كثيرة هي المعطيات والحقائق التي تؤكد أن (الكيان الصهيوني) يعيش اليوم في أسوأ مراحله وأنه يواجه خطرا وجوديا حقيقيا وأزمة هوية وانتماء وحالة اغتراب تستوطن الكثير من مستوطنيه الذين بدأ الكثيرون منهم بهجرة عكسية، أي مغادرة الكيان لدول غربية وأمريكا، بعد أن اقتنعوا أن هذا الكيان ليس وطنهم المزعوم، في ذات السياق يعيش مستوطنو هذا الكيان حالة استلاب وانسلاخ عن هويتهم تماما كما هو حال بعض المحسوبين على أمتنا الذين تنكروا لكل قضايا الأمة كما تنكروا لكرامتهم وعقيدتهم ومعتقداتهم الثقافية والحضارية، إذ لم يعد في هذا (الكيان) ذاك الصهيوني الذي جاء في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي وهو مسكون بكل حماس للانتماء لـ(أرض الميعاد _وشعب الله المختار) وكأنهم بحالتهم الراهنة يجسدون قول الله تعالى (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ) صدق الله العظيم.. نعم كما نعاني نحن في أمتنا من هذا الاستلاب والتنكر لكل قضايا أمتنا، هم بالمقابل يعيشون ذات الحالة ولم يعد ثمة ما يشغلهم غير الرغبة في حياة يحلمون بها ليس فيها منغصات ولا جيش ولا تجنيد ولا دفاع عن أرض الميعاد باستثناء قلة (صهيونية) مؤدلجة ومتعصبة يتماهون في ثقافتهم وأفكارهم مع ثقافة وأفكار (منتسبي داعش وجماعة التكفيريين المتعددي الأسماء) الذين بدورهم يقومون بخدمة هذا الكيان ويشرعنون لوجوده..!
نعم يعيش الكيان الصهيوني في أزمة وجودية غير مسبوقة وكل ممارساته اليوم تدل على عجزه وهشاشته وإخفاقه في توحيد هوية المجتمع الصهيوني وتعزيز ثقافة الانتماء لهذا الكيان في وجدان وذاكرة جحافل المستوطنين الذين ينتمون لثقافات وهويات ومجتمعات ولغات عديدة يصعب صهرها وتوحيدها لتشكل مجتمعا متجانساً..!
حقائق يمكن استشرافها في لجوء هذا الكيان إلى إبراز ( الجماعات العنصرية الصهيونية) المتطرفة، كتعبير عن أزمة انتماء وأزمة وعي، لذلك يحاول رعاة هذا الكيان إبراز هذه النخب المتطرفة للتغطية عن الأزمة الوجودية التي تعصف بهذا الكيان..!
الأمر الآخر يتمثل في الخطاب التصعيدي لرموز هذا الكيان ومحاولتهم الهروب من استحقاقات الداخل نحو الخارج، كما يحاول رئيس وزراء الكيان الذي استعان بجماعات المتطرفين للتغطية على فساده وخشيته من تربص خصومه، في ذات الوقت يطلق تهديداته النارية باتجاه السلطة الفلسطينية والمقاومة وباتجاه إيران وسوريا والمقاومة اللبنانية، دون أن يخفي تضرعه وتوسله لكسب ود بعض الأنظمة العربية المرتهنة لأمريكا، ويسعى لإقامة علاقة معها بذريعة مواجهة (إيران) وهو يدرك جيدا أنه وكيانه أعجز عن مواجهة إيران إلا باستثناء بعض المناوشات التي يقوم بها عبر أدواته، أو من خلال استهداف سوريا التي ترتبط باستراتيجية توازن القوى وبتحالفاتها مع أقطاب دولية كروسيا والصين وإيران، وهي أيضا في قلب محور المقاومة، وهذه العوامل تجعل ضبط النفس في هذه المرحلة خيارا أمام التخرصات الصهيونية، وهذا لا يعني تجاهل هذه التخرصات الصهيونية التي تجابه بردود فورية ولكن في نطاق مسرح العمليات الجيوسياسية والتي لا يعلن عنها غالبا..
