التفاوض ومصالح اليمن المرسلة

يكتبها اليوم / عبدالرحمن مراد

 

وصل المفاوض إلى صنعاء، وكان لا بد له أن يأتي إلى صنعاء كنتيجة منطقية لحصاد ثمانية أعوام من الصمود والمواجهات , ويجري الحوار على السلام وعلى هدنة طويلة الأمد , تفضي – وفق التسريبات الإعلامية – إلى حوار وطني وتسوية سياسية , وثمة متغير مقروء في السياسة السعودية في اليمن وسوريا ومع إيران وفي الإقليم بشكل كلي , وايران هي الدولة التي كانت تتخذ منها عدواً ومبرراً لتدمير البلدان , هذا المتغير في السياسة يفترض أن يتعبه متغير أخلاقي , فالشجاعة الأخلاقية في الاعتراف بالذنوب المرتكبة في حق الشعوب والبلدان العربية الإسلامية هي البداية الحقيقية لواقع أجد, إن رغبت المملكة في تجديد سياستها بما يحقق المصالح المرسلة للمسلمين على وجه العموم لا الخصوص وبما يحفظ للأمة كرامتها ويحفظ لها حقوقها وسيادتها وحريتها واستقلالها وقوتها وتأثيرها في المسار الدولي , وفي النظام الدولي المتعدد الأقطاب الذي بدأ يعلن عن نفسه اليوم .

ولذلك نقول أن من ظن في نفسه القدرة والذكاء على دفع فطرة الله والتجديف ضد سننه فقد وقع في الخطأ ولا سبيل لكل الماضي الذي كان في قوة ورخاء ونعيم إلا التكيف مع الجديد والتفاعل مع أدواته وعلائقه وبصورة أكثر تناغماً , وأكثر إدراكاً له, أما سبيل الدم ومفردات الدمار والفناء فلن يكون إلا سبيلاً خاسراً, فالدلالة الرمزية إلى المسارعة إلى دار النعيم والخلود ليست بإراقة الدم , ولكن بالعمل وبالابتكارات الإبداعية التي تحمل نفعاً للبشرية لا دماراً لها , ولا أظن اليمن التي شهدت كل ذلك الدم المراق على ترابها بحاجة إلى المزيد منه, ولكنها بحاجة إلى الحياة والاستقرار والأمن من الخوف وكذا الأمن من الجوع, ولن يتحقق لها ذلك طالما ظل كل طرف سياسي يتربص بالآخر الدوائر, وطالما ظل الاستقرار حالة جدلية تديرها ردود الأفعال والشعور الطاغي بالخوف من الآخر , وطالما كان هناك عدو لا يريد لها الخير والنماء والازدهار.

من الخصائص الجوهرية للإسلام أنه أشتغل على اليقين وعلى السلام وهما خاصيتان لو تحولتا إلى ثقافة لأصبحنا أمة ذات شأن عظيم بيد أننا أهملناهما وانشغلنا بالصغائر , ولو انشغلت عليهما الأطراف السياسية اليمنية التي تناصب اليمن العداء وتجلب له الأعداء من كل أصقاع الأرض لتقوم بتدميره , لأصبح اليمن ذا شأن عظيم , متصل الحلقات بماضيه الحضاري , وقادر على التفاعل مع المقومات الحضارية والثقافية الحديثة , يعي لحظته الجديدة, ويؤمن بالتعدد , وبحرية الآخر , وحقه في الحياة والعيش الكريم.

فاليمن يعيش وضعا لا يحسد عليه , فالأطراف السياسية التي كان يفترض بها أن تكون عونا له ومخلصة الولاء , أصبحت عبئا عليه وعلى المرحلة والاستقرار وعلى عملية الانتقال في حد ذاتها , فالصراع على الأرض ونتائجه يكاد أن ينحرف بمسار أي تسوية سياسية , ذلك لأن بعض الأطراف تحاول أن تستغرق نفسها في مشروع الاستهداف لليمن، وقد أصبحت جزءا بل أداة من أدوات الاستهداف الذي تديره قوى العدوان على اليمن , والاستغراق في الحالات الانفعالية قد يفضي إلى المزالق الخطرة والمدمرة , والذين وقعوا تحت حالة (عمه الطغيان) لم يفكروا بالعودة إلى حالة الاستقرار النفسي وتغليب العقل والحكمة والمصلحة الوطنية العليا , فالثأر السياسي الذي تمارسه بعض الأطراف السياسية لم يخرج من دائرة الطغيان ودائرة العنف إلى دائرة العقلنة التي يجب أن تكون سمة غالبة في المراحل التي يهددها الانهيار واختلال القانون العام والطبيعي.

اليوم وفي هذا العام وصل عمه الطغيان إلى الاشتغال على فكرة الشتات والتمزق، وهي ظاهرة كان لها ما يماثلها في عقد الستينيات من القرن الماضي اشتغل عليها عبدالرحمن البيضاني عام 1963م، وهي فكرة القحطانية والعدنانية التي تعود إلى المشهد الوطني عن طريق الدراما الممولة خليجيا تحت ظلال مشروع الرياح الباردة وينساق اليها تيار الإخوان .

هناك من يشتغل على التفكيك في النسيج الوطني ولا بد أن نستنفر الطاقات لمواجهة الحرب الناعمة فهي الأشد خطرا على أمن واستقرار اليمن من الحرب العسكرية , وتبث بعض القنوات دراما تركية تشتغل على فكرة الطائفية وتناقش فكرة الخلافة وهي الفكرة البديلة لمشروع الشرق الأوسط الجديد وهو مشروع يقوم على فكرة تقسيم الجغرافيا العربية على أسس عرقية وطائفية وثقافية وهو عمل ما يزال في طور التشكل لكن مؤشراته أصبحت مقروءة في الواقع وفي تفاعلاته المختلفة .

كل المؤشرات التي تبعث رموزها اليوم تقول أن الحرب العسكرية شارفت على نهايتها من خلال الحركة الدؤوبة والرغبة الجامحة في التفاوض لدول العدوان , ولعل المعركة تتجه صوب مكان آخر وهو مكان إذا لم نتنبه له في هذه المرحلة ونعد له العدة فقد ينفذ العدو من خلاله، ويحقق من خلاله ما عجز عن تحقيقه بالعمليات العسكرية , فتفعيل دور الجبهة الثقافية في مستوياتها المتعددة ووفق رؤى واستراتيجيات واضحة أصبح ضرورة، وعلينا الاشتغال على هذا البعد بما يجعل العدو يقف عاجزا عن بلوغ غاياته.

كل مرحلة لها ظروفها ولها أدواتها والتفكير هو سبيلنا لبلوغ الغايات كما أن معالجة الاختلالات في زمنها وبما يتسق والمصالح المرسلة للبلد هو المعيار الذي يفترض بنا محاكمة الأحوال والتفاعلات من خلاله , والتركيز على الوعي والأخلاق من الأساسيات التي تتطلبها المرحلة .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا