لقد هيَّأ الله البيئة المناسبة والظروف المناسبة لبناء وتأهيل قرين القرآن فكان النموذج الأرقى فمن أهم جوانب سمات شخصية الشهيد القائد -رضوان الله عليه- كان بحق حليف القرآن، ومن القرآن الكريم قدم للأُمَّـة رؤية فريدة مسددة جمعت بين العمق والوضوح والمصداقية وسعة الأفق والفاعلية والتأثير، وكشف بها زيف الأعداء ومكائدهم ومؤامراتهم، وقدم الحل في زمن اللاحل، في عصر الحيرة وعزز الأمل في دنيا اليأس وفي زمن الإحباط.
ولقد كان بحق رجل المرحلة، يعي هذه المرحلة التي يمر بها شعبه وتمر بها أمته عُمُـومًا، يعيها جيِّدًا يعي خطورتها، يعي ما تتطلب هذه المرحلة، يعي تداعياتها ويعي ما يجب أن تكون عليه الأُمَّــة في مواجهة هذا الواقع وفي الخروج منه، وفي مواجهة تلك التداعيات.
وكان بحق رجل المسؤولية، يعي مسؤوليته، ومسؤولية الأُمَّــة من حوله تجاه هذا الواقع المرير، تجاه هذه المرحلة الخطرة، ويحمل روحية المسؤولية بما تحتاج إليه، من عزم ومن إرادَة ومن صدق ومن جد ومن اهتمام ومن وعي ومن إيمان ومن عزيمة.
وكان عالمي الرؤية والاهتمام، كان واسع الأفق، وكان أُمَّـة من الأخلاق والقيم، رجلاً متكاملاً في إيمانه، في وعيه، في أخلاقه، في سؤدده، في قيمه وإدراك الواقع على المستوى العالمي، وعلى مستوى واقع الأُمَّــة، وأدرك بعمق حجم المأساة التي تعيشها أمته، ويعيشها شعبه، وخطورة الوضع، وخطورة المرحلة، شخص المشكلة وقدم الحل في زمن لم نسمع فيه من يقدم الحل، ومرحلة تغلبت عليها حالة اليأس، وغلب فيها الإحباط والحيرة.
لقد جسد عظمة القرآن، وعندما نتأمل في معالم هذه الشخصية الفذة والعظيمة نرى فيه بحق عظمة القرآن الكريم، وأثر القرآن الكريم، ولأنه قرين القرآن، وعاش مع القرآن الكريم، ومن خلال القرآن الكريم قيم هذا الواقع بكله، ونظر إليه النظرة القرآنية، وقيمه التقييم القرآني ولقد نظر للواقع بروح المسؤولية، كان إدراكه للواقع إدراكاً عميقاً وقوياً، فهو استوعب هذا الواقع ونظر إليه بروح المسؤولية، وقليلون من الناس، قليلون من أبناء الأُمَّــة من يهتمون بذلك، لقد كان الواقع العام والحالة السائدة بالنسبة للأُمَّـة هي التجاهل واللامبالاة تجاه هذا الواقع المرير والغفلة الكبيرة عما يحاك لهذه الأُمَّــة من مؤامرات، وما يدبر لها من مكائد.
لقد عاش أبياً وعزيزاً لم يكن يقبل الضيم، وكما قال الله سبحانه وتعالى، (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (المنافقون: الآية ٨)، بإيمانه المتكامل، لا يقبل بالذل ولا يقبل بالهوان، ولا يقبل بالقهر، لا يستسيغ الظلم أبداً، ولا يستسيغ الهوان أبداً، عزيزاً يشعر بالعزة ملء جوانحه، وتدفعه حاله العزة للموقف العزيز والكلام العزيز، تجلت هذه العزة وظهرت في موقفه، في شموخه، في إبائه، في حزمه، في ثباته، في كلامه، في منطقه، فلا مكان عنده أبداً للذل ولا للهوان ولا للقهر ولا للضيم، كان أبياً يأبى الظلم، وهذه من القيم التي غابت إلى حَــدّ كبير في واقع الأُمَّــة، بل أصبحت في تلك المرحلة التي تحَرّك فيها ثقافة الذل والترويج للذل والترويج للقبول بحالة الهوان، والترويج لحالة السكوت أصبحت ثقافة سائدة، وحالة راسخة قائمة.
