مذبحة تنومة أراد منها آل سعود إرسال رسالة مرعبة وموحشة إلى اليمنيين وإيذاناً بعهد دموي

الدكتور حمود الأهنومي صاحب كتاب «مذبحة الحجاج في تنومة» في مقابلة مطولة مع “الثورة” يكشف تاريخ آل سعود الدموي ويؤكد:السعودية منذ نشأتها الطارئة اتبعت استراتيجية التوحش بالمذابح والمجازر لإخضاع اليمنيين

تنومة هي كبرى مذابح آل سعود وحلقات مسلسل الإجرام السعودي مستمرة إلى اليوم

السعودية تتبع استراتيجية التوحش والقاعدة وداعش نسختان منها والكل أدوات «أمريكا وبريطانيا»

الديوان السعودي يقول: أنتم تثيرون المواجع وتتحدثون عن قضايا انتهت وصارت في ذاكرة التاريخ

العبء الكبير من الإجرام والثقل الفادح بالجرائم منذ تنومة وإلى اليوم يجعل محاولات السعودية تسويق نفسها كوسيط مكشوفة ومفضوحة

عدوان الـ 26 مارس بمثابة “تنومة العصر” في الامتداد الإجرامي لآل سعود ضد الشعب اليمني

نظام بني سعود يستخدم الإرهاب والمذابح لإخضاع الشعوب ومنذ نشأته اتبع هذه السياسة

كتاب تنومة سيصدر في طبعته الرابعة قريباً..والديوان الملكي السعودي منزعج جداً من كشف هذه القضية فالسعوديون توهموا بأنهم قد كتموا تفاصيلها

مازال مسلسل الدم والمذابح مستمراً منذ تنومة وإلى يومنا الحاضر، وما زالت الدماء اليمنية التي يسفكها آل سعود دافقة منذ تنومة إلى اليوم، وما العدوان السعودي على الشعب اليمني في 26 مارس 2015م، إلا حلقة من حلقات الإجرام السعودي الذي بدأ عهده بها حين نشأ طارئا في صحراء الجزيرة العربية.
في هذا الحوار يسرد الدكتور حمود عبدالله الأهنومي مؤلف كتاب «مذبحة الحجاج في تنومة وسدوان»، يسرد التاريخ الدموي لآل سعود ويكشف تفاصيل مسلسل الإجرام الذي درج عليه نظام آل سعود بحق الشعب اليمني.
الباحث كشف عن ردة فعل النظام السعودي إزاء كشفه عن مذبحة التنومة التي بقيت طيلة عقود طي النسيان، وبين أن الديوان الملكي السعودي انزعج من التذكير بمذبحة تنومة، وأوضح بأن كتاب «مجزرة الحجاج في تنومة» سيصدر في طبعته الرابعة قريبا.
وعن هذه الجريمة التاريخية يتناول الكاتب والمؤلف التاريخي الدكتور/ حمود عبد الله الأهنومي الأبعاد السياسية، والاقتصادية للجريمة، كما يتطرق في مقابلة شاملة مع صحيفة «الثورة» إلى التأكيد بأن الكتاب الذي أصدره يتضمن شهادات وأدلة كافية ووافية على مسؤولية النظام السعودي عن هذه المذبحة.
هذه المقابلة التي أجراها الزميل يحيى الربيعي، امتازت وتميزت بما فيها من حقائق مستفيضة، وبما كشف فيها عن جذور العداء السعودي لليمن، وعن بريطانيا التي زرعت هذه المملكة في الصحاري العربية، وعن تاريخ وحاضر هذا النظام المجرم.
الثورة / يحيى الربيعي


* في البداية، نريد أن نتعرف من خلالكم على الخلفية والدوافع التي توصلتم إلى اكتشافها عن الجريمة كباحث غاص في تفاصيل الجريمة منذ وقوعها، ناهيك عمّا له من باع في التاريخ اليمني والإنساني عموما؟
– في الحقيقة هي جريمة بشعة وفظيعة، ولا يمكن أن تستوعب، لولا أننا عندما بحثنا في الخلفية السياسية توصلنا إلى حقيقة أن لهذه الجريمة بعدًا سياسيا كبيرا في أهدافه، وعميقا في جذوره التاريخية، بالإضافة إلى ما لها من بعد عقائدي ومادي.
من ناحية البعد السياسي، أنت تعرف أن اليمن كانت في ذلك الحين تحت حكم الإمام يحيى في صنعاء، فيما كانت محافظات الجنوب من الوطن محتلة من قبل بريطانيا.
عسير، كان نظام آل سعود قد احتل جزءا منها، هذا في عام 1922 ميلادية.. ابن سعود، كان نظاما ناشئا مدعوما من قبل بريطانيا.. وفي ذلك الحين كانت بريطانيا تسعى إلى تمكينه من الجزيرة العربية.. والإدريسي يحكم مناطق ما يسمى بالمخلاف السليماني في جيزان وصبيا.
الإمام يحيى كان هو الحاكم العربي الوحيد في ذلك الحين العصي على التطويع البريطاني، وهو، بحسب الوثائق البريطانية، الحاكم العربي الوحيد الذي لم يكن يتقاضى مرتبات شهرية من قبل بريطانيا، وكان يرفض التحالف مع بريطانيا بسبب أنها محتلة للجنوب اليمني، بل كان يطالبها بالخروج من اليمن.. وعندما شبت الحرب العالمية الأولى بين دول المحور ودول الحلفاء طلبت بريطانيا من الإمام يحيى أن يقاتل معهم الدولة التركية بحكم أنهم الخصوم التقليديون للإمام يحيى، وهو الذي كان قد ثار عليهم، لكن الإمام يحيى رفض هذا؛ لأنه رفض أن يقاتل دولة إسلامية تحت راية دولة كفرية، وهذا ما جعل بريطانيا تحقد على النظام في صنعاء، بينما في واقع الأمر دعمت ابن سعود دعما كبيرا جدا.
الإمام يحيى كان بين الفينة والأخرى يطالب بريطانيا بالخروج من جنوب الوطن، وكذلك كان يطالب ابن سعود بالخروج من أجزاء من عسير، هذا الأمر مزعج لبريطانيا، ولآل سعود، وهناك أيضا كانت استعدادات بريطانية سعودية، لاقتحام الحرمين الشريفين، وكانت اليمن مرشّحة للدفاع عن الحرمين الشريفين في ذلك الحين.
بريطانيا أرادت أن تفصل اليمن عن الدفاع الحرمين الشريفين، وأرادت أن توجه وجه الإمام يحيى من الجنوب إلى الشمال بافتعال هذه الصدمة وهذه الصفعة؛ لتلفت نظره إلى أن غرماءك ليسوا عندنا، وهي التي أوصلت إلى ابن سعود، خبرا كاذبا بأن الإمام يحيى قد عقد اتفاقية مع ملك الحجاز الشريف حسين تقضي بالدفاع عن الحرمين الشريفين.. وهنا أراد السعوديون وكذلك البريطانيون إيصال رسالة رعب مضمخة بالدماء والأشلاء، الأهداف منها سياسية، وهي أنه لا يمكن أن يكون لليمن دور في الدفاع الحرمين الشريفين، وأيضا عليك أن لا تتحدث عن عدن ولا عن المحميات عدن التسع، ومشكلتك في الشمال وليس في الجنوب.
بريطانيا كانت تستثمر في قضية الخلافات، وأيضا تريد من ابن سعود الإثبات واختبار القبول الذي يجب أن يجتازه حتى يكون عميلها في المنطقة، وحتى يمكن أن تثق فيه، وأن تدعمه للاستيلاء على الحرمين الشريفين، وكانت بريطانيا من جهة واليهود من جهة أخرى يعتقدون أنه إذا خرج المارد الإسلامي والعربي من القمقم الذي وضع فيه، فإنه سيطرد بريطانيا من المنطقة، وسوف لن تتحقق أهداف اليهود في فلسطين وفي غيرها.
كانت بريطانيا قد وعدت اليهود في 1917م بتمكينهم من فلسطين، وفي الأثناء نفسها كانت تدعم ابن سعود لكي يستطيع الاستيلاء الحرمين الشريفين حتى لا يكون لهما التأثير في تشكيل الوعي الثوري والجهادي في صفوف المسلمين، الذي بالتأكيد سوف يخلص إلى طرد البريطانيين؛ لذا أرادت بريطانيا إطفاء هذه الجذوة الروحية من خلال تمكين آل سعود من منابر الحرمين الشريفين لاستثمارها في نشر دعواته في التفريق.
ويتضح إذن من مجمل هذه الأسباب السياسية أن هذه المجزرة كان لها بعد سياسي، بالإضافة إلى البعد العقائدي الذي لا يمكن فصله عنها، الذي لم يكن عند بريطانيا ولا عند رجلها في المنطقة ابن سعود؛ لأنه كان رجلا براجماتيا نفعيا، لا تهمه مسألة الدين بشكل كبير جدا، يهمه أن يصل إلى الكرسي، رغم أنه استغل الدين من خلال جماعات أنشأها بدعم بريطاني.. هذه الجماعات هي جماعات تكفيرية وهابية تسمى بالهجر، مثل هجرة الأرطاوية، هجرة الغطغط، وجميعها تشكيلات عقائدية قاتلت في الجزيرة العربية مع ابن سعود؛ لتمكينه من الجزيرة العربية، بدعوى أن جميع المذاهب الأخرى من السنة والشيعة كلهم كفار، والمسلمون الوحيدون هم الوهابية فقط؛ ولهذا عملوا مجازر في نجد، والحجاز، وحتى في الكويت، وفي اليمن، وفي العراق، وفي الأردن، هذه الجماعات التكفيرية هي الأداة التي كان يضرب بها ابن مسعود خصومه في الشرق والغرب.
وكان ابن سعود قد أوعز إليهم بأن هؤلاء الحجاج مشركون، وأن اقتلوهم ولكم سلبهم.. كان قائدهم- كما جاء عن الرئيس الأسبق عبد الرحمن الإرياني- يقول لأفراده عندما يقتلون حجاجنا يقول بعضهم لبعض: «اجتلوا المشرك» بلهجة أهل نجد، وتعني: «اقتلوا المشرك».

