إن دولة بمكانة أمريكا وبحجمها وقدراتها العسكرية والاقتصادية والبشرية ونفوذها على الخارطة الدولية، وبكل مكونات تطورها وتقدمها التقني، نراها تفقد كل هذه المقومات حين تمارس سياسة داخلية وخارجية لا تليق بدولة محورية بمكانتها خاصة حين تعتمد سياسة التوحش والنفاق والانحطاط السلوكي والأكاذيب التي اتخذتها عنواناً وهوية لخطابها وتعاملها مع الآخر الحضاري وتسعى جاهدة وبكل قوتها وثقلها لفرض قانون الغاب الذي اعتمدته في تطويع دول وأنظمة وشعوب العالم خلك مبتكرة لتحقيق ذلك قوانين منافية لكل القوانين والتشريعات الدولية وخاصة تلك القوانين التي اعتمدت عليها أمريكا في الاستحواذ على المكانة الدولية التي تحتلها منذ نهاية (الحرب العالمية الثانية) والتي ما كانت أمريكا تستحقها بل كانت من نصيب الاتحاد السوفييتي الذي قدم قرابة (30 مليون قتيل) في سبيل هزيمة النازية، إذ أن صانع الانتصار على النازية لم تكن بريطانيا ولا أمريكا بل الاتحاد السوفييتي، فيما المفترض أن أمريكا كانت تحاكم وتحاسب على جرائمها في (هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين) اللتين ألقت عليهما القنابل النووية دون الحاجة لاستخدامهما إلا كعملية استباقية أقدمت عليها واشنطن خشية من النفوذ السوفييتي، ولأن هذه الجريمة (الاستعراضية) ارتكبت بحق شعب آسيوي لا ينتمي ( للجنس الا آرى) وإلا لماذا لم تلق تلك القنابل الأمريكية على (ألمانيا) التي فجرت الحرب..!
بمعزل عن كل هذه التفاصيل التي لا شك في أهميتها كونها تكشف عن الوجه القبيح لأمريكا، غير أن ما تمارسه أمريكا اليوم فيه ما يكفي لتأكيد حقيقة سياستها الاستعمارية الأكثر بشاعة وقبحا من تلك التي كانت تمارسها القوى الاستعمارية التقليدية من أسلافها الذين سلموا لها الراية بعد العام 1945م..!
يعترف كبار المفكرين والباحثين الاستراتيجيين في أمريكا والغرب بأن عصر (القيم الليبرالية) وعصر الحقوق والحريات، قد تلاشت وتوارت واختفت من أدبيات النظم الليبرالية وفي مقدمتها النظام الأمريكي منذ أن تمت تصفية الرئيس الأمريكي (جون كندي) على يد (كارتل مجمع الصناعات العسكرية والشركات النفطية) وبمشاركة نائبه (نيكسون) الذي خلفه مباشرة بالرئاسة ليسقط هو بدوره بفضيحة (ووترجيت)..!
غير أن انهيار وتفكك دول المنظومة الاشتراكية، منح قادة أمريكا المزيد من الغطرسة وتوهم هؤلاء القادة أن العالم أصبح مسرحا خاصا بهم وخالياً من الخصوم المنافسين، فتخلوا بالتالي عن كل المنظومة القيمية التي كان يتشدق بها الليبراليون في الغرب وأمريكا، ومع تقادم الزمن وانكماش وتراجع بؤر المقاومة والممانعة على الخارطة الدولية وخاصة في وطننا العربي وأفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ذهبت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بعيدا في غيها وغطرستها، غير أن كل هذا لم يحل دون أن يصبح (تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن) بمثابة (القطب الآخر في المعادلة الدولية)..!
ولتصبح أمريكا بكل جبروتها وإمكانياتها وأجهزتها وقدراتها وهي الدولة الأعظم والأكبر في العالم تضع نفسها وبكل ما تملك (ندا لتنظيم القاعدة) بل وتوظف أنظمة وأجهزة العالم إلى جانبها في منازلة (وهمية) ومخجلة بحق دولة مثل أمريكا، إلا أن الغطرسة واستراتيجية الصدمة والرعب والفوضى الخلاقة وهلامية السياسة الأمريكية أجبرت دول وأنظمة العالم على الخوض في هذا المعترك الهلامي والتخندق في مواجهة العدو الوهمي الذي صنعته واشنطن وأهلته ليكون جزءا من أدواتها القذرة وكانت تطلق على أعضاء هذا التنظيم وزعيمه لقب (المقاتلين من أجل الحرية)..!
وللأمانة والتاريخ لم يخذل هذا التنظيم وأعضاؤه أسيادهم في أمريكا والغرب وبادلوهم الوفاء بالوفاء وكانوا أكثر إخلاصا لهم وتفانيا في خدمتهم واكبر خدمة قدمها تنظيم القاعدة لقادته المؤسسين في أمريكا هو تبنيه ما أسموها (غزوة مانهاتن) التي منحت أمريكا شرعية وذريعة ومبرراً لاستباحة دول العالمين العربي والإسلامي وإيجاد ما اصطلح عليه بـ(الإسلام فوبيا)..!!
يتبع…….