إن الحديث بوعي هذه الأيام ، هو حديث سياسي بامتياز ، فهو حديث عن استمرار الفشل و الفساد ، وعن تحدي مؤسسات الدولة للشرع والعـُرف والقانون ، وعن الاحتقان الجماهيري الذي يغذية ويسمّن عجوله العدو ، وعن توقع اشتعال فتنة لا يعلم مداها إلا الله ، أن شرع الله وأعراف الإنسان والقانون والسياسة والوعي تقول إنه في حالة الحرب مع عدو خارجي “أن الديمقراطية لا تصلح مع الانتهازيين والأنانين وثقافة الجهل المعرفي والتخلف العقلي ، ولا تملك ديمقراطية المحاصصة والشراكة السياسية معالجة كل تلك الأمراض و العاهات” ، الأمر يتطلب أن تتطهر الأرض أولاً من الأعشاب الضارة والحشرات السامة التي تعتاش وتتغذى من فواكه الفساد والفشل..
من المقولات الرائجة لدى أنظمة الشراكات والمحاصصات السياسية ومؤيديهم، أنه لا يوجد “بديل”، وربما نتفق جزئيًا معهم في عدم وجود بديل جاهز وقادر بالفعل، لكن من صنع هذه الحالة التي جعلت بلدًا تعداده فوق الثلاثين مليوناً ليس به شخص واحد جاهز ليكون البديل؟! هذه الحالة صنعتها حالة الخنق المستمرة للحياة السياسية، والحياة السياسية الطبيعية هي المسؤول الأول عن إيجاد البدائل، وبالتالي فعدم وجود بديل صنعه النظام ذاته، وليس عيبًا في تركيبة هذا الشعب، كما أن انتظار البديل الجاهز في ظل الخنق المستمر للحياة السياسية لن يحدث ، ومن هنا لن يكون أمام الشعب سوى المحاولة والخطأ، اختياراته لن تكون صحيحة على الدوام، ولن تكون خاطئة بشكل كامل، لكنها في النهاية هي التي ستخلق مع مرور الوقت وجود البديل القادر والمستعد، على مدار عقود أوقعتنا الأنظمة المستبدة في حفرة “عدم وجود بديل” وتطالبنا بعدم الخروج منها، لأن ذلك سيكون مكلفاً وصعباً وكارثياً، لكن السؤال: “هل هناك مسار آخر أكثر أمناً للخروج من مأزق هذه ” الحفرة “..
إن الخروج من مأزق هذه الحفرة الخبيثة يحتاج قدراً كبيراً من الشجاعة والتهور، لا الحكمة والتأمل، نحن نمتلك رؤية واضحة وصلبة لأهداف التغيير التاريخي المطلوب، يمكن تلخيصه في إسقاط دولة التبعية، وإنجاز الاستقلال السياسي والاقتصادي، على قاعدة الانتماء والولاء الايماني و الوطني والقومي ، توطئة لتوفير الشروط الموضوعية لدولة الوحدة الديمقراطية، والتأكيد على أن الصراع العربي الصهيوني صراع وجود لا صراع حدود، وأننا ضد التفاوض والصلح والاعتراف بالعدو الصهيوني ، وأننا ضد الرأسمالية في الاقتصاد وضد الليبرالية في السياسة ، وأننا نؤمن بالديمقراطية الشعبية، وليس بالتعددية الحزبية الشكلية التي تعمل على تقسيم الوطن و الأمة وإضعافهم أمام أعدائهم في الداخل الرجعي وممثلي الرأسمالية العالمية، وفي الخارج أمام قوى الاستعمار الحديث بكل أشكاله وأدواته وأساليبة..
إن الخروج من مأزق حفرة البديل، هو أننا نؤمن أن الجماهير الثورية هي صاحبة المصلحة ولابد أن تكون هي الضامن والمدافع الحقيقي عن عملية التغيير ، وبالتالي لابد من توفير آليات حقيقية وليست مصطنعة للرقابة والمتابعة والمحاسبة والعقاب، وأخيرا أن نكون ممتلئين بوعى تام أن الصراع الدائر يضم طرفان فقط، معسكر الحق وهو معسكر الأمة وجماهير ثورتها ، و معسكر الباطل وهو معسكر القوى المضادة للثورة، ولا ثالث لهما، وكل من يدعي عدم الانتماء لأحدهما كاذب يستهدف إبقاء الأوضاع كما هي عليه في مستنقع الفشل والفساد ، وعلى كل من يؤمن بهذه الرؤية تبنيها والدعوة إليها والبناء على أساسها، وطرح أساليبها وأدواتها، واقتراح آلياتها وفعالياتها، ورفع شعاراتها، يوما وراء يوم..
أقول قولي هذا والله ولي المؤمنين و المناضلين من أجل الحق والعدل والحرية والاستقلال..