يورانيوم النيجر يجعل فرنسا المنتج الرئيسي للطاقة في أوروبا

الفقر في النيجر.. والأثرياء في باريس

 

 

لماذا على أبناء النيجر أن يموتوا لتربح فرنسا؟
نهب اليورانيوم من شمال النيجر بدأ منذ أكثر من40 سنة وجاء بمبرر “عملية إنقاذ اقتصادي” و“مساعدة فرنسية” لشعب فقير
المواد المشعة تسببت بمشاكل التنفس والسرطان لتجعل معدلات الموت المرتبطة بمشاكل التنفس في المناطق القريبة من المناجم هي ضعف المعدلات المسجلة في باقي أنحاء البلد
دولة عاصمة الأنوار لا تكتفي بيورانيوم النيجر بل تضع يدها على الذهب في مالي والنفط في السنغال وفي الكونغو معدن الكولتان النفيس
واشنطن غير راضية عن تغيير السلطة في النيجر وتناقش أجهزة الاستخبارات الأمريكية تنفيذ عمليات اغتيال لقيادات النيجر الجديدة

أصبح لا يخفى على أحد اليوم الأيادي الفرنسية والغربية الممتدة لنهب الثروات في أفريقيا حيث يكفي أن نتذكر بالأرقام أن 80٪ من كل ما يتم استخراجه من الموارد والثروات المعدنية في أفريقيا يتم تصديره إلى قارات أخرى، وأكثر من ثلاثة أرباع عمليات تعدين الذهب في العالم، تتم في القارة الأفريقية ويتم استخراج أقل من ثلاثين بالمائة فقط من الماس في العالم خارج القارة الأفريقية، ويتم استخراج أكثر من نصف المنغنيز والكروميت وخام الكوبالت في العالم في أفريقيا، ويتم استخراج ثلث الفوسفاط واليورانيوم في العالم من داخل القارة، ولائحة موارد القارة غنية وطويلة لكن اختصارا للمسافة اسألوا فرنسا عن سبب فقر قارة، تنتهي ثرواتها في باريس، ويبدأ فقرها أمام عدسات وسائل الإعلام الفرنسية، وخطب الساسة الفرنسيين وهم يدعون العالم لمساعدة أفريقيا ومن هذه الدول الافريقية النيجر التي نسلط الضوء عليها في السطور القادمة… 

