معمرون من أبناء ريمة يؤكدون لـ«الثورة »: الاحتفاء بالمولد النبوي إرث تاريخي نتوارثه جيلاً بعد جيل وليس وليد اللحظة

يمتاز أهل اليمن بأنهم الأكثر تمجيدا وتعزيراً ليوم مولد النبي الأكرم محمد، وأنهم الأصدق ولاء والأسرع نصرةً له صلى الله عليه وآله منذ فجر التاريخ الإسلامي، وهي حفاوة تزداد زخما بما لها من امتداد تاريخي، وما تحتوي عليه المناسبة من نكهات تعبيرية ذات روحانية نقشت في قصائد محمدية ومدائح نبوية يتوارثها الأجيال.. فيها تجديد للعهد بنصرة الدين وإعلاء كلمة الله والسير وفق نهج رباني من فضائله أنه جاء هدى للناس ورحمة للعالمين.
من هنا، من على سفوح جبال ريمة المعانقة للسماء فوق السحاب، تتجسد الدلالة القطعية أن ترابط وتماسك اليمنيين برسولهم ونصرتهم للإسلام ورسالته ليس وليد اللحظة، ولا صنيعة فترة زمنية معينة بقدر ما هو تراث شعبي يمني يتوارثه الأجيال جيلا بعد جيل.

