حركة (الجهاد الإسلامي في فلسطين) هي حركة حديثة الولادة، وجدت في ظروف استثنائية لتعبر عن إرادة شريحة واسعة من أبناء فلسطين والأمة العربية، ولتأخذ مكانها في مقاومة الاحتلال (الصهيوني) الذي أثبتت الأحداث والمسارات والتداعيات أن هذا العدو لا يعرف سوى لغة القوة وأنه لا يؤمن بحوار ولا مفاوضات ولا يحترم عهوداً أو مواثيق، ومن الغباء أن نحاور أو نفاوض (عدوا) احتل وطناً وشرد شعباً، وأسلافه ظلوا يحاورون (الله سبحانه وتعالى أربعين عاما على شان بقرة).
ومن السذاجة إبرام عقود ومعاهدات مع (عدو) أجداده نكثوا العهود مع الله وتنكروا لكل نعمه التي أنعمها عليهم..
حركة الجهاد الإسلامي وبغض النظر عن معتقداتها الايديولوجية يكفينا منها إيمانها بالبندقية كوسيلة وحيدة للحوار مع هذا العدو، غير أن لهذه الحركة منجزات خارجة عن الدور المقاوم والتخندق في مواجهة العدو، لكن ما يعنينا هو النموذج الذي تقدمه هذه الحركة الوليدة وتفتقده أعرق الفعاليات الحزبية العربية يسارية كانت أو قومية أو إسلامية، هذه الحركة التي أسسها الشهيد فتحي الشقاقي، ثم تزعمها المرحوم عبد الله شلح، ليخلفه بعد رحيله وعن طريق الانتخابات المناضل زياد النخالة، الذي أعيد انتخابه لفترة ثانية عن طريق انتخابات ديمقراطية شارك فيها أعضاء الحركة من أبناء شعبنا العربي في فلسطين وخارجها في خطوة تعبر عن مدى الوعي الذي يستوطن قادة وأعضاء وكوادر هذه الحركة الذين لم تمنعهم الظروف الاستثنائية التي يعيشون ويتحركون فيها وايديهم على الزناد ورؤوسهم مطلوبة لمقصلة الجلاد الصهيوني، ومع ذلك تجدهم متمسكين بالاطر الديمقراطية وممارستها وتجديد الدماء في مفاصلها وهو ما لم يحدث ولم نجد له مثيلا في أوساط الأحزاب والفعاليات العربية يسارية كانت أم قومية وهي التي تطربنا عن الحرية والديمقراطية والتقدم والتطور وقادتها على رأسها من المهد إلى اللحد..!
ومبرراتهم دائما هي أننا نواجه أنظمة قمعية وأجهزة أمنية ونكاية بهذه الأنظمة فلنتمسك بقادتنا..؟!
وهل ثمة خطر يتماهي مع الخطر (الصهيوني) وهذه الحركة تخوض معاركها اليومية معه وعلى مختلف المستويات والجبهات..؟
ومع ذلك تمارس الحركة الانتخابات الديمقراطية وبسلاسة وتجدد دماء قادتها، وتقدم أروع وانبل النماذج في التربية والسلوك والخيارات وتعبر عن حقيقة تماسك هذه الحركة وتلاحم لحمتها وترابط هيكلها التنظيمي بحيث يصعب اختراق هذه الحركة أو النيل منها، ومن أين سيأتي الاختراق إن كانت الحركة قائمة على رأي وموقف وقاعدة ملتحمة مع القيادة في تناغم أساسه القناعات والإخلاص والإيمان بوحدة الهدف والمصير؟ مدركين بوعي عميق دورهم ورسالتهم وأهمية وضرورة تلاحمهم في مواجهة عدو متغطرس لا يرحم ولا يعرف قيماً ولا أخلاقيات ولا يمكن تطويعه بالاتفاقيات ولا يمكن أن تنال منه شيئا بالحوار والمفاوضات؟
إن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين تقدم نموذجا للعمل السياسي والحزبي، وتقدم دروسا يفترض أن يخجل منها أولئك (الديناصورات) المتربعين على هرم الأحزاب والفعاليات العربية اليسارية والقومية التي رغم إفلاسها وأجدابها لا تزال متمسكة بمواقعها وكأنها تتربع على أملاك خاصة ورثتها عن أبائها وأجدادها ودون أن يقوى أي كان من أعضائها وإن كانوا في مراتب قيادية متقدمة أن يناقشوا مثل هذه الأمور أو يتحدثوا عن الانتخابات والتغيير مثلهم مثل الأنظمة التي يزعمون أنهم ينشطون في مواجهتها..؟!
إن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين ورغم عمرها القصير إلا أنها تقدم نماذج رائعة في إثبات ذاتها وهويتها ومشروعها النضالي المقاوم الذي بدوره أحدث إرباكا في مخطط العدو وأجنداته وحساباته لتتحول الحركة وخلال زمن قصير إلى رقم صعب في ميدان المقاومة والجهاد ويحسب لها العدو بكل غطرسته وقوته الكثير من الحسابات، فيما الحركة بمواقفها وأهدافها ومشروعها الوطني والجهادي المقاوم تضع نفسها بكل ثقة واقتدار ندا لهذا العدو، وما كان هذا ليتحقق لولا هذا الوعي الفكري والثقافي المقاوم الذي تتحلى به الحركة، الحريصة على تجديد دماء قادتها وتحديث مفاصلها بحرية وديمقراطية وقناعة واقتناع وفعل كهذا يعزز وحدة الحركة ويقوي من صلابتها ويجعلها عصية على الاختراق والتطويع والانكسار، ويجعل النصر لها حتميا.
تحية إجلال وتقدير لرواد العمل العربي المقاوم، تحية لكل قادة وكوادر وأعضاء حركة الجهاد الإسلامي داخل فلسطين العربية وفي بلدان الشتات، راجيا من الله أن يمنح فعالياتنا وأحزابنا العربية اليسارية والقومية المتناثرة على الجغرافياً القومية من المحيط إلى الخليج، قدراً من الخجل ليقتدوا بحركة الجهاد والنماذج التي تقدمها إن رغبوا فعلا أن يساهموا في إصلاح حال الأمة، مع أنني مؤمن أن فاقد الشيء لا يعطيه، ومن فشل وأخفق في تحديث ذاته وتجديد دماء مكوناته من أين له أن يغير أنظمة أو يقود الأمة نحو الأفضل؟
Prev Post
Next Post