الثورة  / احمد السعيدي

الحداد:
النيجر دولة ليس لها منفذ على البحر، وهي الدولة التي تتوفر على مؤشر التنمية البشرية الأكثر انخفاضا في العالم، وهي دولة فقيرة، ذات أرقام بطالة جد مرتفعة، مستويات تعليم جد متدنية، أرقام مخيفة في ما يتعلق بالأمية والجهل، بنيات تحتية شبه منعدمة… وبحالة عدم استقرار سياسي شبه دائمة، لكنها دولة غنية بالثروات الطبيعية، من بينها “اليورانيوم” الذي استحوذت عليه شركة AREVA) ) الفرنسية  حيث بدأت نشاطها في التنقيب واستخراج اليورانيوم من شمال النيجر، منذ أكثر من 40 سنة مضت، مقدمة عملها هذا كــ “عملية إنقاذ اقتصادي” و“مساعدة فرنسية” لشعب فقير غير أن نشاطات الشركة الفرنسية ستكون فقط، آلة تدمير حقيقية للبلد وضعت فرنسا من خلاله “نظام رعب” قوي في أفريقيا، وأسست لاستمراره عسكريا، من خلال “اتفاقيات” فرضتها على مستعمراتها السابقة، واقتصاديا من خلال ربطها بعملة استعمارية تدر المليارات سنويا على الخزانة الفرنسية، وأيضا من خلال فرض فرنسية التعليم وصنع نخبة أفريقية مرتبطة بفرنسا لترسم حكاية استعمار لم ينته، من خلال الوقوف عند بعض عناوين المصالح الفرنسية في القارة، المصالح الفرنسية في أفريقيا، متعددة ومتنوعة، مصالح تتعلق في مجملها باستغلال الثروات الطبيعية لدول القارة ومن هذه الثروات اليورانيوم كما في السطور القادمة.
اليورانيوم
استغلال اليورانيوم في النيجر، ينير مصباحا من أصل كل 3 مصابيح في فرنسا، بينما في النيجر 80 بالمائة من السكان، لا يتوفرون على الإنارة الكهربائية، بل أصبحت فرنسا اليوم بسبب هذا اليورانيوم المنهوب هي الدولة الرائدة في مجال استخدام الطاقة النووية لأغراض غير حربية، وشركتها العملاقة  (Areva)، هي بدورها الشركة الرائدة في مجال الطاقة النووية وهي الوحيدة الحاضرة في كل النشاطات الصناعية المرتبطة بالطاقة النووية لكن وهذا الأهم في الحكاية أن إنتاج الطاقة النووية، يتطلب نشاطا من نوع آخر، يتطلب عملية تنقيب واستخراج لليورانيوم، عملية تكون نتائجها، “على عكس مسمى الاستخدام السلمي للطاقة النووية”، مدمرة وقاتلة واستخراج اليورانيوم له نتائج قاتلة وكارثية على السكان المقيمين بجوار المناجم ونتائج كارثية على البيئة تدوم لآلاف السنين، وهذا بالضبط ما يحدث في النيجر، بحسب تقارير ودراسات لعدد من المنظمات، على رأسها “غرينبيس”.
اضرار بيئية
عمليات التفجير والألغام وطرق استخراج اليورانيوم، ستحول سماء البلد إلى سحب مكثفة من الغبار، وستحول الأرض إلى مفرغ نفايات حقيقي، إزاحة ملايين الأطنان من التربة والصخور أثر بشكل مقلق على مصادر المياه الجوفية كما تزايد الخوف من عدم الاهتمام بطرق استخراج اليورانيوم، وإمكانية تسبب ذلك في انتشار مواد مشعة في الجو، والتسرب إلى المياه الجوفية، وثلوث التربة إضافة إلى الأمراض القاتلة التي يمكن أن تلحق بالبشر، حسب بعض المعطيات، فإن المشاكل الصحية المرتبطة بمشاكل التنفس والسرطان في تزايد مستمر، كما أن معدلات الموت المرتبطة بمشاكل التنفس في المناطق القريبة من المناجم، هي ضعف المعدلات المسجلة بباقي أنحاء البلد، لكن شركة ((AREVA) لا تعتبر نفسها مسؤولة ولو جزئيا عن كل ذلك بل إن عددا من المستشفيات المحلية الخاضعة لإدارة (AREVA) واجهت دائما اتهامات بعدم تشخيص العديد من حالات السرطان. لكن في نوفمبر 2009 مثلا، استطاعت منظمة “غرينبيس” بالتعاون مع المختبر الفرنسي النيجري CRIIRAD) ) وشبكة المنظمات غير الحكومية (ROTAB)، إنجاز رصد علمي موجز لمنطقة المناجم، وقياس حجم الإشعاعات في المياه، في الهواء وفي التربة، فكانت النتائج كارثية خلال 40 سنة من نشاط AREVA))، تم استخدام أكثر من 270 مليار لتر من المياه في المناجم مع تلويث المياه وإفقار المياه الجوفية سيكون على النيجر، حسب ذات المعطيات انتظار ملايين السنوات، للعمل على إعادة الأمور إلى حالتها الطبيعية، منظمة “غرينبيس” قامت بتحليل المياه في مناطق مناجم استخراج اليورانيوم، لتخلص إلى أن تركيز اليورانيوم في هذه المياه، هو أعلى بكثير من المعدل الذي تعتمده منظمة الصحة العالمية، الأرقام المخيفة لا تقف عند حدود المياه، بل تتعداها لتشمل أرقاما أكثر بشاعة، تتعلق بانتشار غاز الرادون المشع في الجو، وانتشار الغبار الناعم وغيرها من المعطيات والأرقام التي تضمنها تقرير مفصل لـ “غرينبيس”.
