الإنسانية المفقودة في مواجهة الإجرام والطغيان

طاهر محمد الجنيد

 

 

لقد كشفت الأعمال الإجرامية التي تقوم بها العصابات الصهيونية على أرض فلسطين عمق وخساسة تلك العقليات الإجرامية التي تحاول التدثر بميزات الأنبياء والكذب على الله أولا والأنبياء ثانيا والإنسانية ثالثا وليس أخيرا فالمشروع الإجرامي الذي يحاولون تسويقه من خلال آليتهم الإعلامية وغيرها ورغم السيطرة والانتشار لم يستطع محو الحقائق التي أكدتها الوقائع على أرض الواقع.
فأي عقلية تلك التي تسلط إجرامها وبأبشع وأقوى الأسلحة الفتاكة والمحرمة دوليا لإبادة شعب اعزل لا يملك غير الحجارة وسيله للدفاع عن نفسه فقد جردته العصابات الإجرامية من كل أنواع الأسلحة التي يمكنه من خلالها الدفاع عن نفسه ووجوده، وبلغت الوقاحة والدناءة أن يقوم ممثل تلك العصابات الإجرامية بتقديم شكوى للعالم أجمع أمام مجلس الأمن الدولي أن شعبه مسكين ومضطهد من شعب الحجارة، حتى أن إجمالي الأحجار التي القيت على المجرمين خلال سنة واحدة يبلغ (1775) حجرا، ويتناسى المجرم ذاته أنه يملك أقوى وأقذر الأسلحة المحرمة دوليا لكي يبيد ويقهر شعبا أعزل يدافع عن كرامته ووجوده.
لقد أشاع المجرمون في بداية المواجهات مع قوى المقاومة أن المقاومة قتلت وأعدمت مجموعة أربعين طفلا، قطعت رؤوسهم بالسكاكين ثم اتضح الكذب وشهد العالم على ذلك الإفك والافتراء ولكنهم كمجرمين متمرسين لم يكترثوا لقتل وإبادة ما يزيد على أكثر من ستة آلاف طفل منهم من قتل ومازال جنينا ومنهم من قتل وهو في مهده، ومنهم من داعب الأرض بإقدامه لكن المجرمين قتلوه بوحشية وإجرام منقطع النظير وبدم بارد وفكر مريض يستمتع بالنظر إلى الأشلاء والدماء كي ينتشي ويحقق أعلى درجات الافتخار والزهو صحيح أن نصوصا من التوراة التي يدعون أنهم يؤمنون بها كما في الإصحاح (25) -11- فإن جابتك للصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون للتسخير ويستعبدك، (12) فإن لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها (13) وأن دفعها الرب الملك إلى بدل فأضرب جميع ذكورها بحد السيف (14) أما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك وتأكل غنيمة أعداءك التي أعطاك الرب الهك (15) هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جداً التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا (16) وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب الهك نصيبا، فلا تستبق منها نسمة. فكان أن هذه النصوص التي يتذرعون بها لإبادة الشعب الفلسطيني وغيرها من الأمم قد تكون مرتبطة بالدين، لكن عندما يكون الإجرام تسويقا دينيا فإن المسألة تصبح محاطة بالقداسة والإيمان- وهو الأمر الذي يتماشى مع المشروع الإجرامي الصهيوني – الصليبي الجديد- الذي يريد السيطرة على مقدرات الثروة وتحطيم الأمم التي تحمل المشروع الإنساني والرسالي – لأنه يتناقض مع مخططاتهم وإجرامهم.
إن الإجرام الذي شاهده العالم ومازال يمارس تحت سمع ونظر المجتمع الدولي والإنسانية خير شاهد على منطلقات ذلك الحلف الإجرامي المسلط على رقاب أبناء الأمة العربية والإسلامية- ويستمد هذا الإجرام ممارساتة ووجوده من العوامل الداخلية والخارجية – وكما يقول المفكر المرحوم عبدالوهاب المسيري رحمة الله- (ان إسرائيل تستمد بقاءها واستمرارها من عاملين أساسين تخاذل عربي وإسلامي بلا حدود ورغم غربي بلا حدود. فالدول العربية والإسلامية معظمها أو الغالبية منها مسلوبة القرار، مسلوبة الإرادة