وكان والد الرئيس الأسبق عبدالرحمن الإرياني وهو القاضي العلامة يحيى بن محمد الإرياني قد كتب قصيدة عن تنومة، قال فيها:
جنيت على الإسلام يا ابن سعود * جناية ذي كفر به وجحود
جناية من لم يدرِ ما شرعُ أحمدٍ * ولا فاز من عذب الهدى بورود
أيضا، كان حجاجنا المغدورون يحملون معهم من الزبيب والعسل والبن الذي كان ينتظره أثرياء الطائف ومكة ما أسال لعاب أولئك التكفيريين؛ وقُدِّرت القافلة التي كانت معهم بـ 400 ألف ريال ماري تريزا؛ 400 ألف فرانسي، بما يعادل اليوم 3 مليارات و200 مليون ريال يمني.. وهذا، طبعا، يسيل لعاب هؤلاء التكفير؛ لأنهم اعتبروا الحجاج كفارا مستباحي الدماء والأموال.. كل هذه الدوافع هي التي صنعت هذه المجزرة الفظيعة والبشعة.

* طيب، ما الذي دفعكم، أنتم شخصيا، إلى بحث هذه المذبحة وإخراجها إلى النور في مؤلفكم الموسوم «مذبحة الحجاج في تنومة»؟
– في الحقيقة، كنت قد كتبت عددا من المقالات، عندما حاولت السعودية إفشال ثورة 11 من فبراير عبر المبادرة الخليجية، ونحن قلنا في حينها في كتابات كتبناها على مواقع التواصل والمنشورات التي كانت توزع في ساحة الثورة بأن السعودية عدو تاريخي، ونحن لن ننسى شهداءنا في «تنومة»، وكتاب آخرون كتبوا حول هذا.
لكن عندما اعتدي على اليمن في 26-3-2015م، كنت أجوب شوارع صنعاء مع الباصات وغيرها، وأسمع الناس وهم يتساءلون: لماذا السعودية تضربنا وكأنهم مستغربون؟ أنا كمطلع على المسألة لم أستغرب، بل وكنت أقول لهم: إن هؤلاء أعداء اليمن تاريخيا، وأن العدوان على اليمن لم يبدأ، في الحقيقة، من 26 مارس، وإنما بدأ من 1 يوليو 1923م في مجزرة «تنومة» وما قبلها، فكان أمرا طبيعيا بالنسبة لي أنهم يستغربون؛ لأن معظم الناس 90% تقريبا منهم لم يكونوا يعرفون عن هذه المسألة شيئا.
هذا أوجب عليّ، في إطار مسؤوليتي الدينية والوطنية، أن أقوم بمهمة تعريف اليمنيين بأن هؤلاء أعداء تاريخيون لشعبنا ولأمتنا حتى لا تكون ذاكرتنا الوطنية مثقوبة، بحيث لا نعرف أعداءنا من أصدقائنا حتى يضربنا مرة أخرى، فننتبه.

طبعاً، العدو كان يبرر في طرحه للناس أنه جاء، فقط، لاستعادة الشرعية وإعادة اليمن إلى الحضن العربي، وتعزيز الأمن القومي العربي. هنا، تساءلت: ما الذي جعل هذا العدو يقتل حجاجنا في “تنومة” وفي ذلك الحين؟ هل كانوا روافض؟ هل كانوا إيرانيين؟ هل كانوا منقلبين على الشرعية في ذلك الحين؟
لا، لم يكن من ذلك شيء.. إذن، رأيت أن هناك ضرورة لتعريف اليمنيين، وفضح العدو وكشف النقاب عن حقيقة زيف وكذب ذرائعه ومبرراته التي كان يسوقها، وهذا لن يتأتى إلا باستدعاء التاريخ واستدعاء هذه القضية لتحضر كحَكَم فَصْل في الواقع الذي نعيشه.

