إذاً دعونا نتساءل عن المسافة التي تفصل أمريكا عن يوغسلافيا، وعن أفغانستان، والعراق، وليبيا، وسوريا، واليمن،؟!
دول ذات سيادة وحضارة وعراقة تاريخية وموروثات ثقافية، دول بعض ابنيتها وجدت قبل أن توجد أمريكا والكثير من حلفائها عربا كانوا أو عجما بآلاف السنين.. وتبعد هذه الدول آلاف الكيلو مترات عن أمريكا التي غزتها ودمرتها بذرية الدفاع عن (الأمن القومي الأمريكي)!!
وهذا عمل مشروع لأمريكا، لكن لا يجوز لروسيا أن تدافع عن أمنها القومي من عدو يتربص على أبوابها.. عدو لم تذهب روسيا للبحث عنه خلف المحيطات، بل هو من زرع على أبوابها..!
أوكرانيا كشفت بأحداثها أن أمريكا وحدها من يحق لها أن تغزو أي بلد وتدمر وتسقط نظامه وتحاكم قادته وتعدمهم بكل غطرسة وغرور، ولا يجب على أحد أن يعترض على ممارستها لأنها تقوم بعمل ( إنساني وحضاري وديمقراطي)..؟!
أعرف أن أنظمة الغرب بكل أشكالها مجرد أتباع لأمريكا مثلها مثل بعض أنظمة (العهر العربي) ولا يختلف عنها إلا بشيء واحد، وهو أن أمريكا تهين الأنظمة الغربية سرا فيما تهين اتباعها من الأنظمة العربية علنا..!
وهي تبتز الغرب تحت الطاولة، وتبتز حلفاءها العرب من فوق الطاولة وبكل سفور ووقاحة..!
أمريكا في أوكرانيا لا تدافع عن أوكرانيا ولا عن شعبها ولا عن سيادة أوكرانيا، ومعها حلفاؤها الأوروبيون، لكنها فعليا تدافع عن مكانتها وعن عرش الغطرسة الذي لا تريد النزول من عليه، تريد أن تبقى (سيدة مبجلة) تأمر فتطاع، تغزو فيصفق لها، تقتل شعوب العالم بذريعة تحريرها من (الديكتاتورية)!
أمريكا في أوكرانيا تحارب من تجرأ على مس هيبتها ومن يسير في طريق تجريدها من (صولجان الغطرسة والتوحش)!
روسيا في عملياتها العسكرية أيضا لا تحارب نظام أوكرانيا بل تحارب الإرهاب، ولا فرق هنا بين (أمريكا) وتنظيمي (القاعدة وداعش)، فجميعهم إرهابيون، ولكن كل بحسب قدرته ونفوذه..!
الفرق هنا أن دافع العملية العسكرية الروسية هو حماية أمنها وسلامة مواطنيها والناطقين بلغتها من عنصرية واستبداد نظام (نازي) تم تنصيبه ليكون بمثابة حربة مسمومة على الخاصرة الروسية، وقد استخدمته أمريكا – كما استخدمت إلى جانبه دول الترويكا الأوروبية، لتجعل منهم عبارة عن (رهائن) تهدد بهم روسيا، وهنا تقول أمريكا لروسيا لن نتواجه معكم بل سنجعل هؤلاء يواجهونكم نيابة عنا ونحن سنبيع لهم السلاح والثمن..! سوف نكسبه من عائدات أسعار الغاز الذي نبيعه لأوروبا بأسعار مرتفعة بعد أن كانوا يستوردون منكم الغاز بأسعار رخيصة؟ لهذا فجّرت خطوط نقل الغاز لأوروبا بعملية إرهابية لا يأتي بها سوى إرهابي محترف..!
إذاً لا شيء اسمه (قانون دولي) ولا شيء اسمه (سيادة الدول) ولا كرامة الشعوب، وفق المنطق الأمريكي، بل هناك قانون واحد وحيد تحاول أمريكا في أوكرانيا أن لا يتغير، وأن لا يتجاوزه المجتمع الدولي وهو قانون أمريكا..!
أمريكا التي بدأت حياتها بسرقة مواطني أفريقيا وتحويلهم إلى (عبيد) تتاجر بهم في أسواق النخاسة واستغلتهم لتعميرها في قطاع العمران والإنشاءات والزراعة وبالسخرة، هي اليوم تواصل مهنتها القديمة _الجديدة، وهي (السرقة) ولكن هذه المرة تسرق ثروات الشعوب، فهي سرقت ثروات العراق ولا تزال، بل أود الإشارة هنا إلى أن عائدات بيع النفط العراقي تورد للبنك الاتحادي الأمريكي حتى اللحظة، وحتى اللحظة ترفض أمريكا تحويل هذه العائدات للمصرف المركزي العراقي بذريعة أن النظام في العراق (فاسد) وغير مأمون على أموال شعبه..!