تخضع سراً وجهراً للصهاينة ومن تحالف معهم إما عمالة أو خوفاً وذلاً وهوانا على أحسن الأحوال وأفضلها أخذا بالظن الحسن- ولم يخرج عن تلك الأنظمة سوى اليمن موقفا رسميا وشعبيا، وأيضا موقف الفعاليات السياسية وغيرها – رأينا كيف انقلبت الموازين وأصبح الدعاء والحديث عن نصرة المجاهدين في أرض عزة وفلسطين جريمة يُعاقب عليها في أرض الرسالة ومهبط الوحي، وكيف أصبح الذل- والانحراف شريعة تحتفى بالرقص والمجون على أشلاء الضحايا من الأطفال والنساء والعزل، وكأن الأمر لا يمت إلى الإسلام والإيمان والعروبة بصلة فقد تحولت الوجهة من نصرة إلى خدلان وإعانة للمجرمين، حتى أن شيوخ الفتنة والدجل والضلال كان لهم نصيب من تغليف الإجرام بلباس الدي،ن، فظهر الدجال محاولا فتنه المسلمين في عقائدهم ومواقفهم، ورأينا كيف أرسل الملوك والرؤساء والقادة تعازيهم للقتلة والمجرمين ولم يكتفوا بذلك فرادى بل عن اجتماع وتحت قبة الجامعة العربية التي أعطت صكوك الغفران للمجرمين وأدانت الضحايا المساكين متناسيين أن العالم يشهد على هذا الإجرام والوحشية والخساسة وقد تحرك في مظاهرات كبيرة تصل إلى الملايين في بلاد تعتبر هي الداعم الأساسي والحامية للمجرمين والمستفيدة من هذا الإجرام.
إن هذا الإجرام الوحشي والهمجي الذي يمارس على مدى السنين التي اغتصب فيه أرض فلسطين لم يستثن أي جرم الا وارتكبه، وقد شهد العالم على كل تلك الجرائم في القدس والضفة وغزة- وكل أرض فلسطين وفي جنوب لبنان وغيرها من أرض الكنانة فقد قتل الأسرى وأباد الأطفال والنساء والعزل- وها هي اليوم غزة تقف شامخة على رغم الجراج الذ ي نالها من هؤلاء القتلة والسفاحين، فلا دين يمنعهم من الاجرام بل يشجعهم كما سبق الإشارة في سفر التثبه الإصحاح (25) من التوراة، ولا قانون يلزمهم- وحتى الشرعية الدولية والإنسانية داسوا عليها بأقدامهم، وبالتالي فليس هناك لا شيء يوقف إجرامهم سوى الأخذ على أيديهم ومواجهة القوة المجرمة بالقوة العادلة المرتكزة على الإيمان والحرية والعدالة والمساواة- وهواهم ركائز المشروع التحرري للوصول إلى تطهير الأقصى من دنس اليهود- وأرض الحرمين من خونة الأمة العربية والإسلامية.
الصهاينة وانتهاك الشرعية الدولية
لم يترك شذاذ الأفاق أي وسيلة إجرامية لمواجهة الشعب الفلسطيني الا واستخدموها وللتذكير فقط نورد بعض الجرائم التي شهدها العالم ومازالت تمارس حتى اللحظة ودون وازع من ضمير أو خوف من مساءلة وعقاب، وكما يلي:
المباني والمدن والقرى هي أهداف غير عسكرية ولكن الصهاينة ومن تحالف معهم لا يفهمون ذلك، حيث تنص المادة (25) للائحة قوانين الحرب البرية المقرة في لاهاي 18 أكتوبر تشرين أول 1907م على أخطر مهاجمة أو قصف المدن والقرى والمساكن والمباني غير المحمية أيا كانت الوسيلة المستعملة. لقد دمر المجرمون عمائر وأبراج على ساكنيها و وسووها بالتراب، وحتى أن الضحايا لم يتم انتشال جثثهم من تحت الركام، في أسوأ حرب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية ولم ينكر عليهم احد ان المجرمين اعتبروا ذلك دفاعا عن النفس، ولم يسلم من إجرامهم لا مسجد ولا كنسية ولا مستشفى حتى المدارس التي وضعت كملاجئ يحتمي بها السكان بعد ان هربوا من بيوتهم تم تدميرها وتسويتها بالأرض وكأنها اهداف عسكرية، ومع ان اللائحة لا تسمح باستخدام الأسلحة المحرمة دوليا إلا أننا وجدنا المجرم الأكبر أمريكا تمد الصهاينة بالأسلحة، ومثل ذلك المجرم البريطاني يصل على متن طائرة مملؤة بالسلاح كدفعة أولية لمواصلة الإجرام والقتل، ومثل ذلك الفرنسي والألماني والإيطالي وغيرهم بأساليب رخيصة ومنحطة لا ترقي إلى مواقف الإنسانية والعدالة والقيم والمبادئ التي يدعون انهم يؤمنون بها ويدافعون عنها.