* في مسار انطلاقتكم نحو تحمل تبعات ما شعرت به من حجم للمسؤولية بضرورة رفع مستوى الوعي المجتمعي بالفارق بين خصائص العدو من الصديق، وما اهتديتم إليه من صوابية في استدعاء واستحضار هذه الجريمة إلى ساحتها الطبيعية؛ ساحة المواجهة مع عدو يتربص بنا الدوائر، إن لم نقل يصطنعها في الأوساط.. ما الذي احتوته طبعات كتابكم الثلاث من مؤيدات لهذا الاستحضار؟
– في الطريق، بعون الله، لإصدار الطبعة الرابعة.. طبعا، نحن بين كل طبعة وأخرى، نسعى إلى إضافة ما تم الحصول عليه من وثائق ومعلومات وإحصائيات عن الشهداء؛ أسمائهم، ونبذة عن السيرة الذاتية لكل حاج.. خاصة أنه للأسف اليمن والسعودية متفقون على أن عدد الحجاج الذين قتلوا في هذه المجزرة أكثر من 3000 حاج، لكن ما أسماؤهم؟ هذا كان صعبا جدا، يعني لا نستطيع أن نحصيهم جميعا بشكل سريع. وبالتالي صار هذا واحدا من الواجبات التي فرضت علينا، وكل ما نحصل على مزيد من الأسماء نضيفها إلى الطبعة التي تلي وهكذا، خاصة وأن الكتاب يلقى إقبالا كبيرا.
عندما نحصل على وثائق.. مثلا، الآن، حصلنا على وثائق مهمة جدا ونحن ننوي أن نضيفها، بالطبعة الرابعة، من ضمن هذه الوثائق الحكم الذي أصدرته محكمة صنعاء الابتدائية برئاسة القاضي العلامة محمد بن يحيى اليدومي اليماني؛ أحد أقرباء رئيس حزب الإصلاح، محمد عبدالله اليدومي اليماني، وممهور بإمضاء محكمة الاستئناف في ذلك الحين والتي كان يرأسها شيخ الإسلام الحسين بن علي العمري، أحد كبار رجال الدولة في ذلك الحين.
هذا الحكم يبين أن الشهود شهدوا استشهاد الحاج محمد محمود الشامي من أهالي صنعاء القديمة وأنهم رأوه في البداية وقد أصابه رصاص المعتدين في الجهة اليسرى، ثم رأوه بعد ذلك وقد فصل رأسه عن جسده بالسيف.. وهذا ما يكشف لنا عن الوجه «الداعشي» لأولئك القتلة، ويؤكد ما ذكره المؤرخون، ومن ضمنهم جريدة «القبلة المكية»، التي قد صدرت في ذلك الحين أن 900 حاج فصلت رؤوسهم عن أجسادهم بعد أن قتلوا.

* ما هي أبرز المواقف المؤثرة والأقرب إلى وصف الجريمة، والتي وجدتموها أثناء بحثكم، سواء فيما يتعلق بموقف حكومة الإمام يحيى، أو الحكومات العربية والمجتمع الدولي في ذلك؟ وما الذي حققته تلك المواقف سلبا أو إيجابا ؟
– عندما علم اليمنيون بهذه القضية، طبعاً بكى كل بيت في اليمن، ما من بيت إلا وكانت فيه معددة ونائحة، لأن الشهداء من كل مناطق اليمن، وسجل المؤرخون والعلماء والكتاب أحاسيسهم وأشعارهم بالشعر العربي والفصيح والشعبي، وبكوا وثاروا غضباً، حتى أن المؤرخ العربي السوري الرحالة «نزيه مؤيد العظم» وصل إلى اليمن بعدها يمكن بسنتين أو ثلاث سنوات، فوجد اليمنيين يمتلئون، كما وصفهم، بالغضب والاستعداد للقتال، وكانوا يعيبون على الحكومة اليمنية، في ذلك الحين، لماذا لم تتحرك للذهاب للقتال والانتصاف للشهداء..
بالنسبة للإمام يحيى، علم بالمجزرة في اليوم الثاني عن طريق برقية أرسلها أمير الحجاج السيد محمد عبدالله شرف الدين رحمه الله، من بارق، وكان أحد الناجين من تلك المذبحة.
سلطان نجد ابن سعود، حينها، عبدالعزيز بن سعود، سارع إلى الخداع والتضليل، فأبرق إلى الإمام يحيى بأنه بريء من هذه الدماء، وأنه لا علاقة له بما حدث.. الإمام يحيى، في البداية، كان يرى أن ابن سعود ربما لم يكن متورطا في الجريمة، وأن هناك من افتعل هذه القضية كبريطانيا أو غيرها؛ لذا، نقل القضية من المربع العسكري إلى المربع التفاوضي والسياسي، وأعاد الكرة إلى ملعب ابن سعود حين أوكل الحكم إليه فيما أقدم عليه جنوده من ارتكاب للجريمة، خاصة وأن ابن سعود قال: إن الجنود قتلوا الحجاج بدون أمره.. حينها حكَّم الإمام ابن سعود، وطلب منه أن يحكم في الموضوع بحكم الله وشريعته.
ابن سعود في البداية، كان يصرف كلاماً معسولاً، ويبدي مرونة يؤكد من خلالها بأن الأمور ستحل، وأن هؤلاء أناس يمثلون أنفسهم، وسأعاقبهم، لكنه بمجرد أن تقوّى مركزه العسكري والسياسي والاقتصادي رفض أي إنصاف، ورفض إعطاء أية ديات أو إصدار أي حكم في حق مرتكبي الجريمة.
وهنا، اتضح للإمام أن ابن سعود هو العقل المدبر لهذه المجزرة بإيعاز ودعم بريطاني.. بريطانيا بإيعازها لابن سعود بذلك كانت، كما ذكرت آنفا، تبحث عن تحقيق مكتسبات سياسية، وعدم تعويض ابن سعود لذوي الضحايا ودفع الديات يعني الحفاظ على تلك المكتسبات السياسية للجريمة.
كان الإمام يحيى بعد ذلك يطرح القضية في كل اللقاءات الثنائية وفي المؤتمرات العربية، ثم اندلعت الحرب بين اليمن والنظام السعودي في 1934هـ، وكانت هذه المجزرة أحد وأبرز أسباب اندلاعها، بعد 11 عاما من وقوع المجزرة.
الإمام يحيى، عندما نقل إلى المربع الاقتصادي، حقيقة كان في وضع لا يحسد عليه؛ حيث أنه لم يعد يدري من يقاتل خصوصا وأن العدو، في ظاهر الأمر، قد نحا باللائمة على طرف ثالث، وإن كانت الحقيقة تقول: إنه هو من صنعه، وأوكل إليه هذه المهمة، تماماً، كما يفعل الأمريكان وآل سعود عندما يسهلون لـ «داعش والقاعدة» القيام بعمليات إرهابية ضد الناس، حال وقوعها يسارعون إلى اللوم للفاعل (داعش والقاعدة)، رغم أنهم من خلف الأكمة هم من أمروهم وسهلوا لهم المهمة، هكذا فعل بن سعود عندما قال: هم الغطغط، وهؤلاء فعلوا فعلتهم بدون علم منه.
الإمام، حينها، رأى أن الموقف غريب ومحير، إذ لا يوجد غريم واضح قدامه، حتى الغطغط أنفسهم قد عادوا إلى معسكراتهم في نجد، وابن سعود يتبرأ من الموضوع، ناهيك عن المشاكل التي كانت تواجه الإمام في مناطق عديدة من اليمن، حيث أن هناك مناطق لم تكن قد دخلت تحت إدارة الدولة، وهناك قبائل ومناطق متمردة، وهناك مناطق يتصل زعماؤها بالإنجليز ويطلبون منهم الأموال والمساعدات، بالإضافة إلى احتلال بريطانيا لعدن، وترصدها بالدولة في صنعاء.. أضف إلى ذلك، أن الإمام حينها، كان في طور بناء الدولة بعد أن خرج من مرحلة الثورة، لعل هذه الأسباب مجتمعة شفعت للإمام في عدم القيام بمهمة القصاص.
ومع ذلك فيمكن القول بأنه حدث ضعف تقدير حول المسألة؛ إذ كان بإمكان الإمام يحيى أن يحرك الجيش إلى منطقة عسير، وهناك يستطيع أن يحدث بعض الربكات، ويأتي ابن سعود بجيشه طبعا، وسيكون هناك انتصاف، لا سيما وقد كان اليمنيون يتلمظون غيظا وحماسا تجاه السعودية.

