جمعة رجب

يكتبها اليوم / أحمد يحيى الديلمي

 

 

إلى ما قبل سنوات قليلة كان اليمنيون يحتفلون بجمعة رجب باعتبارها محطة إيمانية ثالثة بعد عيد الفطر والأضحى المباركين ، وكانت البيوت تستعد لهذه المناسبة كما تستعد للعيدين الكبيرين الواردين في التشريع الإلهي ، بما في ذلك ملابس الأطفال ، وقد احتفل اليمنيون بهذه المناسبة منذ زمن مبكر إلى جانب مناسبة أخرى تتم في الجند وكلها تتعلق بالإسلام ودخول اليمنيين إلى هذا الدين الحنيف ، أما جمعة رجب التي كان علماؤنا الإجلاء يرفضون أن نقول عنها عيد رجب وإنما جمعة رجب باعتبارها محطة إيمانية فاصلة نقلت اليمنيين من الكفر إلى عبادة الخالق سبحانه وتعالى ، وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعث إلى اليمن معاذ بن جبل إلى منطقة الجند في تعز وحقق بعض الإنجاز ، بينما الموفد الآخر وهو خالد بن الوليد ظل ستة أشهر يتنقل في مناطق اليمن واحدة تلو الأخرى ولم يحقق شيئاً ، وكأن اليمنيون على خلاف غير واضح مع من ينتمون إلى قريش ، فاضطر النبي عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام أن يوفد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام إلى صنعاء وكان نعم الموفد ، بالفعل فقد اجتمع أقيال همدان ، أقول همدان بالمعنى الكبير الذي كان يضم الثلاث القُبل بكيل وحاشد ومذحج ، أجتمعوا في السوق الذي سُمي بنفس المناسبة وهو سوق «الحلقة» ولا يزال حتى اليوم ، وتحلقوا جميعاً حول الإمام علي كرم الله وجهه ، وبمجرد أن تلا عليهم رسالة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله سلم صرخت الأفواه بالتكبير والشهادة بدخول الإسلام ، فكانت المناسبة عظيمة حيث أقام الإمام علي أول صلاة جمعة في اليمن في نفس المنطقة ، وبعد ذلك أسس لبناء مسجد صنعاء الكبير المقدس القائم حتى الآن بعكس الروايات التي تنسب المهمة إلى وبر بن يحمس ، فالأخير لم يقم إلا بتكملة ما شرع فيها الإمام علي عليه السلام وهذا ثابت في الكثير من المصادر .
أوردت كل هذا الكلام للرد على ذلك الذي لا أعتقد أنه يمني ولا يمت إلى الإسلام بصلة ، فلقد قال في إحدى القنوات المشبوهة إن الحوثي إبتدع جمعة رجب لطمس الهوية اليمنية ، ولا أدري بالنسبة له ما هي الهوية؟! إذا لم يكن الإسلام هوية اليمنيين، فما هي إذاً في نظره ؟! لكنه مصاب بداء الجهل ولا يعرف أن هذه الجمعة كما قُلنا معظمة وستظل وستبقى وسيحتفل بها اليمنيون إلى آخر الدهر ، لأنها كانت البوابة للدخول إلى الإسلام وعلى يد ذلك الإمام العظيم الإمام علي بن أبي طالب الذي أحب اليمنيين وكرمهم بأعظم وسام بالذات قبيلة همدان الجامعة ، حيث قال :
ولو كنت بواباً على باب جنةٍ لقلت لهمدان أدخلوا بسلامِ
وهذا دليل واضح على الحب التبادلي بين الإمام علي وأهل اليمن ، وهم حينما يحيون هذه المناسبة العظيمة في كل سنة إنما لكي يخلدوا ذكرى وقرت في القلوب واستقرت في الأذهان وهي ذكرى دخول اليمنيين إلى الإسلام التي كبر لها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وهو في المدينة، وقال كلمته المشهورة (أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة ) ومنحهم الوسام الآخر بقوله (الإيمان يمان والحكمة يمانية ) فهل يريد أمثال هؤلاء المشبوهين أن يغيروا الواقع ويفصلوا بين اليمنيين والإسلام لمنحهم هوية أخرى ، قد تكون بريطانية أو أمريكية أو يهودية ، وهذا لا يُستبعد عمن تخلوا عن مبادئهم وخرجوا من جلدتهم ، ولأمثاله أقول: سيظل اليمنيون يعتزون بهذا اليوم ويحتفلون به كل ما حل عليهم ، وغداً إن شاء الله ستقام الاحتفالات في كل مناطق اليمن كما كانت في الماضي ، فقد أقيمت حتى في المناطق الشافعية والصوفية ، وفي منطقة لحج ظلت تُقام حتى ما بعد الوحدة ، إلا أن النظام السابق ضاق ذرعاً باستمرارها وابتدع لها اسماً آخر جعل أهل يافع يقيمونها في السر ويحتفلون أمامه وأمام الموفد الذي يبعثه تحت يافطة الاسم الجديد ، تخيلوا أن تتحول مثل هذه المناسبات الخالدة إلى مجال للمماحكة وعدم الفهم ، مع أنها عظيمة وتدل على شيء عظيم وهي الدخول في الإسلام ، فهل يعقل أمثال هؤلاء!!؟
في الأخير نزف أسمى التهاني والتبريكات إلى قيادة المسيرة وأبناء شعبنا اليمني العظيم بهذه المناسبة العظيمة ، ونسأل الله أن يُعيدها علينا بالنصر والأمن والسلام ، والله من وراء القصد ..

قد يعجبك ايضا