
التعليم المهني في اليمن يشبه الكثير من المسائل التنموية الأخرى في اليمن عنوان أجوف لمشاريع غير مكتملة. إذ يستطيع عنوان في جريدة التحدث عن توسع عدد المراكز المهنية والتقنية من 6 معاهد عام 1991 إلى 79 مركزاٍ في عام 2009م مع ذلك فالمخرجات التعليمية ربما اليوم أسوأ. فمن ناحية اهملت الوزارة خلال العقدين الأخيرين تطوير المناهج التعليمية. قدمت الحكومة اليابانية مساعدة من أجل تطوير قسم الميكانيك في معهد ذهبان عام 2006م كما يثير الجانب الهش في الاداء التنموي للحكومة اليمنية ليس فقط في التعليم المهني بل في كافة المجالات الأخرى. إذ أن المساوئ تتشابه وكما تؤكد مقولة اقتصادية فالعملة الرديئة تطرد العملة الجيدة.
فعندما كانت المعاهد التقنية فقط 6 معاهد في اليمن كانت هناك مخرجات تعليمية جيدة أما اليوم فتكاد تكون كل المخرجات سيئة والسبب بالتأكيد ليس الطالب بل النظام التعليمي. قدم اليابانيون دعماٍ لتطوير قسم الميكانيك في معهد ذهبان التقني عام 2006م ويشمل تجهيزات مكتملة وتطوير المناهج التعليمية إضافة إلى تأهيل وتدريب المعلمين.
وكانوا لاحظوا أن الطلاب يتدربون عملياٍ على مكائن سيارات يابانية قديمة لم تعد مناسبة لسوق العمل. والسؤال هل كان التوسع في اعداد مراكز التدريب والمعاهد التقنية مفيداٍ¿ أي فائدة مرجوة من ذلك إذا كان كذلك. استهدفت الاستراتيجية الوطنية الاخيرة للتعليم المهني القدرة على استيعاب 15% من مخرجات التعليم الأساسي حتى 2014م. بالتأكيد لم يكن ذلك البند الوحيد للاستراتيجية والتي اصدرت بالتعاون مع البنك الدولي. لكنها من الناحية العملية تكاد تكون الجانب الرئيسي في نشاط الوزارة. او بصورة أكثر دقة ما تعتقده الوزارة أنه عملها الوحيد زيادة عدد المعاهد التقنية أو ما يتعلق بإدارة المشاريع والمقاولات.
مع ذلك لم تنجز الوزارة الاستراتيجية رغم التوسع الكمي في بناء معاهد ومراكز تقنية جديدة على حساب جودة التعليم والمسائل الأخرى فالطاقة الاستيعابية للتعليم المهني مازالت لا تتجاوز 3% من مخرجات التعليم الاساسي. وهذا الاخفاق يقابله صورة أسوأ إذ أن مخرجات التعليم الفني في اليمن غير مفيدة لسوق العمل. وفي لقاء جمع العديد من رجال الأعمال اليمنيين بوزير التعليم المهني وفيه طالب الأخير باستيعاب مخرجات التعليم المهني. أحد رجال الأعمال تحدث أن الوضع الحالي غير مشجع لاستيعاب مخرجات التعليم المهني لأنها سيئة حد قوله.
والسبب ليس المتخرجين لكن المنظومة التعليمية بالية ولا تتناسب مع المتغيرات الحديثة. فعندما تبنى اليابانيون دعم قسم الصيانة في معهد ذهبان التقني وجدوا أن الطلاب يتدربون على مكينة قديمة للسيارات لم تعد مطلوبة اليوم في سوق العمل. فمعظم السيارات الآن تعمل بمكائن مختلفة أحدث وبالتحديد تلك التي تخص غالبية السيارات في اليمن. وقد تكفل ضمن العرض الياباني مكائن حديثة يتدرب عليها الطلاب.
وفي دراسة ميدانية دعمتها منظمة “جايكا” اليابانية من أجل دعم قسم المياكنيك في معهد ذهبان. استقصوا حول استيعاب مخرجات التعليم المهني في ورش الميكانيك وفي استبيان استهدف عدد من ورش الميكانيك قال أصحاب الورش إنهم لا يعتمدون على مخرجات التعليم الفني لأنها سيئة ويفضلون الاعتماد على شباب يكتسبون المهارات عبر الخبرة. كما أن الدراسة أثارت الجانب السلبي في توسع المعاهد الفنية بمخرجات سيئة. لأن خريجي تلك المعاهد يعتقدون أنهم أصحاب شهادة ولا يكون لديهم أي استعداد للعمل في مهن أخرى عادية. فكما اشرنا إلى المكائن القديمة التي يتدربون عليها في قسم ميكانيك السيارات فتذهب المخرجات التعليمية لسوق عمل يناسب أزمنة أخرى ربما في السبعينيات أو الثمانينيات. لكن تلك المخرجات تعتقد انها متعلمة فيكون استعدادها للتعلم أقل من الصبي الذي يأتي ويريد أن يتعلم عبر الخبرة فيكتسب مهارة بالعمل.