وكما تسرق ثروات ليبيا، تسرق وتنهب ثروات سوريا النفطية، بل حتى محاصيل القمح السوري لم تسلم من سرقة واشنطن، وإن أخفقت في سرقة محصول القمح تقوم بإحراقه في الحقول..!
ولم يكن عدوانها على اليمن خارج نطاق هذه المهنة وهي (السرقة) لثروات شعبنا، والدليل أنها أنزلت طلائع من قواتها على سواحل المحافظات النفطية وتعمل على عرقلة أي حل للأزمة في اليمن وتمنع مرتزقتها من قبول الحوار والالتقاء مع أبناء وطنهم، وتطيل أمد الأزمة، رغبة منها في إيجاد وسيلة تمكنها من سرقة ثروات اليمن والسيطرة عليها..!
وفي اليمن تريد أمريكا تطبيق ذات النظرية التي طبقتها منذ عام 1945م، مع مشيخات ومحميات الخليج وهي السيطرة على ثرواتها تنقيبا واستخراجا وتسويقا عبر شركاتها واقتطاع نسبة من عوائدها لتذهب دعما سريا وغير معلن (للكيان الصهيوني)، فيما بقية العوائد تورد لبنوكها مقابل تصدير كل احتياجات هذه المشيخات من الكماليات والأسلحة والسلع الاستهلاكية حتى أن فاتورة الأسلحة الأمريكية المصدرة لهذه المشيخات تقدر بالتريليونات رغم أن هذه المشيخات لم تخض يوما حربا غير حروبها ضد الشعب اليمني..!
لقد ربطت أمريكا استقرار ورفاهية المحميات الخليجية بسيطرتها المطلقة عليها، وبقبولها استقطاع نسبة من عوائد ثرواتها لصالح (الصهاينة)، وهذا الاتفاق هو حصيلة تفاهم جرى بين الرئيس الأمريكي ومؤسس النظام السعودي الذي طالت خيراته (المنظمات الصهيونية) التي ارتكبت مذابح بحق الشعب العربي في فلسطين قبل قيام الكيان رسميا عام 1948م..!
إن أمريكا هي دولة إرهابية وثقافتها أيضا وسلوكها، وهذه الثقافة انعكست على سلوك مواطنيها الذين يتساقطون يوميا على امتداد جغرافيتها، ولهذا هي في أوكرانيا تدافع عن مهنتها في ممارسة الإرهاب بحق العالم وفي سبيل الإبقاء على دورها في سرقة ثروات الشعوب سواء كانت تحت الأرض أو في أعماق البحار أو حتى في بنوكها، حيث لا تتردد في مصادرة أموال دول وشعوب وأفراد، كما حصل مؤخرا مع الأرصدة الروسية وقبلها أرصدة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأرصدة الجماهيرية الليبية، وحتى أرصدة أفغانستان التي دمرتها أمريكا والغرب وصادرتها بعد عقدين من احتلالها لأفغانستان في حرب ضد (طالبان) وفي النهاية خرجت منها وسلمت السلطة لأعدائها الذين حاربتهم لعقدين.!
ومع كل هذه الممارسات الإجرامية التي تمارسها أمريكا فإن العالم بكل دوله ومنظماته ومنظومته يمارس من ( النفاق أرذله) ومن ( الانحطاط أقبحه)، ليس حبا بأمريكا، بل خوفا من غضبها وهو الخوف الذي أصبح لدى بعض العرب يتجاوز خوفهم من (الله سبحانه وتعالى)، لدرجة أن بعضهم يرى أمريكا وكأنها هي ( إله الكون لا شريك لها)..!
ولكن إلى حين، وكما أن كل شيء يبدأ بالأفول إذا بلغ ذروته، فإن هذه ( الدولة المارقة) – كما وصفها أحد مفكريها وهو (نعوم تشومسكي) – تسير في طريق الأفول والانهيار وكثيرة هي الشواهد الدالة على ذلك.. لكن يبقى الأمر مرهونا بعامل الوقت وبنتيجة المواجهة في أوكرانيا التي ستحدد مصير ومكانة ومستقبل أمريكا وهيمنتها على العالم.
Next Post