خليل المعلمي
يعتبر العرب من أكثر وأقدم الشعوب التي استخدمت الأمثال للتعبير عن واقعهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي والنفسي، ولهذا فإن الشعوب على مر الأزمان تختزل خلاصة خبراتها وتجاربها في الحياة ببضع كلمات قليلة تسميها «الأمثال الشعبية“ التي عادة ما يتذكرها كبار السن في المناسبات والمواقف الهزلية والجادة وتنقل من جيل لآخر شفهياً، ولأن كل مثل يحمل دلالة ومعنى وفقا للزمان والمكان الذي ظهر فيه، كان للأكاديميين والمؤرخين دور مهم في ربطه بسياقه وهو ما سعى إليه الباحث المصري حارص عمار النقيب في كتابه «الأمثال الشعبية وعلم الجغرافيا».
الكتاب صادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن سلسلة «الثقافة الشعبية»، ويقع في 208 صفحات من القطع المتوسط تشمل فصلين رئيسيين أولهما يربط بين الأمثال الشعبية والجغرافيا البشرية، والثاني يربط بين الأمثال الشعبية والجغرافيا الطبيعية مع مقدمة وملحقين.
ويوضح الكتاب في البداية أن المثل الشعبي يعد «خلاصة خبرات وتجارب الشعوب عبر الزمان ويستخدمها الناس على اختلاف طبقاتهم للتعبير عن الموقف الراهن أو الواقع الحالي، أو لحض الناس على فعل شيء ما أو لمنعهم من إتيان شيء آخر».
ثم يلقي الضوء على مكانة الأمثال لدى الشعوب العربية فيقول إن «العرب من أكثر وأقدم الشعوب التي استخدمت الأمثال للتعبير عن واقعهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي والنفسي، أو لتعليم أبنائهم، ومن هنا اكتسب المثل أهمية كبرى في حياة الإنسان العربي، بالإضافة إلى ذلك قد يكون المثل مخزناً لبعض وقائع العرب وتاريخهم».
وينطلق المؤلف ليسرد الخصائص العامة للأمثال الشعبية ومنها الإيجاز والأصالة والواقعية والبلاغة والموسيقى، والعلاقة بينها وبين الحكايات الشفهية والسير الشعبية والملاحم والقصص الغنائية الشعرية.
يشرح المؤلف في الفصل الأول «الأمثال الشعبية والجغرافيا البشرية» كيفية تصنيف الجغرافيا البشرية من حيث طبيعة المجتمعات سواء ريفية أو حضرية وأنشطتها الاقتصادية من زراعة وتجارة وصناعة وصيد وانعكاس كل هذا على الأمثال الشعبية.
ومن الأمثلة الواردة في هذا الفصل المتعلقة بالجغرافيا الصناعية «صنعة الحدادة كلها سعادة» و«إدي العيش لخبازه ولو يأكل نصه» و«الكسل آخرته فشل» وهي أمثال يراد بها الإشارة إلى أهمية وضرورة الخبرة في العمل.
ثم ينتقل المؤلف إلى جغرافيا التجارة وعلاقتها بالأمثال الشعبية مدللاً على هذه العلاقة بأمثال مثل «التجارة شطارة» و«إذا لقيت الغالي في السوق تمنه» و«الحلو غالي»، والوحش رخيص».
كما يتطرق إلى الجغرافيا الثقافية التي تفرز أحيانا أمثالا شعبية على لسان أبناء الدولة أو الشعب نفسه الذي قيل فيه المثل أو على لسان شعوب أخرى من واقع خبرتها عن هذا الشعب ومنها المثل البولندي «كُل في بولندا، واشرب في هنغاريا، ونم في ألمانيا، وغازل في إيطاليا».
ويتطرق المؤلف للجغرافيا الدينية وعلاقتها بالأمثال الشعبية فيقول «هناك العديد من الأمثال الشعبية التي يتضح من خلالها دور الدين والبيئة المحيطة بالإنسان في صياغتها، وهو ما يعرف بالجغرافيا الدينية»، ويورد أمثلة منها «اللي يحبه ربه يحبب فيه خلقه»، و«جاك الموت يا تارك الصلاة»، و«الأرزاق بيد الله».
وفي ما يتعلق بالجغرافيا الطبية التي يورد المؤلف تعريفات لها من بينها دراسة العوامل الجغرافية وتأثيرها في الصحة والمرض وارتباطها بالأمثال الشعبية فيعرض بعضا منها مثل «اتغدى واتمدّى ولو دقيقتين، واتعشى واتمشى ولو ساعتين»، و«درهم وقاية ولا قنطار علاج»، و«سهر الليل يهد الحيل».
وفي الفصل الثاني من الكتاب «الأمثال الشعبية والجغرافيا الطبيعية» يقول المؤلف إن الإنسان أثناء تعامله مع عناصر الجغرافيا الطبيعية المختلفة التي تشمل أغلفة سطح الأرض الصخري والمائي والجوي والحيوي، اكتسب العديد من الخبرات التي صاغها على هيئة حكايات خرافية وأساطير وحكم وأمثال شعبية.
ومن بين الأمثال الشعبية العربية التي تناولت جغرافيا التضاريس ومظاهر السطح «أثقل من جبل» الذي يربط بين أحد مظاهر السطح والحالة النفسية للإنسان، و«خد من التل يختل»، ويربط بين الإسراف وأحد مظاهر السطح المنتشرة في العالم العربي وهي التلال.
أما الأمثال الغربية التي تناولت جغرافيا التضاريس ومظاهر السطح، فمنها «البحار الهادئة لا تصنع بحاراً ماهراً»، و«الفقير على الأرض أفضل من الغني في البحر»، و«النساء كالبحر لا يدمن على حال».
أما عن علاقة الأمثال الشعبية وعلاقتها بالجغرافيا المناخية، فيقول المؤلف إن الأمثال ارتبطت بالتغييرات الجوية مثل لون السماء وحركات الغيوم واتجاه وقوة الريح، ومن هذه الأمثال «اللي تجيبه الريح يضيعه المطر»، و«النهار له عينين»، و«برد الصيف أحد من السيف».
رابط آخر يضيفه المؤلف بين الأمثال الشعبية وما يصنفها بالجغرافيا الحيوية التي تشمل كل ما يحيط بالإنسان من نبات وحيوان، وهنا يشير إلى أن العديد من الأمثال أضفت على البشر بعض صفات الحيوان سواء كانت طيبة أو شرا وخصائص النباتات البرية والمثمرة، ومن هذه الأمثال «إن غاب القط العب يا فار»، و«الطيور على أشكالها تقع» و«الحداية ما ترميش كتاكيت».