عدد من التجارب أكدت أن المخرجات التعليمية للمعاهد الفنية سيئة وغير قادرة على التعامل مع سوق العمل. حتى تلك الحكايات حول مخرجات سيتم استيعابها في سوق الخليج بدت كمزحة عابرة. تطوير قسم الصيانة في معهد ذهبان إشار إلى أين المرض لكن مازال الجانب اليمني مفتوح الشهية لبناء معاهد جديدة دون وجود استراتيجية لجودة التعليم ومخرجات ذات كفاءة تساهم في سوق العمل المحلية أو يمكن استيعابها في الخارج “دول الخليج مثلاٍ”. فخريجو قسم الصيانة في معهد ذهبان كانوا الأكثر حظاٍ في العمل. وقد تم تأهيل عدد من المدرسين عبر دورات في اليابان وتونس.
يقول أحد المشاركين في الدراسة اليابانية حول التعليم الفني إن الجانب اليمني يهتم ببناء مراكز تدريبية ومبانُ أكثر من اهتمامه بتحسين التعليم لأن في جانب المقاولات والانشاءات هناك مساحة واسعة من العمولات والكسب الشخصي بينما في التجهيزات وتأهيل معلمين لا تسمح بتلك المساحات.
والمشروع الياباني أثار عدداٍ من النقاط المهمة التي يمكن اعتمادها في تحسين التعليم بما يفضي إلى مخرجات مؤهلة وقادرة على العمل وليس مخرجات عديمة النفع. فعلى صعيد المشروع الياباني نصح الجانب الياباني اليمنيين بالاعتماد على مناهج دراسية متطورة وقالوا إنه يمكن الاعتماد على المنهج السعودي وهم سيتحملون تكلفة طباعته. وبالطبع لم يكتمل المشروع بسبب الأوضاع الأخيرة وسفر الخبراء.
حتى وإن كان العرض الياباني بسيطاٍ أي تطوير قسم في معهد تقني إلا أن أهميته تتعلق بتشخيص المرض الحقيقي الذي يعاني منه التعليم المهني والبدء بمعالجته وإن جزئياٍ. فالجانب الياباني سيتبنى دعم عدد آخر من الأقسام في المعاهد التقنية بعد الانتهاء من هذا المشروع. من ناحية أخرى سيعود التعليم المهني إلى الطريق الصحيح فيما يخص تجويد التعليم وتحسين الأدوات والتجهيزات. بما يضمن مخرجات تعليمية مؤهلة وجيدة يتهافت عليها سوق العمل. يمكن وضع تلك الاجراءات ضمن استراتيجيتها القادمة. من أجل بناء فضاء تعليمي حقيقي يخدم سوق العمل وينعكس على الاقتصاد ككل.
لكن لماذا لم تستمر الوزارة في هذا الجانب أي تحسين التعليم بدلاٍ من بناء معاهد سيئة التعليم. فالمسألة قد تصبح مجرد عنوان للتباهي الرسمي على سبيل المثل عنوان: بناء عشرين معهداٍ خلال عشر سنوات او خمس سنوات لكن من الناحية العملية فإن العشرين المبنى هم اجساد اسمنتية منتفخة لا تؤهل مهارات لسوق العمل بل على العكس تضيف مزيداٍ من المتبطلين.
يحتاج التعليم الفني اليوم إلى عملية إحياء سريعة وقوية تتعلق بتأهيل المعاهد الموجودة. التركيز على جودة التعليم وهذا لا يعني التوقف عن بناء معاهد جديدة لكن الأولوية في تحسين ما تم بناؤه ثم التأكيد فيما سيتم بناؤه وفق مواصفات جيدة تناسب الطموح. وهي ستحتاج إلى دعم مشروع لتأهيل مدرسين والاعتماد على مناهج جديدة أكثر تطوراٍ حتى وإن تم جلبها من مناهج دول أخرى كالسعودية أو تونس. إضافة إلى ضرورة الاعتماد على تجهيزات وآلات جديدة لتدريب الطلاب بما يتناسب مع متطلبات السوق اليوم وليس آلات خارج صلاحية الخدمة أي سوق العمل. حتى لا يكون التعليم الفني بعيداٍ عن الواقع.