شكّلتِ المقاومة في لبنان نقطة تحوّلٍ كبيرة في تاريخ الصّراع العربيّ الإسرائيلي، إذ يسجّل لها أنّها المقاومة العربيّة والإسلاميّة الأولى التي هزمت الاحتلال الإسرائيلي في لبنان وأذلّته وأجبرته على الاندحار الأوّل عام 1985 ثمّ التّحرير الثّاني عام 2000 إلى انتصار عام 2006، وأخيراً معركة كاريش والحدود البحريّة مع فلسطين المحتلّة، حيث فرضت المقاومة معادلاتها وأرست قواعد اشتباك أرضخت العدوّ الصّهيوني وألزمته بالتّفكير ألف مرّة قبل الإقدام على أي اعتداء على لبنان باعتراف كبار قادة العدوّ. وعلى قدر ما تراكمت انتصارات المقاومة في لبنان وتحديداً حزب الله على مستوى مواجهة الغزو الإرهابيّ الأمريكيّ الصّهيوني الدّاعشي على قدر ما تراكمت قوّتها ونمت وكبرت ترسانتها العسكريّة سواء على مستوى القدرات الصّاروخيّة الدّقيقة وغير الدّقيقة والطّائرات المسيرة وعلى مستوى القدرات القتاليّة والخبرات النوعيّة كلّ ذلك شكّل صدمةً للعدوّ الصّهيوني وقبله الولايات المتحدة التي لم تؤل جهداً في فرض عقوباتٍ على لبنان لاستهداف المقاومة التي لم تتأثّر بالعقوبات الكرتونيّة بل ازدادت صلابةً وثباتاً ورسوخاً وتمسّكاً بقضية تحرير كامل فلسطين. والمناورة التي أطلقها حزب الله في معسكر بقية الله في جنوب لبنان لم تكن سوى ترجمة عمليّة وتأكيداً على المضي بصلابة وقوّة أكبر لتحرير فلسطين وكامل التّراب المحتلّ.
المناورة التي أعلنت عنها العلاقات الإعلاميّة في حزب الله داعية كلّ وسائل الإعلام استبقتها الولايات المتحدة بحملة اتصالات في لبنان من خلال سفيرتها دوروثي شيا التي بادرت للاتصال بكبار المسؤولين في الدّولة اللّبنانيّة ومن الخارج عبر سفاراتها وديبلوماسييها بحثاً عن تطميناتٍ تخفّف من قلق الكيان الصّهيوني المؤقت وسعياً للحصول على إجابات تبرّد الرّعب الصّهيوني من خلال الحصول على ضمانات أو للحدّ من أهميّة المناورة وتحجيمها ووضعها في إطار السّيطرة وهذا ما لم يتحقّق. فشلت الاتصالات الأمريكيّة وازداد القلق الصّهيوني قبل مناورة (سنعبر) التي نجحت في إيصال رسائلها قبل تنفيذها بيومين واستكملت رفع مستوى الرّسائل في المناورة النّوعية والعلنية التي تعتبر الأقوى منذ تحرير عام 2000 وفقاً لما يلي:
1 – توقيت المناورة وزمانها ومكانها
2 – توجيه رسائل للدّاخل والخارج
3- ترسيخ لمعادلات الانتصار
في النقطة الأولى جاءت المناورة احتفاء بعيدٍ وطنيٍّ عيد المقاومة والتّحرير الذي انتصرت فيه المقاومة على العدوّ الإسرائيلي وأجبرته على الاندحار من جنوب لبنان. وتزامناً مع ذكرى تحرير مدينة القصير من قوى الإرهاب وبعد أسبوع من معركة ثأر الأحرار في فلسطين وعقيب انعقاد القمّة العربيّة في جدّة التي استضافت الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي (الإسرائيلي الجنسيّة)، جاءت المناورة في الزّمان المناسب والمكان ألأنسب من جنوب لبنان في نقطةٍ تبعد بضعة كيلومترات عن حدود فلسطين المحتلّة شارك فيها العديد من الوحدات القتاليّة منها وحدة التّدخّل والرضوان ووحدة الإسناد النّاري وسلاح المسيّرات ووحدة القناصة ومجموعات الاقتحام وغيرها من الوحدات في مناورةٍ تخطّت الدفاع إلى الهجوم وتنفيذ عمليّات اجتياز الحدود ونسف الجدارات الإسمنتيّة وأسر جنودٍ إسرائيليين واقتحام معابر ومستوطنات صهيونيّة بالذّخيرة الحيّة. كلّ ذلك يؤكّد عمليّاً مدى استعداد المقاومة وجهوزيّتها لأيّ عدوان إسرائيلي في رسالةٍ مباشرة إلى (إسرائيل) عبّر عنها رئيس الهيئة التنفيذيّة في حزب الله السيّد هاشم صفي الدين في كلمته في اختتام المناورة مهدّداً العدوّ قائلاً: إذا فكّرتم يومًا في توسيع عدوانكم لتغيير المعادلة، فاعلموا أنّ بلدكم بأكمله سيُضرب بوابلٍ من الصّواريخ الدّقيقة ومزرعة شبعا وجبال كفر شوبا والجزء اللّبناني من بلدة الغجر ستعود إلينا وإلى سيطرتنا. وفي إشارة لتعدّد الجبهات في مواجهة العدوّ الإسرائيلي قال السيد صفي الدين نقول للإسرائيليين أنّهم إذا فكّروا في توسيع دائرة القصف، فإنّ غزة مستعدةٌ للرّد على الجيش في وسائل لم تعتقدوا أنّكم ستواجهونها.
تهديدات سرعان ما قرأها العدو مدركاً جديتها وأبعادها فوفقاً لما نقلته قناة كان العبريّة على لسان المراسل العسكريّ روي شارون أنّ رئيس شعبة الاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة (امان) اللواء «أهارون هاليفا» لديه معلوماتٌ استخباريّةٌ عن خطّة يعدّ لها نصرالله أكبر من ذلك بكثير، وإذا خرجت لحيز التنفيذ فقد تتسبّب فعلاً بحربٍ كبيرةٍ في المنطقة، لذا قام بتهديد نصر الله وتحذيره من الإقدام على أيّة عمليّة تستهدف الكيان. تهديدات هاليفا والمسؤولين الصهاينة التي ارتفعت وتيرتها لم تنتج إلّا المزيد من الخيبات التي شاهدناها مؤخّراً في معركة ثأر الأحرار فهي لن تمنع عن المستوطنات الصّهيونيّة صليات الصّواريخ ولن تمدّ بعمر الكيان الصّهيوني المؤقّت فرسائل المناورات واضحة وثابتة للدّاخل والخارج. أمّا رسالة الداخل فهي تثبيت لمعادلة الانتصار الذّهبية الجيش والشّعب والمقاومة ورسائل للخارج تقول بأنّ المقاومة ماضية على حماية لبنان وسيادته ولن تتخلى عن سلاحها لا بموجب إجماعٍ (عربيٍّ) ولا أمميّ وإنّ هذا السّلاح باقٍ حتّى تحرير فلسطين كلّ فلسطين.