أعتذر من كل قطرة دم شريفة سقطت على أرض الكرامة في فلسطين المحتلة من شهيد عظيم- لأني اضطررت أن أكتب كلمة إسرائيل، وكما يقال ( مُكرهٌ أخوك لا بطل )، فمنذ عقود من الزمن تعودت لساني أن لا تنطق إلا كلمة الكيان الصهيوني، وأناملي لا تكتب إلا نفس العبارة لكن التدهور الكبير الذي حدث في هذا الجانب يضطرنا إلى أن ننطق بالفاحشة رغم الثوابت التي نؤمن بها والتي تعلمناها خلال مؤتمرات التضامن مع الشعب الفلسطيني حتى خارج نطاق الجغرافيا العربية، وكان أهم ثابتة تعودنا عليها أن نقول دائماً دولة الكيان الصهيوني ولا ننطق بسواها أو نكتب غيرها، لكنها اليوم تحولت إلى مجرد نكتة بعد أن دخلت اليهودة إلى صدور من يدّعون أنهم عرب وأصبحوا يدافعون عن هذا الكيان أكثر من دفاعه عن نفسه، فمن يُشاهد قنوات مثل الحدث والعربية والجزيرة يترحم أو يحمد للـ بي بي سي وكل قنوات العدو الصهيوني أنها أكثر عطفاً على هذا الشعب المظلوم، أما هذه القنوات المشبوهة فهي للأسف تتسابق على تقديم المعلومة لإسرائيل وكأنها وُجِدَتْ من أجل هذا الشأن، وكثيراً ما نسمع عن خبر تعلنه هذه القنوات يدل على تواجد جنود من حزب الله في سوريا أو على تمركز القوات السورية البطلة أو على تعزيزات قوات المقاومة في غزة والضفة الغربية وكأنها مكلفة بأن تتابع هذا الشأن لكي تلتقطه دولة الكيان الصهيوني وتتعامل معه بأسلوبها الهمجي السافر، وكم من الشهداء ذهبوا في فلسطين المحتلة وسوريا الشقيقة بسبب إخباريات هذه القنوات التي تحولت إلى بوق ينطق باسم دولة الكيان الصهيوني، وكم كانت المهزلة شديدة على النفوس ونحن نستمع إلى قنوات ما يُسمى بدويلة الإمارات العربية المتحدة وهي تتشفى بضربة العدو الصهيوني لمطار دمشق، وكأن دمشق هذه هي العدو، تخيلوا كيف كنا وكيف أصبحنا !! كُنا بالأمس لا نقبل الحديث عن أدنى واقعة تحل في أي قطر عربي، بل ونتابع باهتمام الأحداث في أي دولة عربية لأنها تهمنا وما تسببه من مشاكل تصيب أبناء جلدتنا، هكذا كانت العروبة وهكذا كان المسلمون أيضاً يتعاطفون مع بعضهم البعض ويضعون القضية الفلسطينية في مقدمة الاهتمامات، وأخبارها تتصدر النشرات والبرامج المعلنة من الإذاعات والتلفزيونات العربية وتأخذ مساحة في ترويسات الصحف التي كانت عربية بالفعل، أما هذا الكم الزائف من القنوات والإذاعات العبرية فإنها تُبشر بمستقبل مظلم لهذه الأمة إن لم تتحرك وتقاوم هذا الصلف وهذا الانحدار الكبير في القيم والأخلاق .
كما قلت.. بدت قنوات الإمارات وقطر وكأنهما غاضبتان جداً من مجرد الحديث عن تقارب بين تركيا وسوريا، ولم تحركا ساكناً عندما حدث التقارب بين تركيا ودولة الكيان الصهيوني وزار رئيس هذا الكيان تركيا، ألم أقل لكم أن المقاييس تغيرت !! وأن كل شيء بات يخدم دولة العدو الصهيوني بتوجيهات من أم الجميع أمريكا !! من يعتبرونها الحامية الكبرى لهم، غير متعظين بما جرى ويجري من أحداث لا تزال تتوالى وتؤكد أن زمن وجود هذه الأمريكا بدأ ينصرم وأن هناك شبه اتفاق غير معلن بين الدول على إزاحة هذه الدولة المتغطرسة من الصدارة وإيجاد نظام دولي جديد وكما قيل ( اتفقوا كلهم حتى الدول الكبرى باتت تتجه نحو هذا الاتجاه إلا أنهم اختلفوا على من يعلق الجرس )، صحيح أن هذا الجرس سيُكلف خسارة كبيرة بالذات في الجانب البشري، إلا أن زمنه أصبح وشيكاً والعالم كله يئن والجراحات تنزف وأمريكا لا تزال على غيها مستمرة في الغطرسة والكبر وعدم الاعتراف بحق الشعوب المغلوبة على أمرها وفي المقدمة الشعب العربي الفلسطيني، للأسف هذا الحال يعجب كثيراً دول الخليج وتتغنى به وكأنه إنجاز ذاتي لها، بل إن الإمارات باتت تهتم بأخبار دولة الكيان الصهيوني أكثر من اهتمامها بأخبارها الذاتية، فالأمور وصلت إلى حد لا يُطاق ولا يمكن احتماله، وهؤلاء أصحاب المشالح لم يشكروا النعمة التي أعطاهم الله سبحانه وتعالى ويسخروها لخدمة قضايا الأمة، بل أصبحت مسخرة ضد العرب والأمة الإسلامية وفي صالح دولة الكيان الصهيوني، وكأن الزنانير تدلت من تحت العقالات وأصبحت هي المسيطرة على الجميع .
لكن هذه الأيام الكئيبة السوداء بات وجودها قصيراً، وكيان الأمة يتحرك وإذا تحرك سيتمثل زلزالاً كبيراً يعصف بكل شيء ولن نحتاج حينها إلى جرس لأن صرخات الأمة ستكون أعظم جرس يُخرس آذان هؤلاء المجرمين، وليس ذلك على الله ببعيد، والله من وراء القصد..
أحمد يحيى الديلمي