صنعاء يا قلب العروبة وعنوانها

طه العامري

 

 

برغم قتامة الليل العربي الملبد بغيوم الخيانة وسحب الذل والانكسار، ورغم هذا الهوان الإسلامي المسكون بكل مفردات الضعف والتردد والحسرة، تنهض صنعاء كطائر الفينيق من بين أنقاض العدوان، لتصدح بصوت عروبتها رافضة عدوان البرابرة على أبناء جلدتها في فلسطين، معلنةً لكل العالم أن زمن الارتهان الكلي لن يكون ولن يأتي لأرض السعيدة التي ستظل دوحة الرسالة المحمدية وقلب العروبة وعنوانها، صنعاء التي تتماهى مع شجرة الزيتون حين تقاوم التطلع بالتجذر، لم تقف مكتوفة الأيادي وهي ترى عربدة الصهاينة تعبث بجثث أطفال ونساء وشيوخ فلسطين وقطاع غزة، وفي تأصيل مبدئي وتأكيد انتمائها لمحور المقاومة وبدافع من إيمانها وإيمان قيادتها، وفي المقدمة سيدها وقائدها المجاهد سماحة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، هذا الرجل الذي قيضه الله سبحانه وتعالى كي يوقد شعلة الكرامة في ليل العروبة المظلم، وينير بمواقفه الثابتة والراسخة سماء أمة الإسلام بأنوار العزة والانتصار رافضا مبدأ الاستكانة والخنوع متجاهلا غطرسة أعداء الأمة وأعداء وجودها، معلنا اصطفافه إلى جانب مقاومة أهل الحق ضد أهل الباطل أينما كانوا وكيفما كانوا وكانت قوتهم وقدراتهم، غير مكترث بتهديداتهم متجاهلا تحذيراتهم، مؤمنا أنه لنصرة الحق بعثه الله ولهدم أوكار الباطل سخره.
نعم ليقال ما يقال عن ( أنصار الله)، فقد أثبتت مواقفهم في ملحمة الأمة أنهم أصحاب مواقف عربية وإسلامية مبدئية ثابتة، مواقف لا تخضع لجدلية الربح والخسارة ولا تخضع للحسابات الضيقة أو لقوانين المرحلة، ولذا سجلوا وعلى رؤوس الأشهاد وبكل ثقة واقتدار موقفا عجزت عن الإتيان بمثله دول وأنظمة وجيوش تمتلك من القدرات والعدة والعتاد ما يفوق ربما بمئات المرات قدرات أنصار الله وسلطة صنعاء، لكنهم للأسف لا يمتلكون إرادة وقيم وأخلاقيات وإيمان أنصار الله الذين اصطفوا إلى جانب أشقائهم في فلسطين بمشاعرهم وإعلامهم وإمكانياتهم المادية والمعنوية وبصواريخهم الباليستية وطائراتهم المسيرة التي تضرب العمق الصهيوني المحتل للمرة السادسة، وهم على جاهزية لمواصلة هذا الالتحام بالمعركة، مؤمنين بأن معركة طوفان الأقصى ليست معركة الشعب العربي في فلسطين بل هي معركة كل العرب وكل المسلمين وكل الأحرار الرافضين للغطرسة الصهيونية الأمريكية الإمبريالية بدوافعها الاستعمارية البغيضة.
صنعاء بقيادة الأنصار لم تستحدث هذا الموقف ولم تأت بجديد فيه، بل هو فعل وموقف  طبيعي يفترض أن يقوم به ويأتي بمثله كل عربي وكل مسلم، باعتبار هذا الموقف تجسيدا طبيعيا لوحدة الهوية والانتماء ووحدة العقيدة الإسلامية التي يختزلها رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، بقوله (  مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى)  صدق رسول الله.