* وماذا عن المواقف العربية والدولية؟
– حكومة الحجاز نشرت افتتاحية في صحيفتها الرسمية «جريدة القبلة» تحت عنوان «جريمة لم يعرف التاريخ لها مثيلا»، ذكرت فيها بعضا من تفاصيل المأساة التي حصلت بحق حجاج اليمن.. العلماء في بلاد الشام وفي بلاد العراق، عابوا على الوهابيين ما ارتكبوه في هذه المجزرة، واعتبروها مجزرة بشعة تضاف إلى سجل الوهابيين.. وكتب الشيخ محسن الأمين في كتابه «كشف الارتياب في اتباع محمد عبد الوهاب» عن هذه المجزرة، واستنكرها الجميع.
الوثائق البريطانية تحدثت عن الموضوع، حيث قالت: إن مجموعة من البدو الوهابيين قتلوا مجموعة من الحجاج اليمنيين»، ولكنهم قللوا عدد الحجاج إلى 500 حاج، طبعا لأنه لم تكن هناك حينها، وكما أسلفت، إحصائيات من أرض الواقع، وإنما مجرد أخبار وشائعات.. وعلى كل حال، الجريمة كانت مثار استنكار الجميع حتى لدى المجرم ابن سعود نفسه وبريطانيا التي أوعزت إليه لم يجرؤوا على تبني الجريمة لبشاعتها، وأرادوا أن ينحوا باللائمة على طرف ثالث، كما يفعلون اليوم، كما قلت، مع الحركات التكفيرية، والدليل لا يحتاج إلى بحث عميق؛ إذ لم يوجهوا إلى القتلة أي عقوبة حتى من باب الاستنكار واللوم.

* الأسرة الحاكمة السعودية ادَّعت، حينها، أنَّ الحجاج كانوا مسلَّحين، ما مدى مصداقية ذلك، في ظل ما ورد في مقدمة كتابكم عن قيام أحد المشائخ المسلحين فيها بالقتال حتى نفاد ما بحوزته من بخيرة؟ وإلى أي مدى كانت نسبة تكافؤ إن افترضنا أن هناك حماية بقيادة هذا الشيخ؟
– في حقيقة الأمر، كان هناك أفراد معدودون بأصابع اليد لديهم سلاح. وهم من الجيش اليمني استأذنوا للحج.. وعندما بدأ العدوان على الحجاج وهم آمنون.. البعض يتغذى، والبعض يصلي، والبعض يجمع الحطب، بينما أولئك كانوا يترصدوا لهم في الجبال ليصلوهم بالنار، وعندما بدأ المعتدون عدوانهم على الحجيج، بالتأكيد كان لازما على أفراد الحماية حمل سلاحهم لحماية القافلة من اللصوص وقطاع الطرق.
وكان البعض منهم كمثل الشيخ الحلحلي والشيخ الهجام الأرحبي وصبر الأشموري وغيرهم يعدون بأصابع اليد، كما ذكرت الرواية التاريخية في حينها، قد قاتلوا بما معهم من ذخيرة حتى نفذت، ثم بالجنابي حتى تكسّرت، وقاتل أحدهم بعد ذلك بالصميل، حتى قال سيف الإسلام أحمد في ذلك الحين عندما سأل أين فلان؟ وماذا فعل؟ قالوا له: إنه قاتل ببندقيته حتى نفذت ذخيرته، ثم بالجنبية حتى تكسرت، ثم بالصميل، ثم استشهد، وكان هذا الشيخ قد أقسم للإمام أنه سيدخل الجنة بالصميل، فقال سيف الإسلام: لا إله إلا الله، ما أحد دخل الجنة بالصميل إلا الشيخ فلان.
وحتى الذين لم يكن معهم سلاح، قاتلوا بالحجارة، ومنهم الشيخ العلامة منيف أحد علماء المدان في الأهنوم، قالوا له هيا نهرب.. نفر قبل أن يأتي هؤلاء.. قال: كيف لي أن أفر من الزحف؟ أنا أعتبر هذا فرارا من الزحف، وهذه شهادة ساقها الله إلينا، فثبت في مكانه، وقاتل بالحجارة حتى استشهد، لكن، كما تفضلت، ما جهد 5-10 أفراد مسلحين في مقابل آلاف يتسلحون لحربهم كانوا قد استعدوا لإبادتهم ولإحكام الكمين بخطة محكمة مسبقة، وكانوا قبل ذلك في معارك مع بني شهر في عسير.
الحجاج كانوا قد مروا قبل ذلك بأبها، ومكثوا في استضافة حاكم أبها، عبد العزيز بن إبراهيم آل سعود، الذي عرف القافلة وعرف من فيها، ثم سافروا من أبها إلى تنومة، حيث تم تجهيز كمين آل سعود، بعد أن عرفوا نقاط ضعفهم، وهنا يظهر مؤكدا أنه لا تكافؤ بين طرف أعد وخطط لمعركة بشكل دقيق جدا ومحكم، وعرف كم مع الطرف الآخر من عدة وعتاد، وطرف لا يملك شيئا من ذلك.
إرسال رسالة موحشة ومرعبة إلى اليمنيين عبر هذه المجزرة سياسة تستخدمها الآن ما يسمى بـ(القاعدة)، و(داعش)، وتسمى بـ(استراتيجية التوحش).
هكذا كان ابن سعود يفعل إذا أراد الاستيلاء على منطقة، يأتي إلى طرف البلاد أو إلى مدينة ما، فيقتل رجالها، ونساءها، وأطفالها، بوحشية منقطعة النظير، فيهرب من يهرب منهم إلى المدينة الأخرى، التي تسمع بأنباء هذه الوحشية، فما يكون منهم إلا المسارعة إلى الاستسلام، عندما أراد أن يستولي على الطائف ارتكب مجزرة في تربة وخرمة، وعندما دخلوا الطائف انقضوا على أهلها كالنسيج المتوحش، كما يذكر المؤرخون، فقتلوا الرجال والنساء، وجدعوا أنوف وآذان البعض منهم، ثم بعثوا بهم لكي يخبروا أهل مكة بما فعلوه في الطائف من مجازر بشعة ومخيفة، فلم يكن أمام أهل مكة إلا الاستسلام، هذه السياسة والاستراتيجية العسكرية التي كانت متبعة من قبل ابن سعود هي التي تتبعها القاعدة وداعش في تنفيذ عملياتها الإرهابية..

