خليل المعلمي
قليل من المؤلفات التي تجذب القارئ وتأخذه إلى عوالم مختلفة يتجول بخياله في أجوائها ويتعرف على مكوناتها، بل وتشعره بحميمية مع محتويات الكتاب، ويعتبر كتاب «رؤية يمنية في أدب الرحلات» للسفير عبدالوهاب العمراني من المؤلفات التي تشد القارئ بما تحتويه من معارف ومعلومات عن أدب الرحلات، وقد اعتبره العديد من النقاد والكتاب أول كتاب تناول بهذه الشمولية نطاقاً واسعاً من الدول والأماكن التي شملتها تلك المشاهدات أو في أدب الرحلات جانب نظري حيث، تضمنت مقدمة الكتاب طرفاً من تاريخ أدب الرحلات عند العرب وغيرهم منذ أقدم العصور وحتى عصرنا الحاضر، كما يحسب له أنه أوجز في هذا السياق دور اليمنيين في هذا الجنس من الكتابة.
قيم متعددة
ولا شك أن قراءة كتب الرحلات هي رحلة في ذاتها بما له من قيمة ترفيهية وتثقيفية تثير فضول القاطنين وتستثير معارف المرتحلين، فهي تختزل التنوع جغرافية وثقافة ولغات كما تبرز التعدد والتفاصيل وقد ظهرت صورة الرحالة طالباً وكاتباً باحثاً وموظفاً دبلوماسياً وقد لا يكتفي غالباً بالمشاهدة والملاحظة العابرة بل يذهب إلى القراءة والتأويل مذهب يوسع من مدارك المعرفة المباشرة التي يريد تقاسمها مع قارئه.
يجول بنا الدبلوماسي المؤلف من خلال سطور الكتاب برحلة في أصقاع متنوعة من العالم: بغداد، اسطنبول، أصفهان، تاج محل، جزر الملايو، سنغافورة، ثم يذهب بنا غرباً إلى المغرب الاقصى ويجول بنا في أزقة ومساجد فاس ومكناس وبوابات مراكش ويصعد بنا إلى مدن الأندلس غرناطة وقرطبة واشبيلية وغيرها فضلاً عن مدريد تلك الحواضر العريقة التي يفوح منها عبق التاريخ العربي والإسلامي ثم يصعد بنا شمالاً إلى باريس بألقها ورقتها وبروكسل عاصمة أوروبا ثم يختتم الرحلات في أقدم المدائن وأجلها عاصمة الإغريق.
أهمية الترحال
وفي تقديم للكتاب يقول الدكتور عبدالعزيز المقالح: هناك أكثر من إشارة إلى أهمية الترحال وإلى ضرورة أن يكون الرحالة واعياً لهدفه باحثاً في البلدان التي يزورها –كما يقول- عن القيمة والمعنى، وليس عن التسلية وشغل القارئ بالسطحي من الأمور وهذا ما يؤكد أنه كان قد استعد لذلك بقراءة قائمة من كتب الرحلات القديمة منها والحديثة ليتمكن في رحلاته الشرقية والغربية من تمثل القيمة والمعنى لهذه الرحلات، واعتقد أنه نجح إلى حد بعيد فجاءت رحلاته حقيقةً لأهدافه، كما جاءت لغة الكتاب بديعة تلقائياً خالية من التكليف والتصنع يمكن للقارئ متابعتها بسلاسة ويسر، وكلما قطع جزءاً من الكتاب زاد شوقه إلى استكمال بقية الأجزاء، وبوصفي واحداً من أوائل قرائه أتمنى أن يواصل المؤلف كتاباته عن أسفاره الجديدة بالمستوى الأدبي الراقي وإخلاص الأديب المبدع.
ويضيف: يجد القارئ لهذا الكتاب المسؤوليات التي يجب أن يقوم بها الدبلوماسي في أن يكون همزة وصل بين بلده وبلد اعتماده في نطاق مهمته الدبلوماسية لكنه مطالب أن يكون ترجماناً بين الثقافات ينقل من هذه إلى تلك ومن تلك إلى هذه في نتاج قابل للتداول والبقاء وقابل أن يتطور بتحول الأيام وتواليها.
للكتاب قصتان
ويقول المؤلف في مقدمة الكتاب: إن لكل كتاب قصة، أما هذا الكتاب فله قصتان جانب شخصي وآخر أدبي، فالأول يتمثل في ذكريات عن رحلات متفرقة بدأت حلقاتها منذ نحو خمسة وثلاثين عاماً مضت ولطالما راودتني أحلامي بأن تتحول يوماً ما إلى كتاب بعد أن نشر القليل منه على شكل مقالات في هذه الصحيفة أو تلك.. ويؤكد المؤلف أن ظروف دراسته في الخارج قد ساعدته على معرفة بعض البلدان عندما غادر صنعاء أواخر السبعينيات ومنها تمكن من زيارة مدن عربية وأوروبية ومن ثم عمل في السلك الدبلوماسي منذ منتصف الثمانينيات والذي فتح له آفاقا أرحب لمعرفة عدد لابأس به من البلدان من شرق آسيا وبلدان عربية وأفريقية وأوروبية وحتى كندا وأمريكا.
