من ميناء (قنا) الحضرمي الشهير على البحر العربي يمتد إلى غزة شريان تجاري يعد واحد من أهم الطرق التجارية في العالم القديم ، وهو ما أصطلح على تسميته ب (طريق اللبان) حيث يحمّل اللبان بالإضافة إلى بضائع الشرق وبهارات الهند على القوافل ، والذي يمر بحواضر الممالك اليمنية القديمة جميعها (شبوة ، تمنع ، مارب وقرناو) وعدد من المحطات الخدمية الفرعية الأخرى والتي ازدهرت من عائدات (العشور) أو الجمارك ، وما أشبه الليلة بالبارحة . لقد ارتبط البحر الأحمر ارتباطاً كبيراً بتاريخ وحضارة اليمن عبر العصور ، فالسبأيون وهم ساميون أقحاح هو أول من عبر (القلزم) إلى الساحل الأفريقي منذ فجر التاريخ وأقاموا هناك واحدة من أرقى حضارات العالم القديم هي حضارة (أكسوم) ، وهذا يفسر وجود جنس سام وحيد في القارة السوداء وهم (الأحباش) في وسط (حامي) طاغ – نسبة إلى (حام) الابن الآخر لسيدنا نوح ، بحسب تصنيفات علماء الأجناس والأعراق – ، وهذا بحد ذاته أبلغ رد على من يتشدقون اليوم تزامناً مع احتجاز السفينة الإسرائيلية (جالاكسي ليدر) بمعاداة السامية . كما عبره الينا الأحباش لاحقاً في (525م) بدعم من بيزنطة في صراع أختلط به الدين مع السباق للسيطرة على طرق التجارة الدولية – وحط تحت العبارة الأخيرة خط – . وهو أيضاً – البحر الأحمر – من تسبب باندثار حواضر اليمنية أعلاه بعد أن اكتشف (البطالمة) الطرق الملاحية عبره، فكانت بديلاً عن طرق القوافل البرية . هذا في التاريخ ، اما في الجغرافيا فيُطرح السؤال التالي : إذا لم تسخر الجغرافيا لخدمة سكانها ولنصرة الحق والعدل والسلام فما فائدة الجغرافيا إذن ؟؟ وهذا بالضبط ما فعله أنصار الله أمس لوقف العدوان الإسرائيلي الظالم على شعبنا في غزة . ومن لم يعجبه التاريخ والجغرافيا فليأتي لنتحدث عن قوانينهم الانتقائية ونبحث في السياسة : بأي قانون قامت بريطانيا – وهي مؤسسة القوانين البحرية الحالية – قبل أشهر فقط بقرصنة الناقلة النفطية الإيرانية في مضيق جبل طارق – المحتل – ؟؟ وبأي قانون لا تزال تحتل بريطانيا جزر (الفوكلاند) الأرجنتينية لأنها فقط تتحكم في مضيق (ماجلان)، رغم أن قناة (بنما) قد نسخت أهميته ؟؟ كما فعلت مثل فعلها بالضبط أمريكا ، وبأي قانون تأتي أمريكا من النصف الآخر للأرض لتنشئ أكبر قاعدة بحرية لها (دييجو جارسيا) لتتحكم بالملاحة في مضيق (ملقا) بين ماليزيا وإندونيسيا ؟؟ وبأي قوانين كانت أمريكا تتصارع مع روسيا طوال الحرب الباردة للسيطرة على طريق بحر الشمال والتي تتيح السيطرة على القطب الشمالي ؟ وتتصارع اليوم مع وريثته روسيا من جهة وأمريكا وأوكرانيا والناتو من جهة أخرى على مضيق (كيريش) ؟ وبأي قانون ودائماً أمريكا على شفا حرب كونية أخرى مع الصين للسيطرة على مضيق (تايوان) والطرق التجارية في بحر الصين الشرقي والجنوبي ؟ وبأي قانون يعج باب المندب بعشرات القواعد العسكرية الأجنبية ، حتى غدت دولة كـ (جيبوتي) تعتاش من ايجارات القواعد العسكرية ، لأمريكا ودول الغرب الأخرى وحتى اليابان والصين وانتهاء بالعدو الصهيوني نفسه ؟؟ والأهم بأي قانون يتواجد عناصر الموساد اليوم في جزيرة (سقطرى) اليمنية المحتلة والتي جلبتهم (إسبرطتهم) الصغيرة القوادة الإمارات ؟؟ بأي قانون ؟؟ رسائل أخرى مفرقة للداخل والإقليم والعالم : أيها الوطنيون القومجيون المحليون، أليس ما قام به أنصار الله هو نفسه مبادرة الشهيد الحمدي في أن تتولى دول هذا الممر بنفسها حراسته ؟؟ والتي دفع حياته ثمناً لها ؟.