* الكتاب بطبعاته الثلاث، بالإضافة إلى فيلم (تنومة دماء منسية) لشركة الدامغ والإعلام الحربي، مع المسلسل الإذاعي (تنومة والحقد الدفين) لإذاعة سام.. وعموم ما تم من نقاشات حول المجزرة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ما ردة الفعل السعودية تجاه ذلك؟ نود ذكر بعض من الإجراءات التي اتخذها النظام السعودي تجاه ثورة إعادة الوعي التي تضمنتها هذه الحملة الإعلامية بجريمة استطاع بحروبه الناعمة أن يخفيها لعقود من الزمان؟
– في حقيقة الأمر، حصل انتشار واسع، بفضل من الله سبحانه وتعالى، ثم بحكم التعاون الذي حصل من المثقفين والإعلاميين والنخب المجتمعية حيث أعيد إلى ذاكرة معظم اليمنيين الذين كانوا- كما ذكرت في بداية العدوان لا يعرفون شيئا عن هذه المجزرة، وأصبحوا الآن يعرفون حتى بعضا من التفاصيل، وهذه نعمة من الله سبحانه وتعالى، نشكر الله عز وجل عليها.. أما عن ردة الفعل السعودي فتتجلى حقيقة فيما نراه من خلال مرتزقة النظام عندما نتحدث عن هذه القضية، إما يقابلون المسألة بتجاهل وسكوت ولا يدرون ماذا يقولون، لأنهم يجدون حقيقة تفضحهم.
وهناك أخبار تقول إن الديوان الملكي السعودي منزعج جدا من إثارة هذه القضية، ويقول: أنتم تثيرون المواجع، وتتحدثون عن قضايا انتهت، وصارت في ذاكرة التاريخ، وفي الحقيقة أن العبء وفداحة الثقل الإجرامي الذي ينوء به السعودي هو ما يجعله اليوم يبحث لتسويق نفسه كوسيط بين اليمنيين في العدوان الأخير، ولأنه يعلم أنه ليس من مصلحته أن نثير قضية تنومة اليوم، لكننا كيمنيين يجب أن نتذكر المجرم ويجب ألا ننساه، لأن هذه جرائم ضد الإنسانية ولا تسقط بتقادم العهد بحكم القانون الدولي، وفيها لنا مصلحة- أيضا-؛ لأن العدو الذي يرسلونه اليوم هو نفس العدو الذي كان يقتلنا بالأمس، والعقول المدبِّرة هي الأمريكان والصهاينة والبريطانيون.. ومن مصلحتنا أن نذكِّر بهذه الجريمة حتى نُعِد العدة، وقد كانت مجزرة تنومة هي أول جرس مبكر لتعريفنا بعدونا التاريخي، لكننا للأسف لم نصغ ونستمع لها، وتم تغييبها عن آبائنا، ولما غيبت عن اليمنيين، تفاجأ اليمنيون في 26 مارس أن هؤلاء يستمرون في قتل وارتكاب جرائمهم منذ 1-7-1923م؛ لذا كان يجب أن نتذكر هذه المسألة وأن نعد لها العدة.

* ما أشبه الليلة بالبارحة.. إذ نجد أن ما يربط تنومة بالعدوان من حيث الخلفية التاريخية أو السياسية أنهما- في الأصل- امتداد لمظلومية كربلاء.. في كل الأحوال، إلى أي مدى يرى العدوان استفادته من جرائمه، سواء على المستوى السياسي أو أي مستوى آخر؟
– في الحقيقة، الظالمون أصحاب ملة واحدة، والمظلومون- أيضا- أصحاب ملة واحدة، وعندما نتحدث عن تنومة بالأمس ونربطهما بـ”تنومة” اليوم، نلاحظ أن في كل فصل من فصول سلسلة جرائم النظام السعودي ضد اليمنيين مجزرة فيها ظلمة وفيها طغاة وفيها مظلومون، وبالتأكيد أن الظالم يريد أن يستعرض عضلاته، وأن يستخدم القوة الساحقة لإبادة خصمه، ولكن في نهاية الأمر هو يتحمل عبئا ثقيلا.. والسعودية الآن تشعر بالثقل الكبير جدا، لهذا السجل الإجرامي المتوحش.. هي تستفيد في فرض ما يمكن ستره، وفي تحقيق بعض الأهداف السياسية، لكنها استراتيجيا تشعر بالثقل وفداحة الكلفة المعنوية؛ ولهذا تريد أن تسوق نفسها في الجريمة الأخيرة على انها مجرد وسيط.. النظام السعودي يقول هو وسيط، لأنه يشعر بفداحة المصيبة بفداحة الجرائم التي ارتكبها؛ لذلك يريد أن يتخلص منها وأن يرميها إلى عاتق زبالته من المرتزقة، كما فعل ابن سعود بالأمس مع أولئك التكفيريين.. ألم يقل إنه لم يقتل الحجيج اليمنيين، وأن الغطغط هم من قتلوهم.
هو هكذا- دائما- يصنع طرفا ثالثا كي يلقي باللائمة عليه.. السعودية اليوم في الحقيقة تشعر بفداحة الجريمة، وبعبء الأثقال والآصار والأوزار التي تحمَّلتها تاريخيا، وتريد مع ذلك أن تظهر نفسها كوسيط، وأنَّى لها؛ إذ لا يمكن تغطية عين الشمس بغربال.. هذه جرائم واضحة، وقد تبين للجميع أن هذا الكيان كيان إجرامي، وعليه أن يتحمل كلفة إجرامه وأن يدفع الفاتورة اللازمة لسداد ما عليه من دماء لليمنيين.