فرنسا المستفيد
بعيدا عن أرقام الكارثة البيئية لاستخراج اليورانيوم نعود قليلا لـ (AREVA) الشركة العملاقة التي تمتلكها فرنسا، والتي يوجد مقرها في الحي الشهير La Défense))، النيجر هي ببساطة رابع دولة منتجة لليورانيوم في العالم لكنها من أفقر شعوب الكرة الأرضية وهذا يعني فقط أن عائدات اليورانيوم في النيجر لا تذهب إلى النيجر بل تقف في باريس، يورانيوم النيجر يخلق في النيجر ثلوتَ الهواء والماء والأرض لكنه أيضا يوفر الطاقة لأكثر من 50 بالمائة من الشعب الفرنسي طبعا، يورانيوم النيجر يجعل من فرنسا المنتج الرئيسي للطاقة في أوربا، بـ 17.1 بالمائة من مجموع الإنتاج في الاتحاد الأوربي، متقدمة على كل من ألمانيا (15.3 بالمائة) وبريطانيا (13.9 بالمائة)، الشركة الفرنسية Areva))، لديها ميزانية سنوية تقدر بــ 9.3 مليار أورو، (Areva) وبحسب العقود الاستعمارية التي تربطها بالنيجر، تؤدي مبلغ 65 دولاراً للكيلوغرام الواحد من اليورانيوم، مقابل الثمن الحقيقي للسوق، الذي يتجاوز عتبة الــ 140 دولاراً للكيلوغرام بحسب ذات العقود، هناك بند وضعته فرنسا، يقضي بعدم أدائها لأية رسوم ما يعني أن أكثر من 82 مليون أورو لا تصل إلى خزائن النيجر، وزير المناجم في النيجر “عمر حميدو”، قال ذات يوم: خلال 40 سنة استغلت فرنسا النيجر دون أن تشيد ولو مدرسة على الأقل ولو مستشفى”.
ثروات أفريقيا المنهوبة
دولة عاصمة الأنوار لا تكتفي بيورانيوم النيجر فهي تضع يدها على الذهب في مالي والنفط في السنغال، النفط الذي تسيطر عليه الشركات الفرنسية العملاقة (من Bolloré إلى Total ) عبر خارطة شاسعة تشمل أيضا دول غرب وجنوب أفريقيا من أوغندا إلى كينيا، ومن أنغولا إلى موزمبيق إلى جنوب أفريقيا، وتضع يدها أيضاً في الكونغو على معدن الكولتان النفيس الذي يعتبر “روح” جميع التكنولوجيات المتطورة اليوم لكن آلاف النساء والأطفال والرجال الذين يشتغلون في ظروف غير إنسانية من أجل استخراج كل هذه المعادن لفرنسا، هم فقراء كما دولهم، هي فقط بعض حكاية نفاق تاريخي يرفع يد الإحسان والمساعدة أمام الكاميرات، ويضع يده على ثروات قارة وأمام كل هذه الفضائح هل يتغير الأمر اليوم؟
بداية الغيث 
رغم تلك السنين الطويلة من الاستعمار ونهب الثروات للدول الافريقية بدأت صحوة الضمير عند المجتمعات الافريقية للتخلص من المستعمرين وانطلقت شرارة الثورات في النيجر عبر انقلاب عسكري على السلطة التابعة للمستعمر الفرنسي والتف الشعب حولها وطالب بخروج الاستعمار الفرنسي وطرد السفير، إلا أن ذلك الانقلاب العسكري لم يكن مرحباً به عند امريكا وفرنسا خوفاً على المصالح التي تحققها في أرض النيجر والاستمتاع بثرواته المنهوبة، حيث كشف جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي بأن واشنطن غير راضية عن تغيير السلطة في النيجر، فيما تناقش أجهزة الاستخبارات الأمريكية احتمال تنفيذ عمليات اغتيال لقيادات النيجر الجديدة، وقال بيان للمكتب الصحفي لجهاز الاستخبارات الروسي ”يعمل البيت الأبيض الآن على خيارات مختلفة لـ (تعزيز الديمقراطية) في النيجر، ويرى أنه من غير المناسب القيام بذلك من خلال دول غرب أفريقيا (الإيكواس)، المرتبطة بعلاقات وثيقة بباريس، ويرى الأمريكيون أن التصفية الجسدية لـ (قادة الانقلاب) الذين يستندون إلى دعم أغلبية السكان هو الخيار الأكثر (فعالية)”، تصرفت الاستخبارات المركزية الأمريكية بوحشية وتحد حتى أن الرئيس الأمريكي ليندون جونسيون وصفها بـ (شركة القتل اللعينة)”.
وأشارت الاستخبارات الخارجية الروسية إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية غير راضية عن الوضع في النيجر، وتفكر واشنطن “ليس فقط في كيفية إبطاء الاتجاه المتمثل في تحويل أفريقيا إلى أحد مراكز القوة في عالم متعدد الأقطاب، وهو أمر خطير بالنسبة للغرب، ولكن أيضا في الاستيلاء على (الميراث) الفرنسي في منطقة الساحل ذات الأهمية الاستراتيجية”.

قد يعجبك ايضا