد رفض حتى ولو كان الأمر سيؤدي إلى سقوط الخلافة، وعزله عن العرش، ولا يسمح لليهود بالاستيطان على أرض فلسطين؛ لأنها -حسب رأيه- وقف إسلامي لا يجوز التصرف فيه منذ استلام عمر لها كخليفة للمسلمين، ووافق الأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز آل سعود على إعطاء فلسطين للمساكين اليهود وغيرهم، فسقطت الخلافة وعزل السلطان عبدالحميد، وقامت مملكة آل سعود وأطاحت بكل الإمارات حولها واستولت على أراضيها بالسيف والحديد والنار.
وهنا نجد أن الفلسطينيين اتخذوا قرارهم بأنفسهم بعد أن سدت آفاق الحلول السياسية، وعلموا أن السراب والوهم هو التعلق بالغير في حل القضية، بدأت الانتفاضة، ومارست وعياً وطنياً، وأعادت القضية الفلسطينية إلى دائرة الاهتمام بعد أن كانت في طور التصفية من خلال الحلول الظالمة على حساب الحق والعدل، حاول الصهاينة اليهود والنصارى والصهاينة العرب (عملاء وخونة) القضاء على الانتفاضة، لكنها استمرت، حتى أرادوا القضاء عليها بواسطة الاتفاقيات السرية والمعلنة)، سلموا بعض المناطق للإدارة الفلسطينية مقابل الشروط الأمنية والتحول إلى شرطي للاحتلال، ولم يفلح ذلك ولا رضي اليهود والصهاينة بسبب المقاومة والكفاح الذي لا تستطيع السلطة السيطرة عليه ولا القضاء عليه، فمارس الصهاينة كل أنواع الإجرام والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وكلما اشتد الإجرام أيقن الفلسطينيون بصوابية التوجه المقاوم دون غيره من الحلول الآنية والاستسلام لأن الحرية أثمن وأقدس من رفاهية العبودية والذل والهوان.
إن قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن أو غيرهما من المنظمات لن تعيد وطنا مسلوبا وحقا مغتصبا لأصحابه، وقد أثبتت الأيام والسنون صدق ذلك وواقعيته، فهي التي أعطت للكيان شرعية وجوده واستمراره، أما المفاوضات وهي الخيار الذي تعول عليه بعض قيادات العمل السياسي الفلسطيني، فقد اتضح أنها لا تثمر خاصة وأن الطرف المقابل معلوم عنه لا يفي بعهد ولا يرعى حرمة ولا ذمة حتى ولو شهد العالم على ذلك، لأن الله سبحانه وتعالى كشف حقيقة اليهود ” أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ” البقرة (100)، وتشهد على ذلك مشاريع وقرارات الاتفاقات منذ تأسيس الكيان الصهيوني وحتى الآن، ويبقى الخيار الصحيح هو المقاومة والتضحية في سبيل تحرير الأوطان وهي لغة يفهمها العالم أجمع، وعليها سارت قوافل الشهداء في كافة أرجاء الأرض، وحققت المعجزات بوسائل بسيطة أمام الإمكانيات الهائلة والرهيبة؛ لأن الإرادة هي التي تصنع الفارق الجوهري بين الحرية والعبودية، والاستقلال والاحتلال، والعزة والكرامة، والمذلة والهوان، وبها يتميز الأبطال من الخونة والأنذال:
وللأوطان في دم كل حر
يد سلقت ودين مستحق.

قد يعجبك ايضا