* ما بين قتل الحجاج في تنومة مروراً بالعدوان وصولاً إلى تعذيب الأسرى في خميس مشيط.. كيف تقيِّمون مسارات استخدام العدو للحرب الناعمة في تخدير اليمنيين بغرض إبعادهم عن القصاص، وما وجه التطور الذي مارسه النظام في ممارسة جرائمه الجديدة ضد الشعب اليمني؟
– هو يخترع، أو يصنع، كما قلت سابقا، طرفا ثالثا للجرائم التي يريد أن يوصل من خلالها لليمنيين رسالة بأنه نظام إجرامي منذ نشأ، وأنه مرد على الاجرام من أول يوم، وأن ما يصنعه في الأصل يحدث على مرأى ومسمع من بريطانيا وبدعمها، فهو كيان وظيفي استعماري لم يوجَد إلا لتنفيذ مهمة إيقاع الفتنة الداخلية، وخلق مبررات الاقتتال بين المسلمين لإضعافهم من الداخل، وإشغالهم ببعضهم، ولإلهائهم بمشاكلهم من الداخل؛ حتى لا يتفرغوا للعدو الحقيقي لهم، وهم اليهود وبريطانيا ومن معهم. وبالتأكيد اعتقد أنك لاحظت لماذا تم تغييب المجزرة؟ وفي نفس الوقت: لماذا تم نشر الفكر الوهابي السعودي في اليمن؟ لو كانت المجزرة حاضرة في وعي اليمنيين، هل كان بإمكان السعودية أن تنشر الوهابية في اليمن أو حتى أن تبشر بها؟ لا يمكنها ذلك؛ لذا عملوا على تغييب المجزرة حتى يتسنى لهم التحرك فيما يسمى بالغزو الفكري أو الحرب الناعمة، بل وحاولوا في التأثير على البنية الأيديولوجية للشعب اليمني وهويته الإيمانية اليمنية، وكادت أن تتمكن من ذلك لولا ثبات الألفة الطويلة بين جناحيها الزيدي والشافعي.

* أراد النظام السعودي إحكام الهيمنة على القرار السياسي والثقافي والتربوي في اليمن؛ لذا غيَّب هذه المجزرة، وبات يحضر من خلال غرسه الحركة الوهابية في عقر الدار اليمنية كطرف ثالث لمجازر أخرى.. كيف تصفون بشاعة ما قام به النظام في خميس مشيط من قصص تعذيب الأسرى وصلت فصول بعضها قرابة 7 سنوات من التعذيب اليومي المستمر بلا رحمة، سقط بعضهم على إثر التعذيب شهيدا، وفارق بعضهم عقله جسده.. ممارسات بشعة مارسها هذا النظام مع أسير.. الله سبحانه وتعالى ونبيه والأعرف الدولية، لم يقروا مثل هذه الممارسات ضد الأسرى، واليهود أنفسهم لا يجرؤون أن يمارسوها ضد الأسرى؟
– الكيان السعودي كيان إجرامي، وهو يرتكب جرائمه في ساحة الحرب، وفي الأسر، وفي السجن، وما يعمله بالأسرى وبـ 50,000 سجين يمني في سجونه اليوم، هو ما يعمله أيضا مع الحجاج والمعتمرين سواء كانوا يمنيين أو غير يمنيين، فهو يعبر عن طبيعة إجرامية متأصلة في دواخل هذا النظام مدفوع به من أولئك الذين يدعمونه ويعطونه الشرعية ويغطون عليه إعلاميا وسياسيا في مجلس الأمن وأمام المجتمع الدولي.
ولو نظرنا من باب المقارنة بين عصابات اليهود المتطرفة، التي ترى في أن النظام السعودي يشكل نقطة متقدمة أو خطا متقدما بالنسبة لهم، سنلاحظ أن إسرائيل في جرائمها ضد الشعب الفلسطيني لم تصل إلى ما وصل إليه نظام آل سعود في جرائم قصفه على الشعب اليمني، فلم يعرف عن اسرائيل أنها قصفت مقبرة، أو سوقاً أو مسجداً، إلى حدٍّ ما.
طيب، لماذا لم يفعل ذلك.. فيما تثبت الحقائق التاريخية أن هذا الكيان الغاصب هو من يدفع بآل سعود إلى ما يرتكبه من جرائم بشعة في اليمن أو غيرها؟ لأنه يقصد هذا، لكي يقول الإسرائيليون: لاحظوا أيها العرب. نحن أرحم بكم منكم.. نحن شعب طيب ونحن.. ونحن.. وبالتأكيد إن هؤلاء قد صُنِعوا هكذا؛ لكي يكونوا مجرمين على هذا النحو، ولكي يكونوا هم المشجب الذي يمكن أن تعلق عليه إسرائيل وأمريكا جرائمهما من الباطن، فيما يبدون في الظاهر هم أرحم بنا من هؤلاء المجرمين، بل يقولون لنا: لاحظوا ما نعمل مع أسراكم في فلسطين، الأسرى الفلسطينيون يدرسون داخل السجون، ويحضر بعضهم الماجستير والدكتوراه، بينما أسراكم يعذَّبون ويقتلون.. أنتم هكذا أيها العرب، أنتم هكذا أيها المسلمون. طبعا نحن نقول لليهود: هؤلاء هم أدواتكم، هؤلاء هم صنائعكم، وهي جرائم لا يمكنكم التنصل عنها.. أنتم من يستخدم النظام السعودي أقوى سلاح لأذية الإسلام والمسلمين، حتى لقد قال ترامب: «لولا السعودية لما استمرت إسرائيل».. والتاريخ يعرَّفنا أن السعودية لها دور كبير في بقاء إسرائيل.

