عرف التاريخ البشري منذ الأزل نماذج وأشكالا مختلفة من المرتزقة وباعة الأوطان والمستخدَمين من قبل الأعداء ضد أوطانهم وشعوبهم، وتتحفنا المراجع بقصص وروايات عن هؤلاء الأشخاص غريبي الأطوار وعن مآلتهم الأليمة والمصائر المخزية التي انتهوا إليها.
-ترجِّح المصادر التاريخية أن أول ظهور للمرتزقة بشكل موثّق كان في مصر القديمة عام 2500 قبل الميلاد، وظل استخدامهم من قبل الدول والأنظمة وحتى الجيوش النظامية ساري المفعول منذ حقبة الفراعنة الموغلة في القدم وإلى يومنا، مستغلّين في ذلك مبدأهم القائم على الحصول على المال والمال فقط، ولو على حساب المصالح السياسية أو الإنسانية أو الأخلاقية لبلدانهم وشعوبهم.
-في العصر الحديث جاء تعريف المرتزق في الملحق الأول الإضافي “المتعلّق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلّحة”، إلى اتفاقيات جنيف الموقعة عام 1949م، وهي أول اتفاقية دولية تتناول بالتحديد موضوع المرتزقة، بأن “المرتزق” هو أي شخص يجرى تجنيده خصيصًا – محليًا أو في الخارج – ليقاتل في نزاع مسلح أو يشارك فعلاً ومباشرة في الأعمال العدائية.
-وصف الفيلسوف النمساوي مارتن بوبر المرتزقة بأنهم “أشخاص بلا وطن، حيث انفصلوا عن صلاتهم الوطنية واتحدّوا في رحلات مشتركة من أجل الرعب والنهب”.
-انتقلت سياسة استخدام المرتزقة من مصر إلى باقي أنحاء العالم القديم ومن ثم توارثتها الأمم بعد ذلك، ليشهد التاريخ الإنساني في مراحل عديدة أنماطا شتى من المرتزقة رافعي شعار ” نقتل أكثر لمن يدفع أكثر”.
– سئل أدولف هتلر، الزعيم الألماني الشهير، عن أحقر الناس الذين قابلهم في حياته، فأجاب: أولئك الذين ساعدوني على احتلال بلدانهم. كما رُوي عنه رفضه استقبالهم أو مصافحتهم، وإنما أمر أن تُلقى إليهم الأموال عن بُعد، وكان بذلك أكثر رحمة من زعيم التتار هولاكو الذي كان يجازي المرتزقة بالقتل عند نهاية خدمتهم، وكذلك فعل القادة السابقون واللاحقون مع جحافل المرتزقة في كل زمان ومكان، ليحصدوا اللعنات وسوء المصير.
-الأمثلة في التاريخ القديم والمعاصر كثيرة، و لا نستطيع حصرها في هذه العجالة عن مصائر المرتزقة والعملاء وسوء منقلباتهم، منذ قصة الأعرابي أبو رغال الذي قدّم خدماته لأبرهة الحبشي وأرشده إلى مكان الكعبة وما كان من أمره، واللعنات التي لا تزال تُكال عليه حتى اللحظة ومرورا بمرتزقة الجزائر والعراق وفلسطين وفيتنام وأفغانستان وغيرها، لكن، وكما يُقال فإن الشيء بالشيء يُذكر وما نريد قوله والتأكيد عليه هنا، أن النسخة الراهنة لمرتزقة اليمن – القابعين في ما يسمى بحكومة الشرعية وغيرها من الكيانات والمسميات التي استحدثها المحتل السعودي والاماراتي والأمريكي والبريطاني في المناطق المحتلة – تبقى الأسوأ على مرّ الزمان.
-مرتزقتنا غير، بماركة خاصة صارت حصريا عليهم، فهم يحملون مسميات رسمية ويتبوأون مناصب قيادية، لكن المحتّل لا يتردد في إهانتهم وقتلهم والتنكيل بهم وإصدار أوامره بأن يقتل بعضهم بعضا، وهم لايزالون في قلب مهامهم لتسهيل سيطرته على مقدرات البلد وثرواته ومكاسبه وخيرات أبنائه ولا يجيدون أو بالأصح لا يستطيعون إلّا تمجيد المحتل والثناء على فضله ومناقبه، والتسابق المجنون لتنفيذ أوامره، ولو كان فيها هلاكهم وفناء الوطن وشعبه.
-لم يعد يحتاج التحالف السعودي الإماراتي – لتنفيذ مخططاته ومؤامراته الاستعمارية البغيضة – دفع المزيد من الأموال لجيوب المرتزقة وإنما فقط إصدار الأوامر على غرار أوامره خلال الساعات الماضية لحكومة الارتزاق بتسليم قاعدة العند العسكرية في لحج للمرتزقة السودانيين وتعطيل وتدمير ميناء عدن حتى لا يشكّل أي إزعاج على النشاط الملاحي لموانئهم، وغير ذلك الكثير والكثير من الوقائع والأحداث التي نشاهدها يوميا وتثبت تفرّد مرتزقة اليمن الحاليين على نظرائهم في الأزمنة الغابرة والمعاصرة!!