تتعدد أسباب التوترات بين السعودية والولايات المتحدة، وترجع مصادر صحفية غربية ذلك إلى قرار السعودية في أوبك بلس، وتوسيع تعاونها مع الصين وروسيا، ثم استعادة علاقاتها بطهران وتغيير في سلوكها اتجاه سوريا، كذلك محاولتها إيجاد مخارج لأزمتها في اليمن دفعتها إلى التفاوض المباشر مع صنعاء، وبالطبع تطور العلاقة مع بكين.
لطالما كان « السلوك السعودي» المستجد محط المراقبة الأميركية، خصوصا مع اعلان الرياض استعادة العلاقة مع طهران ورد الفعل الإسرائيلي عليها، وسط تأكيدات بأن الرياض جمدت مرحليا مساعي التطبيع مع تل أبيب والذي تقوده واشنطن.
بداية، علق الأميركيون من بعيد حول مجمل القضايا، باستثناء اليمن حيث حضر مبعوثهم إلى المنطقة لعرقلة الجهود والتذكير بالمحرمات الأميركية التي لا يجب تخطيها.
اليوم، يصل مستشار الأمن القومي الأميركي «جيك سوليفان» إلى الرياض، وحسب ما هو معلن سيلتقي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
ما صرح به سلوفيان يبين أن الزيارة تحمل عناوين ثلاثة: ايران – اليمن – التطبيع.
يقول سوليفان إنهم يرون مساعي للتطبيع بين الرياض وتل أبيب، وأن التوصل إلى علاقة بين الجانبين هو مصلحة أمن قومي أميركي وهو أمر معلن. ولعل تصريحه في هذا الصدد يبين أن إعادة وضع مباحثات التطبيع على السكة هو العنوان، لاعتبارات عدة أبرزها تبديد المخاوف الإسرائيلية.
من الواضح أن واشنطن قد لا تضغط بشكل كبير على الرياض من أجل فك العلاقة المستجدة، ولو بحدود معينة، مع طهران، لكنها ستدفع نحو التطبيع مع الكيان المؤقت عبر تشجيع المملكة على الموازنة بين علاقات تربطها بإيران وأخرى بتل أبيب، على غرار السلوك الإمارات في هذا الشأن، إذ تربط الأخيرة علاقات جيدة بطهران، في مقابل علاقات بالكيان الإسرائيلي توصف بالجيدة أيضًا.
على جبهة اليمن، من الواضح أن الأميركيين نجحوا حتى الساعة في وقف اندفاعة الرياض نحو تسليم كامل في الملف الإنساني، وهو ما تعبر عنه صنعاء بتلمسها مماطلة سعودية من جهة، ومحاولة أميركية للدفع نحو التصعيد من جهة أخرى، وهو ما من شأنه أن يفجر الأوضع في المنطقة ككل.
وعليه، قد يدفع سوليفان نحو مزيد من التصلب السعودي في هذا الصدد، لاعتبار أن الاعتراف بشرعية صنعاء، سيضر بمصالح استراتيجية للولايات المتحدة الأميركية، التي تسعى إلى إبقاء يد لها في هذا البلد.
لكن يبقى الأهم، وهو غير معلن، هو محاولة وقف السياسة السعودية المستجدة القائمة على محاولة الموازنة في العلاقات بين الشرق (الصين – روسيا) وبين الغرب على رأسه واشنطن، إذ أن ما يهم واشنطن في هذ المرحلة هو عدم السماح لبكين بأخذ دور في المنطقة يخولها حل بعض الأزمات، من جهة، ومن جهة أخرى عدم السماح لها في إيجاد مساحة تنافسية فيما تراه الولايات المتحدة حقا لها مع دول هامة في منطقة غرب آسيا وعلى رأسها السعودية.
في المحصلة، ووفق المعلن، من الواضح أن التحرك الأميركي قد يدفع نحو «فرملة» التوجه السعودي نحو حلحلة في بعض الملفات الإقليمية، وضمان عدم وقف مسار «التطبيع» مع الكيان الإسرائيلي، وهو ما يمكن لمس نتائجه من خلال السعودية نفسها في المرحلة المقبلة.