* ذكرتم في مقدمة الكتاب أن مجزرة تنومة كانت أحد الدوافع الرئيسية لاتجاه المجاهدين إلى مواجهة تحالف العدوان بقيادة السعودية.. إلى أي مدى ترون العدو يعلم بحتمية محشر السقوط المدوِّي والقصاص عند ابن خلدون في مقدمته، والتي لا ترى قضاء للدين إلا بمثله؟
– بالتأكيد أن جرائم السعودية في تنومة قد مثَّلت لدى بعض من أسر الضحايا من الذين يعرفون عن هذه الجريمة دافعا كبيرا جدا للتحرك ضد العدوان، إذا تحدثنا مثلا «صالح مبخوت النصرة»، الذي استشهد عمه وجده في هذه المجزرة.. نجده شيخا سبعينيا، لكنه بمجرد أن وقع العدوان أخذ بندقيته وتحرك، ذهب إلى باب المندب وقاتل هناك، ثم ذهب إلى عسير واستشهد في تخوم عسير، مضى على نفس الطريق التي مضى فيها جده واستشهد من قبله، عندنا أيضا أسرة الأشموري، عندنا أسر كثيرة جدا، كانت تنومة هي الدافع لهم في التحرك لأخذ الثأر من بني سعود، هذا في البداية، أما الآن فقد زاد منسوب ذلك الثأر، وعرفت حقيقة أن السعودية تعتدي على اليمن منذ أكثر من 100 عام، وأن الفارق الوحيد هو أن اليمن اليوم بدأت بالرد، وإذا كانت فيما مضى تتعرض للعدوان وتتوجع داخل أعماقها، فاليوم، بفضل من الله سبحانه وتعالى، وبفضل حكمة القيادة الثورية الجهادية التي تمثلت في مسيرة الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي، رضوان الله عليه، وفي قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، يحفظه الله، والمجاهدين، والشعب اليمني المؤمن العزيز الشجاع، بدأ اليمن في رد الصاع بالصاع، والصاروخ بالصاروخ، والطائرة بالطائرة.
وفي هذا ما يبين أن الكيان الإجرامي بات قاب قوسين أو أدنى من انهياره وزواله، كما أشرتم في سؤالكم إلى نظرية ابن خلدون التي تتحدث عن نظرية دوران الدولة من البداية، ثم الانتفاخ أو الشباب، ثم الموت، وهناك فلسفة (توينبي) للتاريخ، التي يحصرها في (التحدي والاستجابة)، فالعدوان على شعبنا كان تحديا كبيرا، لكن استجابة شعبنا كانت استجابة أكبر من التحدي، وهنا كما يذكر (توينبي) يكون المعتدى عليهم، وهم الشعب اليمني، يشكلون حالة من التحدي لنظام آل سعود ومن يقف خلفهم، وقد رأينا استجابتهم الضعيفة في استجدائهم للهدنة، وهذا يبرهن أن الشعب اليمني بقوة توكله على الله والتحرك بالمنهجية القرآنية.. بالعزة.. بالشجاعة.. بالجهاد في سبيل الله، لاشك، قادم لتحقيق الانتصار التاريخي والقصاص من كل هذه الجرائم، وأننا بعون الله سبحانه وتعالى، سننتصر ونأخذ بثأر كل هؤلاء الضحايا ولكل هؤلاء الشهداء.

* إذا نظرنا إلى الجرائم السعودية من الجانب القانوني والتشريعي.. من وجهة نظركم، إلى أي مدى وصل استيفاء أركان الإدانة؟ وما هي الخطوات التي ترون فيها بشارات بإمكانية الوصول من خلالها إلى تحقيق الغاية؟
– فيما يتعلق بالمسار القانوني، كما يقول خبراء القانون الدولي والقانون المحلي، هناك إمكانية واسعة جدا في معاقبة المجرم؛ كون «مجزرة تنومة» جريمة مشهودة، وجريمة ثابتة.. فيها أدلة الشهود والشهادات موجودة، والوثائق الرسمية- أيضا- تثبت ذلك.. الاعترافات السعودية بأن جيشهم من الغطغط هم الذين قتلوا حجاجنا.. النظام المجرم الذي قتل هؤلاء الشهداء لا يزال هو الآخر موجودا، ويعترف بجرائمه القديمة، ولا يزال مصرا على جريمته باعتدائه على اليمن.
يصنف القانون الدولي ما وقع في «تنومة» بجريمة ضد الإنسانية، وليست جريمة حرب، فلم تكن هناك حرب بيننا وبينهم، وبالتالي فهي جريمة لا تسقط بتقادم العهد بحكم القانون الدولي، وعليه هناك إمكانية لذوي الضحايا في رفع دعوى قضائية أمام المحاكم الدولية لمقاضاة هذا النظام المجرم وللحكم عليه بالتعويضات وجبر الضرر… إلخ.
إذا كانت إسرائيل الآن تستلم ربع ميزانيتها من ألمانيا تحت مزعوم تعويضات الهولوكوست، فلدينا هولوكست حقيقي؛ مذبحة إبادة جماعية بشكل واضح جدا، لا أحد يستطيع أن ينكرها، هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى، لدى المحاكم اليمنية فرصة إنشاء محاكم متخصصة في هذا المجال وتحاكم هذا النظام المجرم على هذه المجزرة وعلى المجازر التي نعيشها وتحكم فيها، واليمن بالمجاهدين والمقاتلين، هم من سيطبِّقون وينفذون هذه الأحكام على الطرف المجرم، وهو نظام آل سعود.

* ما هي الخطوات التي ترون من خلالها إمكانية الوصول إلى تحقيق الغاية؟
– هناك عدة مسارات، أنا أتصور أن المسار السياسي يجب أن يتحرك في هذا الجانب، ويجب أن يطرح المفاوض اليمني، هذه القضية ضمن جدول المفاوضات بيننا وبين هذا النظام، في أي مفاوضات مستقبلية باعتبار أنها قضية لم تحسم، وأنها قضية مفتوحة، وأن الدم لا يزال طريا، والمسار القانوني يجب أن يتحرك أيضا، كما ذكرنا فيما مضى، لمقاضاة هذا النظام المجرم برفع الدعوى القضائية داخل اليمن وخارج اليمن.
والأنفع، والأقوى، والأكثر جدوائية هو التحرك في المواجهة العسكرية، هذا هو الذي سينفع عندما يملى ويفرض على هذا النظام الإجرامي أن يقر بالجريمة، وأن ينفذ ما يجب تنفيذه من أحكام قانونية ومن شريعة الله سبحانه في ذلك عليه بدفع التعويضات والديات وجبر كل الأضرار، وإعمار ما خربوه، وهذا ما ينوه إليه السيد القائد في سياق حديثه عن مسار المعركة الأخيرة وما يجب أن يدفعه هذا النظام، مؤكدا أنه لا يمكن تنفيذه إلا من خلال الضغط العسكري، فالضغط العسكري هو أنفع شيء.
* النظام السعودي، كما تفضلت في سياق الحوار، عبارة عن كيان مصنوع لتنفيذ مهمة، وأن لا حول له ولا قوة في اتخاذ أي قرار، بل ويلاحظ أن العالم بدأ بما في ذلك اليهود، يشعرون أن معركة هذا النظام مع «أنصار الله» غير مجدية.. بدليل أول ما بدأت شرارات البارق اليماني تشع أنواره بالانتصارات هرع العالم كله إلى العمل على تثبيت وضعية اللا حرب واللا سلم.. كيف تقيمون المشهد؟
– أتصور أن المعركة الفاصلة قادمة، فاليمن لن تسمح باستمرار هذه الحالة من اللاحرب واللاسلم، وكذلك السعودية لا تريد استمرار هذه الحالة، لكنها تريد أن تلتف عليها، ومن خلال اصطناع مشاكل وافتعال أزمات داخل المجتمع اليمني كي تلهي اليمنيين ببعضهم البعض كما حصل في مراحل تاريخية سابقة، وينسوا العدو الحقيقي وينسوا تنومة الأمس ويغضون الطرف عن تنومة العصر.
لكن حكمة قائد الثورة، من خلال معرفتنا بما تطرحه هذه القيادة على هؤلاء تتحرك في هذا الاتجاه، بل وتلزمهم التعرف على حقيقة أن فرعون لم يستسلم إلا وقد أصبح في البحر غريقا، وهؤلاء، فراعنة، هم لن يستسلموا إلا بعد أن يغرقوا.
واعتقد أنه آن الأوان لأن يعترفوا بهزيمتهم وأن يذعنوا لمنطق السلام العادل، أما والحالة هذه، فأنا أتصور أن الحرب قادمة، وهناك استعدادات تجري على قدم وساق، وبإذن الله عز وجل ينتصف شعبنا من هذا النظام المجرم.