الثورة- ريمة – يحيى الربيعي

الاحتفاء بمولد المصطفى صلى الله عليه وآله في ريمة يختلف من منطقة لآخر، ليس في المضمون، وإنما فيما تشتمل عليه الاحتفالات من نسبية في زمنية طقوس قراءة القرآن الكريم، وترديد المدائح والأناشيد النبوية، والمقامات التي تتناول حياة وسيرة النبي محمد صلى الله عليه وأله، بالإضافة إلى الأنشطة الخيرية والإحسان، مثل تقديم الطعام للفقراء والمحتاجين.
مولده صلى الله عليه وآله، من خلال ما اطلعنا عليه خلال مشاركتنا في مقامات احتفالية شهدتها مديريات محافظة ريمة الأبية، يمثل لأبناء هذه المحافظة ذكرى عطرة في التراث اليمني، فهي فرصة للتأمل وقراءة القرآن ورفع الأيدي بالأدعية وأداء الأعمال الصالحة والإكثار من الصدقات، فرصة لتجديد حبنا وتقديرنا للنبي محمد صلى الله عليه وآله، وللتعبير عن انتمائنا للإسلام وللمبادئ والقيم التي جاء بها.
«الثورة» شاركت أبناء هذه المحافظة، وفي عدد من مديرياتها الست، وخلال تلك المشاركة، كان لنا شرف الجلوس إلى عدد من كبار السن، والذين أكدوا أن الاحتفال بالمولد النبوي ليس وليد اللحظة وإنما إرث تاريخي وديني تتوارثه الأجيال:
والبداية كانت مع الوالد (مستور محمد البدجي 80 عاما من بني الضبييي)، والذي أكد أن الاحتفال بذكرى ولادته صلى الله عليه وآله في الثاني عشر من شهر ربيع الأول الهجري، مناسبة لاستذكار سيرته صلى الله عليه وآله، وما شملت عليه من آيات ومعجزات، فهي مناسبة لا تقل أهمية عن عيدي الفطر والأضحى نتفقد فيها أحوال المساكين والفقراء ونوزيع الطعام والهدايا على المحتاجين والأصدقاء والأحبة وزيارة الأرحام والتواصل الاجتماعي.
هكذا وجدنا مشاعر أولئك الطيبين في هذه المحافظة الباسلة أمثال الوالد. تماما، كما هي قلوبهم، عامرة بابتهالات «طلع البدر علينا من ثنايا الوداع»، وجدنا جدران منازلهم ترتدي الحُلة الخضراء تعبيرا عن الابتهاج والسرور بمولد أضاء له الكون وأزهرت له رياحين الأرض.
صلى الإله
هنا، ومن بين مروج خضراء نبتت على جبال اعتلت في علوها فوق السحاب، تأكد لنا أن الاحتفال بهذه المناسبة العظيمة قائم من عمق التاريخ، منذ القدم؛ على مستوى المساجد والموالد والمقامات في الدواوين والتجمعات القروية. وكما في ساحات مكتظة بزخم جماهيري كبير يليق بعظمة المناسبة، كذلك هي قرى جبال ريمة تترنم بـ:
صلى الإله على أحمد خير الورى محمد
من أنزلت عليه طه والكهف والنور
صلى الإله على أحمد خير الورى محمد
بالله يا رفيقي لا تترك الرحيق، شربة العقيق
صلى الإله وسلم على النبي المكرم
وبذات الترنيمات استقبلنا الحاج محمد يحيى الكريمي (95) سنة، في بني عبد الكريم، بلاد الطعام، وهو يكلمنا عن عادات تقاليد كانت ولا زالت متبعة في الاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه وآله أفضل الصلاة والتسليم، مؤكدا «من حين عرفت نفسي، وعمري يتجاوز الـ (90 عاما)، ومنذ بدأت طفولتي، ولم أعلم أننا تركنا الاحتفاء بهذه المناسبة العظيمة على نفوسنا؛ يعني: هاذك الأيام، كان أهل القرية يجتمعوا في إما في بيت الشيخ أو في بيت الأمين أو المأمون الذي ضمن القرية والعزلة، وعندما يجتمعون ينشدون ويقرأون القرآن ويتذكرون سيرة أيام الرسول. ويطوف البعض بمباخر البخور والند والعود.
وأضاف «كنا ولا زلنا نردد الدعاء الذي يدعو به الفقهاء، وننشد مع المنشدين الصلوات على النبي وآله، ونردد مدائح في سهرات ليلية تستمر لأيام وأسابيع متتالية».
متابعا «الأرحام والضعفاء والمساكين يعطون في هذه المناسبة من الصلة والإعانة وتخفيف المعاناة كما يحصل في الأعياد، كان الميسورين يذبحون الذبائح، ويوزعون لحومها على الأقارب والارحام والضعفاء والمساكين. وكذلك كان الناس يستسقون بتوزيع الذبائح؛ أبناء العزلة يشترون ثوراً أو اثنين ويذبحونهما في السائلة، وما يتموا وقبل ما يوصل الناس ما يروحوا البيت الا والمطر يدي (ينزل) وكانت الدنيا في نعمة. البذور (محاصيل الحبوب) كان عندنا في الوادي هذا. لو قلت لك من فوق عشرين إلى ثلاثين (بذور) مختلفة بأنواعها ما تصدق. كان عندنا الذرة البيضاء، والمكي، والقب والغنم والرومي والحجينة»..
شرف تهليل
أما الوالد (عبد الله محمد علي احمد المرواح 78عاما)، فيقول: «في ليلة مولد الرسول صلى الله عليه وتحديدا ليلة 12 ربيع الأول من كل عام. نجتمع في ديوان ونعمل شرف تهليل ونقيم المولد بالمدايح، وذكرة الله والصلاة على النبي طول الليل، وكل واحد بقدر ما يستطيع يتصدق على المساكين والضعفاء والأرامل.
ويتابع «وفي هذا اليوم الكريم، نستذكر سيرة الرسول صلى الله عليه وآله، ونسمر نردد المدايح ونقرأ القرآن ومما كنا ولا زلنا ننشده:اللهم صل علي محمد، اللهم صل عليه وآله بالله يا حمامة نوحي على البشارة.
والقلب زاد غرامه
وفي حب النبي مفتون.
صلى الإله وسلم على النبي المكرم.
أن شئتم النجم فأكثروا الصلاة، وأخلصوا النيات اللهم صلي وسلم عليه وعلى آله”
وأضاف “هكذا نحتفل كل عام بالمولد النبوي، وكان المذهب الوهابي حاول خلال العشرين السنة الماضية تبديع الاحتفاء المولد، وتحريم زيارات الأولياء؛ يعني: يقول لك هذه كلها بدع، هذه كلها ما بش لها أساس ما بش لها. لكن نحن وحتى الآن لا زلنا نقيم المولد في كل سنة، نحتفل به حتى ولو في بيوتنا”.
وسألنا الوالد (حميد علي حسن ، 75 عاما) وهو أحد مواطني مركز مديرية بلاد الطعام: في أيامكم، أيام زمان. كيف كنتم تحتفلون بالمولد؟ وكانت إجابته: كنا نحتفل بالمولد على مدى أسبوع، أسبوعين، شهر، نحتفل به ونحتفل بجمعة، كنا طول الليل نذكر الله ونصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي هذا الموعد معنا فقهاء من الجبل يقيمون المولد،.
وقال: “حد علمي، أننا لم نقطع الاحتفال بالمولود وقت الإمام أحمد رحمه الله، من ذلك الوقت وإلى الآن ونحن نحيي شعائر المولد كل عام”.
وأضاف: “حاولت من ذاك اليوم السعودية وإلى اليوم وهي تحاربنا. وأدت لنا الوهابيين وأعلنت بهم الحرب على المولد وزيارات الأولياء، ولكن الله رد كيدها في نحرها، ولم يتوقف المولد.. أنا أتكلم عن منطقتنا هذه، لم يتوقف المولد منذ عرفت نفسي، ونحن نحتفل بمولد الرسول صلى الله عليه وأله”.
وقال «مناسبة عظيمة نحتفل فيها بالنبي ونذكر فيها سيرته والمعجزات. نقيم فيها الموالد النبوية بقوالب إنشادية متنوعة ومحفزة بما تحويه من روائع من الابتهالات إلى الله بـ:
«اللهم صل على محمد اللهم صل عليه واله.
اللهم صل على محمد، يا رب صل عليه وآله
يا رب صل عليه محمد وارزقنا منه شهادة
يا رب صل عليه وآله واجرنا من عذابك
يا رب صل عليه وآله واجرنا من نيرانك
يا رب صل عليه وآله ووفقنا نزوره
اللهم يا رب نورنا بنوره، يا رب صل عليه وآله».
عادت فرحتنا
وفي الجامع الكبير بمديرية الجبين، التقينا بقيم الجامع الوالد (أحمد الهتار 80 عاما)، وطلبنا منه أن يحكي لنا عن الاحتفالات بالمولد النبوي أيام زمان، فكان أن قال: نحتفل بالمولد وبعدها حلقات الكتاب أدوار، وكلما تمر صفحتين يصلون على النبي وأله. وكذلك نفعل في ذكرى الإسراء والمعراج، وفي جمعة رجب، وفي الشعبانية.
كنا نقيم مع الناس زمان، ومستمرين لم ننقطع؛ الفقيه كان، وما يزال يحكم الديوان ما أحد يقول له ما لك، يدير الديوان بالذكر، والناس تردد خلفه (صلى الله على أحمد خير الورى محمد، من أنزلت عليه طه والكهف والنور… إلخ القصائد والمدائح المحمدية).
والناس يوزعون الصدقات على المساكين، تماما كما في كل مناسبات؛ في ليلة المولد، في الشعبانية، في جمعة رجب، في الإسراء والمعراج، في العيدين.واليوم، زادت عادت فرحتنا بالنبي إلى سابق عهدها واختفت مضايقات الوهابية وإلى الأبد، بفضل ما وهبنا الله من نعمة القيادة الحكيمة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، نسأل الله أن يحفظه من يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، وأن يبارك في خطواته.