إذاً يسعى (الكيان الصهيوني) وفق نظرية العجز الجديدة التي أعلن عنها والمتمثلة في (استحالة حل الصراع مع الشعب العربي في فلسطين، وبالتالي الحل بنظره خارجي أو سيأتي من الخارج من خلال (التطبيع مع الأنظمة العربية) أولا وبعدها (سيكون الحل ممكنا مع الفلسطينيين في الداخل ) وهذا _لعمري _هو العذر الأقبح من الذنب، والحيلة غير القابلة للتصديق حتى ولو كان الآخرون من العرب الذين يخاطبهم قادة هذا الكيان ليسوا بشرا بل ينتمون (لقطعان من الحمير)..!
ومع ذلك قد ينجح الكيان بحيلته هذه بضغط أمريكي خاصة والنظام السعودي هو هدف الكيان الذي يرى في التطبيع معه نهاية لأزماته وترسيخا لوجوده الاستيطاني في فلسطين..!
وتجاهل هذا الكيان وقادته أن كل الأنظمة العربية التي هرولت إليه دون استثناء بما فيها النظام السعودي، لن تغيرِّ في مسار القضية ولن تحل ازماته الوجودية إن لم يجد المطبعون معه جميعهم ودون استثناء أنفسهم في دوامة من الأزمات قد تقتلعهم من جذورهم بفعل حقائق التاريخ ومسار الأحداث، لأن فلسطين ليست مجرد أرض محتلة، بل هي أعظم وأكبر من هذا المصطلح العابر.. إنها قضية مرتبطة بوجود الأمة بكل عقائدها ومعتقداتها الثقافية والدينية والحضارية والتاريخية..
إذاً.. هل يحقق الكيان هدفه بالتطبيع مع نظام آل سعود، بذريعة مواجهة (إيران)؟! نعلم جميعا أن نظام آل سعود يعد أقرب الأنظمة لهذا الكيان منذ ما قبل تأسيسه، لكنها علاقة قامت (سرية) ودامت وتطورت بـ(سريتها) وهذا يعني أن نقلها لمستوى العلنية فعل غير قابل للتحقق حتى مع نجاح الاستراتيجية الأمريكية _الغربية _الصهيونية، والمتمثلة في إشاعة الفوضى في المحاور العربية الإسلامية وتدمير قدراتها وإدخالها في دوامة الأزمات كما حدث للعراق وسوريا وليبيا واليمن، ولبنان، وإنهاك السلطة الفلسطينية بسلسلة من الضغوطات الأمريكية _الغربية واستهداف إيران بالعقوبات والحصار وأيضا سوريا ولبنان ومحاولة إفقار هذه النطاقات التي تمثل محور المقاومة والدفع بانهيار عملاتها، في مقابل تركيز الثراء الفاحش والترف الطفيلي لدى أنظمة مرتهنة أمريكياً ومنعها من تقديم يد العون، ليس لأقرانها من الأنظمة العربية فحسب، بل منعها من تقديم مساعدات إنسانية للشعب العربي الفلسطيني الذي يرزح تحت نير الاحتلال الاستيطاني الصهيوني العنصري..!
ومع كل ذلك فإن كل هذه المحاولات الاستعمارية ستفشل وستفشل معها كل مؤامرات أنظمة التطبيع بما فيها نظام آل سعود الذي يراهن عليه الصهاينة في إنقاذهم من أزمتهم تحت يافطة (التحالف ضد إيران)..
إيران هذه الجمهورية الإسلامية التي قيضها الله لفلسطين وشعبها بعد أن تخلي بعض العرب عنها ولهذا أرى أن قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ..) صدق الله العظيم.. أقول إن هذه الآية قد قصد بها الله سبحانه وتعالى الجمهورية الإسلامية التي آمنت بعدالة القضية العربية الفلسطينية في زمن كفر فيه بعض العرب بقضيتهم المركزية الأولى..!
ختاما لا تطبيع ولا مطبعون قد يفلحوا في الانتقاص من عدالة قضية يراقب مسارها وتداعياتها الله سبحانه وتعالى من سابع سماء..
ختاما أود أن أذكِّر أنظمة (الذل والانبطاح والتطبيع) وقادتها الباحثين عن حياة الترف والرفاهية أن أعظم مدنهم الزجاجية ثمنها (عبوة ناسفة، أو قنبلة يدوية أو طائرة مسيَّرة أو سيارة مفخخة ) مجرد تفجيرها في شارع ما أو زقاق ما، فهذا كفيل بتحويل هذه المدن الصاخبة إلى مدن أشباح، إن لم تعد لسيرتها الأولى مجرد أكوام من الرمال المتحركة..!