* ماهي العبر والدروس التي يمكن قراءتها من سلسلة جرائم بني سعود في اليمن؟
– الدروس المهمة، في أن الحرمين الشريفين لا يجوز أن تستمر تحت الهيمنة السعودية، لأنهم ليسوا مؤتمنين على الحجاج، فكم من جريمة ارتكبوها بحق الحجاج، ما من عام يمر إلا وفيه مجزرة، وفيه دماء نازفة من الحجاج، وفي هذا العام نحن نحذر النظام السعودي من المساس بحجاجنا، حيث وقد حشرهم في عمارة واحدة، وعلى مسافة 10 كم من الحرم الشريف، وبعيد جدا عن منى أرادوا معاقبتهم، ولا يستبعد أن ينزلوا بهم أي نوع من أنواع الأذى، فلا يؤتمن جانبهم.
هؤلاء ليسوا مؤتمَنين على بيت الله؛ لأن الله عز وجل يقول: (وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام، وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون)، فهؤلاء ليسوا متقين، وبالتالي ليسوا مؤتمنين على حجاج بيت الله الحرام، يجب أن يسعى العالم الإسلامي كله إلى طرد بني سعود عن إدارة المسجد الحرام، ووضعه تحت إدارة إسلامية، وبالأحرى إعانة (المتقين) لكي يديروا الحرمين الشريفين، بعيدا عن الهيمنة السعودية، لأنها تاريخيا ثبت أنها من تقتل الحجاج، وكم من جرائم ارتكبتها.
وكم من مسؤولية تقصيرية بحكم القانون المدني.. فقد قصروا وفرطوا في كثير من القضايا، نفق المعيصم، حريق منى، تدافع منى، سقوط الرافعة، هذا أول درس يجب أن نفهمه، الثاني أننا نحن اليمنيين يجب أن لا ننسى العدو الحقيقي، يجب أم لا نصنع من بعضنا أعداء، وننسى العدو الحقيقي، الإمام يحيى عقد معهم اتفاقية الطائف على أساس أن يستعيد الوضع الطبيعي، أو يستطيع أن يملي على السعودية بعد 20 عام ما كان يجب فرضه، لكن اليمن دخلت في حروب داخلية ونزاعات ومشاكل وثورات، فنسوا معها العدو الحقيقي لهم، طبعا، والسعودية كان لها الباع الكبير في هذا، فيجب ألا ننسى عدونا وأن نتحرك نحو المواجهة العسكرية، لأنها هي الضامن الذي يمكن أن نستفيد منه، وأن نعتبره الدرس المهم لاستعادة كل حقوقنا والانتصاف لجميع مظلوميات الشعب اليمني لدى هذا النظام الإجرامي.

* بالمناسبة، لدينا معركة أخرى، نريد أن يشير إليها الدكتور بنصائحه كونها تمثل العامل الأهم في تقوية معركتنا العسكرية مع العدو، إنها المعركة الاقتصادية، ونخص بالذكر منها الثورة الزراعية، ما الذي تنصحون به لتجاوز ما تعانيه هذه الجبهة من اختلالات وصلت إلى درجة أننا صرنا نحرث البحر كي نحصد في الصحراء؟
– المعركة أو الجبهة الاقتصادية من أهم الجبهات التي ستسند المعركة العسكرية؛ لذا لا بد منها، ولا بد من خوضها حتى تستطيع اليمن أن تقف على أقدامها مستقلة في قرارها السيادي والثقافي والتربوي والأمني، ناهيك عن كون الانتصار في الجبهة الاقتصادية يعد جزءاً من الأمن القومي، النهوض بالاقتصاد نحو الاكتفاء الذاتي، هذا أمن قومي، يجب ألا نفرط فيه؛ إذ لا يمكن أن تقوم حضارتنا الإيمانية على أساس هدى الله عز وجل إلا إذا أعددنا العدة التي أمرنا الله سبحانه وتعالى بها (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)، وأهم قوة، هي القوة الاقتصادية التي تأتي في المرتبة الثانية بعد القوة العسكرية، جميع الجبهات يجب أن تحرك عجلاتها، تماما، كما أنه لا يمكن للسيارة أن تتحرك بعجلة واحدة، لابد لكل العجلات أن تتحرك: العسكري من جهة، والاقتصادي، والأمني، والقاضي، والمحامي، والتربوي، والصناعي، كل من جهته، هذه المسارات وغيرها يجب أن تتحرك كي تدور عجلة الحضارة اليمنية بإذن الله سبحانه وتعالى، وتنتصر في نهاية المطاف.

* مسارات أي توجه، لا شك، أنها عملية مترابطة مع بعضها البعض في تشكيل عوامل النجاح، وأهم عامل في معركتنا الاقتصادية مع العدو هو امتلاك القوت الضروري لتقوى عضلات الجسم على الحركة، والمنطق يؤكد أن من غير المعقول دخول المرء معركة عسكرية، وهو مخزن على جوع؟
– أكبر معضلة مر بها اليمن في تاريخه الحديث والمعاصر، هي مشكلة القات، منذ 500 عام، واليمن تعاني من هذه المعضلة، وفي هذه السنوات الأخيرة نلاحظ توسعا مخيفا في زراعة القات، نحن ندعو الحكومة والمجتمع إلى اتخاذ الطرق والإجراءات التي تحافظ على السهول الزراعية التي ظلت السلال الغذائية لليمن، والزراعة هي التي صنعت تاريخ اليمن المجيد وشيدت حضاراته.. هنا ندعو الجميع إلى التوسع في زراعة المحاصيل التي تضمن تحقيق الاكتفاء الذاتي من القوت الضروري والعدو يحاصرنا من خلالها، وتقليل زراعة القات بأقل حد ممكن، مع تكثيف برامج توعوية تبين خطورة هذه المسألة، وتدفع بالشباب وبالناس إلى ترك هذه العادة والاتجاه إلى زراعة ما يفيد باعتباره جهادا في سبيل الله، وعاملا أساسيا من عوامل تحقيق النهضة في اليمن.
الشكر الجزيل لأستاذنا الفاضل الدكتور حمود عبدالله الأهنومي على هذه المقابلة الشيقة والمفيدة، والتي نتمنى من الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها الأمة، والسلام عليكم.

قد يعجبك ايضا