كانت بريطانيا الراعي الأول للكيان الصهيوني وهي من زرعت بذرته الأولى عبر رعاية وتشجيع وتمويل الهجرات اليهودية إلى فلسطين، وأيضا بخداع وتضليل العرب وإيهامهم بأنها ستقف إلى جانبهم في ثورتهم ضد الدولة العثمانية وتحقيق حلمهم بقيام الدولة العربية الواحدة، وهو الحلم الذي لم يتحقق لأن بريطانيا كانت تخدع بعض العرب في ذات الوقت الذي كانت تعمل فيه على إنشاء أنظمة عربية موالين لها وخاصة في منطقة الخليج التي أوجدت فيها بريطانيا أنظمة تؤدي أدواراً عضوية تصب في خدمة أهدافها في الوطن العربي ومنها حماية الكيان الصهيوني الذي يستمد حتى اليوم شرعية وجوده من وجود أنظمة الخليج والدور العضوي التي تقوم به هذه الأنظمة الكرتونية وخاصة النظام (السعودي).
وقد أبدع المخطط الاستعماري حين زرع الصهاينة في فلسطين ومكنهم من السيطرة على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس العربية المحتلة، في ذات الوقت الذي مكن فيه نظام ( آل سعود) من السيطرة على مكة والمدينة وبالتالي أحكم الاستعمار قبضته على مقدسات المسلمين والمسيحيين، من خلال حلفاء أمناء يأتمرون بأوامره، فحال وجود الصهاينة في فلسطين بين الأمة وحلمها بالوحدة العربية، بذات الوقت الذي حالت فيه سيطرة نظام (آل سعود) بين وحدة المسلمين وتكاملهم..!!
لذا ليس غريبا أن يتأسس نظام (آل سعود) أولا ثم يتم الإعلان عن قيام (الكيان الصهيوني) بعد ذلك بسنوات، وبعد أن كانت بريطانيا قد مهدت الأرضية التي سبقت الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين في 15 مايو 1948م فيما كانت قد رعت قيام النظام السعودي عام 1936 م وبعد أن أخذت لندن تعهدا خطيا من أسرة آل سعود هو بمثابة تنازل عن فلسطين لبريطانيا مؤكدين في تعهدهم أن لا مانع لدي أسرة آل سعود أن تمنح بريطانيا فلسطين (لإخوانهم اليهود) أو لمن تراه مستحقا ملتزمين بتعهدهم بأن (لا يخرجوا عن طاعة بريطانيا حتى قيام الساعة).
تعهد آل سعود كان بمثابة الوثيقة التي استندت إليها بريطانيا والصهاينة والقوى الاستعمارية في شرعنة زراعة الكيان الصهيوني الاستيطاني في فلسطين قلب الأمة العربية والنطاق الجغرافي الذي يفصل المشرق العربي عن المغرب العربي جغرافيا، إذ لا يمكن التواصل برا على الجغرافية العربية لوجود عازل يفصل هذه الجغرافية عن تواصلها وهو الكيان الصهيوني..
في تلك المرحلة التي كانت تشهد إرهاصات قيام كيان الاحتلال، كانت الثورة في شبه القارة الهندية تعيش ذروتها بقيادة الثلاثي (غاندي _نهرو _محمد علي جناح)، وكان استقلال شبه القارة الهندية المترامية الأطراف بقيادة هذا الثلاثي بمثابة كارثة وجودية على القوى الاستعمارية وحلفائها، فأوكلت بريطانيا المهمة لكل من عبد العزيز آل سعود، والملك فاروق في مصر، وهما الثنائي الذين اقنعوا محمد علي جناح بالانفصال عن زملائه غاندي ونهرو، بعد أن تعهدا له الثنائي فاروق وعبد العزيز بالدعم الكامل له لإنشاء دولة إسلامية في باكستان وبرعاية بريطانية وأمريكا، وكانت هذه الخدمة السعودية تحديدا ردا على موقف بريطانيا ومساندتها لي آل سعود بدخول (مكة والمدينة) وذبح من فيها من (الهاشميين) والعرب والمسلمين الذين كانوا يعيشون في المدينتين المقدستين تحت حكم الشريف حسين الذي أنشأت له بريطانيا دولة الأردن، فيما منحت العراق لنجله فيصل وسوريا لنجله الثاني عبد الإله، كثمن عن خديعة بريطانية للرجل وأسرته التي حلمت بتوحيد الأمة فكان أن وجدت نفسها تساهم في تمزيقها..!! لذا وعلى خلفية ما سلف نعود ونؤكد أن تحرير فلسطين حدث وحلم نتطلع ويتطلع كل عربي ومسلم وكل حر في هذا العالم إلى تحقيقه، ولكن يصعب بل يستحيل تحقيق هذا الحلم ما لم تسقط الأنظمة العميلة للاستعمار والصهاينة وخاصة نظام آل سعود الحارس الأكبر والأكثر أمانة وإخلاصا للصهاينة والاستعمار..
نعم بدون تحرير الجزيرة ونجد والحجاز من أنظمة الذل والارتهان فإن فلسطين ستبقى وأهلها ومقدساتها يدفعون ثمن وجود هذه الأنظمة، وليس فلسطين وحسب بل كل المسلمين الذين تهفوا قلوبهم وأفئدتهم للأماكن المقدسة في مكة والمدينة التي يحرمهم منها نظام آل سعود ويحتكر زيارتها ويحتكر أداء المشاعر الإسلامية لملايين المسلمين..!!
إذ أن فلسطين وبكل معاناة أهلها لا تعني شيئاً يذكر لدى نظام آل سعود الذي لا يكترث بفلسطين ولا بالعروبة ولا بالإسلام وحتى المشاعر المقدسة في مكة والمدينة يتعامل معها وكأنها مرافق سياحية مثلها مثل (أهرامات الجيزة في مصر) أو (عرش بلقيس في اليمن)..!!
بدليل أن هذا النظام أفرغ هذه المشاعر من كل المعالم المقدسة من بيوت النبي وزوجاته وبيوت الصحابة ومقابرهم، وعمل على هدمها وتشييد أبراج زجاجية وفنادق للاستثمار وتسكين زوار بيت الله، أي أن هذا النظام حول المشاعر المقدسة إلى مشاريع استثمارية تدر له دخلا هائلا ينفقه على العربدة والعبث في (ملاهي وكازينوهات وطاولات القمار المنتشرة في مدن الغرب)..؟!
يتبع،،،