وكان نهجه نهج الأنبياء في الإحسان وخدمة الناس، من المواصفات والقيم الإيمانية التي كان يتحلى بها -رضوان الله عليه- الإحسان، كان من عباد الله المحسنين، ونهج نهج أنبياء الله وأقتدى بهم في الإحسان إلى الناس، فكان شخصاً ذاب في خدمة الناس وتجاوز نهائيًّا ذاته وأنانيته وواقعه الشخصي، ليعيش بكل فكرة بكل توجّـهه بكل اهتمامه لله وفي الناس، وفي عباد الله، فكان على المستوى الثقافي دائماً يحث على الإحسان، يرشد إلى الإحسان يدعو إلى الإحسان، يرسخ ثقافة الإحسان، ومبدأ الإحسان وسلوك الإحسان، ثم في الواقع العملي يتحَرّك على هذا الأَسَاس، باذلاً كُـلّ جهده وكل ما يستطيع في الإحسان إلى الناس، بكل مظاهر الإحسان على المستوى التربوي التثقيفي والتعليمي والتنويري، على مستوى الخدمة العملية في ما كان يعمله على قدر ما يستطيع، وفي حدود الممكن، كان يتحَرّك بكل رغبة بكل اهتمام للإحسان إلى الناس، والاهتمام بشأن الناس، ويهمه أمر الناس قبل كُـلّ شيء.
الوعي العالي والنظرة الصائبة، من المعالم الأَسَاسية لشخصيته في ما كان يتحلى به من إيمان واع، إيمان حقيقي، إيمان بمبادئ الإيمان وأخلاق الإيمان الوعي العالي والنظرة الصائبة والعميقة، وهذا شيء أَسَاسي بالنسبة للإنسان المؤمن، الإيمان لا يقبل أبداً أن يكون المؤمن أحمقَ أَو غبياً أَو نظرته إلى الواقع نظرة مغلوطة، وهذه لا تنسجم مع الإيمان، لا يمكن أن يكون هناك مؤمن غبي أحمق جاهل بالواقع بعيد عن الحكمة، لا.
ولقد منحه الله كرامات ربانية ومؤهلات قيادية، الخوف من الله، كان على درجة عظيمة وعالية من الخوف من الله سبحانه وتعالى شأنه شأن المؤمنين الكاملين في إيمانهم وفي مقدمتهم أنبياء الله، ثم ورثتهم الحقيقيون الذين نهجوا نهجهم، واقتبسوا من روحيتهم.
كان على درجة عالية من الخوف من الله سبحانه وتعالى، لدرجة أنه لم يعد يخشى إلا الله، ولم يعد يخاف من أحد، ولا يبالي أبداً بسطوة الظالمين والجائرين والمستكبرين، ولا بجبروتهم، ولا بطغيانهم، ولا بهمجيتهم، ولا بإجرامهم، ولا بكل ما يمتلكون من وسائل الظلم والقهر والجبروت، ومن آلة الدمار والتعذيب، لم يعد يكترث بهم ولا يبالي بهم، ولم يخف منهم وكان خوفه العظيم هو من الله سبحانه وتعالى.
ويتجلى أثر ذلك حتى في مواقفه في المرحلة التي تحَرّك فيها، لو نستذكر جميعاً الظرف والواقع الذي بدأ فيه تحَرّكه الواسع بهذا المشروع القرآني العظيم، وموقفة المناهض والمعادي للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية على الأُمَّــة، لو تستذكر تلك المرحلة كيف كانت؟! كيف كانت هيبة الطاغوت؟!.
