أفول عصر ( السوبر باور)..! (4)

طه العامري

يمكن القول إن (النظام الدولي) الذي تشكّل على إثر خفوت مدافع( الحرب العالمية الثانية) ارتكز على رافعتين إحداهما كانت أمريكا – وخلفها المنظومة الغربية – والأخرى كان الاتحاد السوفييتي، وخلفه المنظومة الاشتراكية. ووفقا لقوانين العلوم السياسية فإن ما حدث خلال عامي 1989_ 1990م لم يكن فشلاً للنظام الاشتراكي وانتصارا للنظام الليبرالي، بل ما حدث كان فشلاً وإخفاقاً لمنظومة النظام الدولي برمته، مع الأخذ بالاعتبار الظروف الاقتصادية التي خيمت على النظام الاشتراكي أمام ما يمكن تسميته بازدهار (صوري) عاشه النظام الليبرالي، وهو ازدهار لا يُعبر عن انتصار ليبرالي بقدر ما يُعبر عن أزمة أخلاقية وسلوكية يعيشها النظام الليبرالي الذي تخلى عن كل القيم الليبرالية، ومارس سلوكيات إمبريالية متوحشة طالت خصومه، وطوعت حلفاءه، وبالتالي لم يكن الرئيس الأمريكي _جورج بوش _الأب _صادقا حين أعلن عام 1990م بانتصار النظام الليبرالي وهزيمة النظام الاشتراكي، معلنا أن أمريكا أصبحت عاصمة (العالم الحر) مدشنا بذات الوقت عصر العولمة والانفتاح، فارضاً هذه القيم على شعوب ودول وأنظمة العالم وإجبارها على الدخول في _منظمة التجارة العالمية – التي اتخذتها واشنطن ألية مثلى للسيطرة، واحتواء القدرات الاقتصادية لدول العالم وبما يمكن أمريكا من التحكم ومن خلال هذه المنظمة بالقدرات الاقتصادية العالمية وجعل هذه القدرات الدولية تحت سيطرة وهيمنة الاقتصاد الأمريكي، في خطوة استباقية خطتها واشنطن يومها لحسم المنافسة التجارية الدولية لصالحها من ناحية، وأيضا لحسم معركة الصراع الجيوسياسي الذي توقعته أمريكا مع دول الترويكا الأوروبية – أولا ، ومع جمهورية الصين – ثانيا – نعم كانت دول الترويكا الأوروبية بعد انهيار المعسكر الاشتراكي تمثل التحدي الأكبر لأمريكا وخاصة رافعة الاقتصاد الأوروبي ( ألمانيا الموحدة) التي أبقت واشنطن قواعدها العسكرية عليها والتي تتجاوز (80) قاعدة عسكرية تحتوي على ترسانة من الأسلحة الأمريكية الأكثر تطورا بما في ذلك الأسلحة النووية..؟!
هذه القواعد التي ظلت محل بحث ودراسة ومشاورات في دهاليز المؤسسات العسكرية والأمنية ومراكز الدراسات والأبحاث الاستراتيجية في واشنطن طيلة عام 1990م لتأتي النتائج بالإجماع من كل هذه الجهات بالإبقاء على هذه القواعد العسكرية وتعزيزها بكل جديد يتوصل إلى إنتاجه مجمع الصناعات العسكرية الأمريكية، والمبرر هو (عدم الثقة بالعقلية الألمانية التي آن تحررت من الرقابة والسيطرة فقد تعيد قدراتها العسكرية وتعيد إحياء ثقافة الانتماء التي سادت في عهد النازية)..؟!
وحسب الكاتب والمفكر الأمريكي نعوم تشومسكي – في كتابه – الدولة المارقة- فإن واشنطن وبعد انهيار المعسكر الاشتراكي وجدت نفسها في حالة ارتباك تبحث عن (عدو) وتكرس ثقافة الشك في أقرب حلفائها باستثناء ( المملكة المتحدة) و (الكيان الصهيوني) فقط..؟!
ويذهب (تشومسكي) بالقول (أن ما حدث خلال عامي 1989-1990م لم يكن انهيارا للنظام الاشتراكي، بل كان انهياراً للنظام الدولي وعدالته، ولم يكن انتصارا للنظام الليبرالي، بل كان أيضا هزيمة للقيم الليبرالية، وإيذانا بالتحول نحو الإمبريالية المتوحشة، فيما محاولة بعض النخب الليبرالية في الغرب الأوروبي السعي لإنقاذ القيم الليبرالية عبر منظومة أفكار تطويرية أطلق عليها (النيو ليبرالية) التي سخر منها متنفذون في واشنطن الذين أطلقوا على أنفسهم -لاحقا – المحافظون الجدد)..؟
يتبع

قد يعجبك ايضا