وهو تجسيد لوحدة الهوية العربية ووحدة الجغرافية والمصير، وأن العدو الذي يرتكب المجازر في فلسطين منذ 75 عاما وليس منذ 7 أكتوبر إنما هو عدو كل الأمة من محيطها إلى خليجها، وما هذه الاستكانة والذل التي تعيش بهما أمة العرب إنما هي جزء من السلاح الصهيوني الأمريكي الذي عمل على مدى عقود لتدجين الوعي واستلاب الارادة ومصادرة الكرامة والسيادة عن دول وأنظمة غدت أسيرة الارتهان ومكبلة بأغلال الذل وبثقافة الاستسلام.
نعم.. نحني هاماتنا لسلطة صنعاء وللإخوة في قيادة أنصار الله الذين يكرسون ميدانيا حقيقة انتمائهم العربي ويكرسون هويتهم الإيمانية متحدين كل الحواجز والحدود المصطنعة، غير مكترثين أو آبهين بكل التهديدات الإمبريالية والاستعمارية، ومن ذا الذي لديه ذرة من كرامة ونخوة وإنسانية يمكنه أن يرى ما يجري في فلسطين وقطاع غزة من جرائم وحشية وحرب إبادة.. ويصمت..؟!
فما بالكم إن كان المشاهد عربيا تجري في عروقه دماء العروبة وتتشكل قناعته الفكرية والثقافية بقيم واخلاقيات الإسلام، وفي اليمن هناك فائض من قيم العروبة والإسلام، لدرجة أن معركة فلسطين غدت معركتهم وعلى أنفسهم آلوا أن لن يبقوا مكتوفي الأيادي أو متفرجين كالبقية لما يجري في فلسطين مثل البقية الذين فقدوا كل صلة بالعروبة والاسلام وأصبحوا مجرد بيادق بيد الصهاينة والأمريكان وحولوا أوطانهم إلى ( كازينوهات وبارات وأسواق استهلاكية)  ومنتجعات ترفيهية وسياحية نزولا عند رغبة أعداء الأمة الذين يشيدون بكل خطوة  نحو الانحطاط يقدم عليها هذا النظام العربي أو ذاك..؟!
في هذا الزمن، زمن الارتهان والانكسار والتبعية للأعداء، تعلن صنعاء موقفها العروبي والاسلامي وتعبر عن انحيازها المطلق لجانب المستضعفين في الأرض وفي المقدمة أبناء فلسطين الذين يدفعون اليوم ثمن خيانة النظام العربي المرتهن.. إن صنعاء بقيادة الأنصار تعكس بمواقفها القومية والعروبية قناعات وإرادة الشعب اليمني الذي يرتبط بعلاقة وجدانية مع فلسطين الثورة والقضية منذ سنوات موغلة، غير أن الجديد في ابتكار الأنصار هو هذا الدعم والاسناد ببعده العسكري المتمثل بالصواريخ والمسيرات، وكأن لسان حال الأنصار يقول “لقد أغلقتم الحدود أمامنا ومنعتمونا من المشاركة الميدانية، فلا ضير إذاً فلدينا طرق أخرى تمكننا من المشاركة وبوسائل أكثر إيلاما وفعالية،” وسائل أكثر نجاعة وأكثر قدرة على إيلام العدو وردعه بغض النظر عما يسوقه أبواق المتخاذلين وتندرهم، الذين يفترض أن يتندروا على أنفسهم وعلى مواقف أسيادهم المخزية التي تكشف عن حالة انحطاط في الوعي والتفكير والسلوك، وأقصد بهؤلاء أولئك الذين يشككون بمواقف صنعاء وأنصارها المناصرين لقضايا الأمة المساهمين بمعركة تحرير الأمة من رجس الاستعمار الصهيوني والهيمنة الأمريكية وتخاذل المنبطحين الذي يرون أن (قوة الأمة بضعفها)  وأن انتصارها بتحقيق الرفاهية وإنشاء المزيد من المدن السياحية.
تحية إجلال وتقدير لقيادة الأنصار ولسيدهم المجاهد عبد الملك بدر الدين الحوثي الذي يرفع بيارق المجد في زمن الانكسار ويوقد شعلة الكرامة في ليل العرب المظلم..
والتحية والإجلال لجيشنا اليمني الحر والبطل ولقواتنا الصاروخية التي أربكت حسابات الصديق قبل العدو، وذعر منها العدو واستهان بها البعض ولكن غدا سيدرك الذين كفروا أي منقلب ينقلبون.

قد يعجبك ايضا