التحَرّك العالمي تحت قيادة أمريكا ولمصلحة إسرائيل، وما واكبه من إذعان وخضوع واستسلام مطلق في واقع الأُمَّــة إلا القليل القليل، والمخاوف الكبرى التي أثرت في نفوس الكثير من الناس على مستوى الشعوب، وحتى على مستوى النخب داخل تلك الشعوب، بل كانت حالة الخضوع، وحالة الخوف، وحالة الرهبة والشعور بالعجز كانت حالة الاستسلام هي الحالة الغالبة على معظم أبناء الأُمَّــة إلا القليل القليل.
أمام كُـلّ ذلك الطغيان والهجمة العالية بكل إمْكَانياتها، بكل عتادها، بكل قوتها، بكل هيبتها، بآلتها الإعلامية التي ضخمت أَيْـضاً من حجمها وزادت من هيبتها، وكان في تلك المرحلة أبياً عزيزاً صامداً ثابتاً لم يخش أحداً غير الله، ولم تأخذه في الله لومة لائم.
كانت شجاعة السيد حسين (رضوان الله عليه) شجاعة نادرة شجاعة مصبوغة بالرحمة والرأفة شجاعة يترافق معها الإنصاف والهدوء والحكمة ورباطة الجأش شجاعة خالية من العنف والقسوة التي عادة ما تصاحب الشجاع، شجاعة لم تكن تعرف إلا في المواقف التي تتطلب الشجاعة.
وقد عمل الأعداء على أن يطلعوا على حالة السيد النفسية وما تركته الحرب على نفسيته من خلال المقابلات التي أجريت مع السيد (رضوان الله عليه) والتي منها المقابلة مع شبكة الـ(بي بي سي).
الكرم، كان كرمه آية من الآيات التي حباه الله بها فقد كان كرمه متميزاً ليس فيما يقدمه لك من طعام متنوع وإنما في كيفية تقديمه لك في أجواء الكرم في الروحية التي تشعر بها وهو يكرمك فأنت عندما تكون ضيفاً لديه تشعر بأنك تشكل رقماً كَبيراً بما تلمسه من الاهتمام بك والعمل على راحتك.
لم يكن حاله كحال الكثير من الناس الذين يعيشون حالة الأنانية والانغلاق الشخصي، فلا يبالي عندما يرى معاناة الآخرين، إما؛ لأَنَّه يرى في الآخرين غيره، أَو يرى فيهم غير شعبه، أَو يرى فيهم غير طائفته، أَو يرى فيهم غير أسرته، فلا يبالي مهما كانت أَوجاعهم، مهما كانت مظلوميتهم، فالمهم عنده أن يكون هو على مستواه الشخصي على مستوى واقعه الأسري، أَو غيره يشعر بالأمن أَو يرى نفسه سليماً، لا، أما هو فقد كان كُـلّ حدث وكل مأساة تزيده ألماً وحزناً وأساً على واقع أُمَّـة جده، وتحرقاً على هذا الواقع، وشعوراً بضرورة التحَرّك لمواجهة هذا الواقع.
كان يتحلى بالكثير من المواصفات الإيمانية والخلق الرفيع والكمال الإنساني، ذكرنا لكم أبرز المواصفات التي كان معروفاً بها طوال حياته.
السمات البارزة للمرحلة التي تحَرّك فيها الشهيد القائد، غياب الحق وهيجان الطغيان ولقد كانت المرحلة التي بدأ فيها تحَرّكه وصدع فيها بالحق، كانت الشعوب العربية أكثر تحَرّكاً تحت راية أمريكا وإسرائيل، تحَرّك الكل تحَرّكاً عالميًّا لم يسبق له مثيل في تاريخ العالم، تحَرّك تحَرّكاً عالميًّا بقيادة أمريكا وإسرائيل، تحت هذه الراية الكافرة، راية الكفر، راية الطغيان، راية الفراعنة، راية المستكبرين، تحَرّكت دول العالم بإجماع غير مسبوق تحت تلك الراية وتحت ذلك اللواء بهيجان وبطغيان وباستكبار.