الإبادة الجماعية
لقد مارس الصهاينة الجدد ومن تحالف معهم من خونة العرب والمجرمين الداعمين لهم حرب إبادة جماعية ليس بحق غزة وحدها ولكن بحق شعب فلسطين وفي كل أرض يسيطر عليها العملاء والخونة، وهذه تعد مخالفة لكل القيم والمبادئ والأعراف – ومن ذلك اتفاقية منع الإبادة الجماعية السارية النفاذ منذ 12 كانون الثاني يناير 1951م التي جرمت الإبادة الجماعية يقضي القانون الدولي المادة (1) وعاقبت على كل فعل من شانه التدمير الجزئي أو الكلي لجماعة قومية أو أثنية او عنصرية أو دينية بصفتها المادة (2) فجرمت (أ) قتل أعضاء من الجماعة فهل احترم المجرمون ذلك لقد مارسوا الاغتيال والتصفية لكل الاحرار من أبناء فلسطيني سواء في داخل الأرض المحتلة أو خارجها، وذلك بمساعدة المجرمين من المتعاونين معهم حكومات ومؤسسات وغيرها، ولم يمنعهم ذلك أن كان البلد الذي سيمارسون فيه الإجرام صديقا أو عدوا.
(ب) الحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء الجماعة. عذبوا الأسرى وحرموهم من مقومات الحياة حتى أن الزنازن الانفرادية لا يستطيع يمكث فيها المسجون جالسا بل واقفاَ.
لقد وصل الإجرام بهم إلى اعتماد سجن مفتوح على طول الأماكن التي يتواجد فيها أهل الأرض سواء في غزة أو الضفة أو غيرها من المدن والبلدات الفلسطينية، وهو ما يتنافى مع الفقرة (ج) من المادة (2) من الاتفاقية: إخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا. ورأينا كيف يصرح المسؤولون الكبار ابتداء من رئيس الحكومة إلى وزير الدفاع إلى رؤوسا الطوائف الدينية – بضرورة إبادة جماعية – والتدمير الكلي لا الجزئي – وأن ذلك مباح لأنهم لا يعدون بشراً بل هم حيوانات وبهائم، ولأن الأطفال هم عماد الأمم وسيتحملون عبء البناء والنهوض، نجد الآلة الجماعية تحصدهم وجميع أفراد أسرهم.
صحيح أن الاتفاقية تعاقب جميع المسؤولين عن حرب الإبادة كما هو نص المادة (3) فتعاقب على (أ) الإبادة الجماعية (ب) التأمر على ارتكاب الإبادة الجماعية. (ج) التحريض المباشر والعلني، (د) المحاولة للارتكاب وأيضا (ه) الاشتراك مهما كانت صفتهم أو مكانتهم كما هو نص المادة (4) حكاماً دستوريين أو موظفين عامين أو أفرادا.
لكن هل ستسمع داعية الإرهاب والإجرام العالمي أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها من دول الإجرام والطغيان – أن ذلك لا يمكن، لكن المسألة ببساطة أن الحق يحتاج إلى يد تحميه وفكر يؤمن به ويسعى إليه أما الأمنيات العاجزة فلن تعيد حقا، ولن تؤدب مجرماً.
إن ما فعله المجاهدون الصابرون من أبناء فلسطين هو الأ نموذج الذي سار عليه أحرار العالم حتى أذلوا الطغيان وقضوا على المجرمين – فهل كانت أمريكا ستغادر فيتنام – بدون عزيمة وإصرار رجالها، على التحرر، وهل كانت بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا أو إيطاليا لتسحب جنودها من المستعمرات التي استولوا عليها واستعبدوا أهلها واستأثروا بخيراتها فلم تمنع تلك الأسلحة المتطورة ولا الجيوش الجرارة ولا غيرها إرادة التحرر من تحقيق مبتغاها لأنها تستمد أساسها من خالقها الذي أرشد عباده إلى بذل الأسباب (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) وأكد سبحانه على أنه “غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون”

قد يعجبك ايضا