العرب عموماً : ألم يتحوّل البحر الأحمر من بحيرة عربية إلى بحر تصارع وتهيمن عليه أمريكا والقوى الاستعمارية الأخرى وفي مقدمتها العدو الصهيوني ؟؟ الا يشكل عمل الأنصار الوطني العربي الإنساني والأخلاقي هذا فارقاً ؟ إلى الشقيقة مصر : ألا يصيب فعل الأنصار هذا أحلام إسرائيل في إقامة قناة مائية أخرى على القرن الشرقي للبحر الأحمر مما سيصيب قناة السويس في مقتل ، وبالتالي خنق مصر من ثاني مصادر قوتها بعد أن خُنقت مائياً بسد النهضة ؟ أليس هذا الفعل هو نفسه ما فعلته اليمن مع مصر في الحرب الأخيرة مع إسرائيل ، بأن أغلق الأولى باب المندب والثانية قناة السويس ؟؟ ما الذي تغيّر إذن؟؟ وعالمياً : لن يحافظ على سلامة طرق الملاحة الدولية غير أهلها – الدول المطلة عليها – كما فعلت عبر العصور ، وليس القوى الخارجية المتصارعة والتي ستسخر هيمنتها لمصالحها فقط وتحرم منها غيرها ، كما حصل مع المضائق التركية (البوسفور والدردنيل) ابان الحرب العالمية الأولى وظلت تصيغ المعاهدات التي تكفل مصالحها الأنانية فقط ثم تعدلها بما يتناسب مع تغير موازين القوى انتهاء بإتفاقية (مونترو) . فإذا أردتم سلامة طرق الملاحة الدولية فعليكم جعل هذه الممرات خالية من القواعد العسكرية الأجنبية ، كما عليكم العمل على دعم تحقيق جهود السلام العادل في هذه المنطقة الحيوية وغيرها . لقد أدرك الأنصار أهمية هذه الورقة الحساسة وفهموا بذكائهم الفطري أهميتها الجيوسياسية بينما لم ير فيها الرئيس السابق سوى فرصة لتهريب الخمور !! بينما سخرها الأنصار لانتزاع الحقوق ولتحقيق السلام العادل ، وقد كانت بين أعينهم طوال 8 سنوات من العدوان الغاشم على اليمن لكنهم لم يفعلوها إلا الآن لنصرة شعبنا الفلسطيني وقضاياه ولوقف حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة ، وهنا يكمن نبل وسمو هؤلاء القوم . وأخيراً لقد أرست إيران بدهائها الفارسي المعروف قبلنا هذه القاعدة يوم قررت أمريكا تصفير صادراتها النفطية ، فوقفت وقالت بالفم المليان : أما يصدر الجميع نفطهم كلهم أو يتوقف الجميع عن التصدير وهددت بإغلاق مضيق هرمز الحيوي مما يهدد بحرمان العالم كله من مصادر الطاقة . نحن اليوم في اليوم في اليمن نقول كما قالت إيران : إما سلام لكل شعوب المنطقة أو لا سلام ولا طرق آمنة , ولم نقل حتى للجميع، بل قلنا فقط لا أمان لسفن العدو الإسرائيلي المعتدي وقد حدده الأنصار بذكاء بفترة زمنية محددة وهي وقف العدوان على غزة ، فأين الغلط في هذا ؟؟ أما إذا واصل الصهاينة غطرستهم فسوف يتكرر النداء التالي : تحتكم الماء وفوقكم الرجال ينزلون من السماء ولن تمروا ولو على رقابنا !! سلام ..
*العنوان مقتبس حرفياً من اسم كتاب لمؤلف يوناني مجهول من القرن الميلادي الأول ، يتحدث عن أسرار الملاحة في البحر الأحمر أو الإرتري كما سماه .