أما الجانب الثاني وهو الجانب الأدبي فيقول المؤلف: أملي أن تثمر كتابة وتدوين مشاهداتي وانطباعاتي محاكاة لأدب الرحلات بغض النظر عن شكله أو مضمونه ولا أدعي مجاراة أعلام أدب الرحلات الأوائل أو المعاصرين ولا أنكر تأثري واعجابي بهم واستفادتي بشكل أو بآخر بمن كتبوا في هذا المجال ولإيماني بأن كتابة قصص الرحلات لا ينبغي أن تكون مجرد وصف نمطي أو سرد للرحلة فحسب بل الوقوف والتأمل في محطات زمنية ومكانية بحثاً وتمحيصاً في التاريخ والجغرافيا والبحث عما وراء الأسباب.
ويؤكد المؤلف أن محتويات الكتاب تشكل رحلة أدبية فكرية نمت مع تنامي شخصيته منذ مراحل الشباب الأولى قبل العشرين حتى الخمسينيات من عمره أراد لها أن ترى النور عبر هذه السطور لتحمل الهم الجمعي بكل صوره، فهي رحلة فكرية بطابع اجتماعي وعمق تأريخي.
ويشير المؤلف إلى أن زياراته كانت تتكرر للكثير من الدول والمدن فكان يزور المدينة في السبعينيات ويعيد زيارتها بعد أكثر من عقدين أو ثلاثة وبالطبع يجد الاختلاف في شكل المدينة وفي حياة الناس وطباعهم، خاصة الدول العربية ودول أوروبا الشرقية التي خضعت لعقود تحت السيطرة الشيوعية.
أدب الرحلات
لقد حظي أدب الرحلات باهتمام كبير قديما وحديثاً عرفه العرب وبلدان الشرق ثم انتشر عند الغرب بعد اكتشافاتهم خارج القارة الاوروبية، وتعتبر الرحلات أو قراءتها من أوسع أبواب المعرفة والثقافة الإنسانية لكشف المجهول والوصول إلى الغاية والمعرفة والإحاطة بالعادات والتقاليد والتعريف بأوصاف البلدان الطبيعية ومناخاتها كما أنها مصدر للمؤرخ والجغرافي والاجتماعي وفيها قدوة وأسوة لمن يريد أن يعتبر ويتأمل فقد فطر الله الإنسان على حب الاستطلاع واكتشاف المجهول.
وتكمن أهمية الكتاب الذي بين أيدينا في أنه قد نجح في أن يجمع بين المنزع التقريري والمنزع التفسيري من ناحية وبين الوجهة الأدبية والوجهة الإعلامية من ناحية ثانية، كما جمع بين الملاحظة الفردية والرأي العام المشهور، والخاطرة المرتجلة والمعلومة الموثقة. وبالتالي فإن قراءة متأنية له تبوؤه موضعاً وسطاً بين أدب الرحلات والجغرافيا الثقافية والخواطر الذاتية. باعتبار أن الجغرافيا الثقافية تقربه من الاختصاص العلمي التقريري بما يتضمنه من معلومات فكرية وأدبية وفنية وتاريخية وسياسية واقتصادية وسياحية وأدب الرحلات يشده إليه بما انطوى عليه من وصف وعرض ولغة. وقد تبدت الذات في حركتها المتنقلة في الزمان والمكان ولا خلها في توجيه المعلومة والرأي.
أوسع أبواب المعرفة
تعتبر الرحلات أو قراءتها من أوسع أبواب المعرفة والثقافة الإنسانية لكشف المجهول والوصول إلى الغاية، والمعرفة والإحاطة بالعادات والتقاليد والتعريف بأوصاف البلدان الطبيعية ومناخاتها، كما أنها مصدر للمؤرخ والجغرافي والاجتماعي، وفيها قدوة وأسوة لمن يريد أن يعتبر ويتأمل.. فقد فطر الله الإنسان على حب الاستطلاع واكتشاف المجهول.
وأدب الرحلات عند العرب غني بتراثه منذ أكثر من ألف سنة مضت، بل وتعود بداياته التوثيقية إلى مطلع القرن الثاني الهجري فعندما توسعت الفتوحات الإسلامية وأصبحت حدود الدولة الإسلامية تمتد من الهند والصين شرقاً إلى مياه الأطلسي غرباً ومن آسيا الوسطى وجبال القوقاز شمالاً إلى الصحراء الإفريقية الكبرى جنوباً. ووجد الفاتحون أمامهم آفاق عوالم جديدة تزاحمت فيها الغرائب والعجائب واختلفت فيها الألسن وتلونت المشاهد الطبيعية وتغايرت الأقوام والشعوب بعد أن كانوا حبيسي جزيرتهم وصحاريهم، وأثارت هذه العوالم في نفوس الفاتحين مكامن الاطلاع وحب المعرفة، وسرعان ما انطلقت جموع الرحالين والمستكشفين والعلماء والتجار نحو هذه الآفاق، وخلال بضعة قرون من السنين تراكمت نصوص هذا الأدب وتكونت في نهاية العصور الإسلامية الوسيطة مكتبة أدبية جغرافية عظيمة تعتبر في أيامنا واحدة من أندر وأثمن كنوز تراثنا العربي الإسلامي، ولعل من أقدم نماذجه الذاتية في القرن الثالث الهجري وفي عهد الدولة العباسية كانت رحلة (سليمان السيرافي) بحراً الى المحيط الهندي ورحلته للهند والصين وآسيا الوسطى، ورحلة (سلام الترجمان) إلى جبال القوقاز وبحر قزوين بتكليف من الخليفة العباسي الواثق بالله.
دور اليمنيين في أدب الرحلات
وقد تطرق المؤلف إلى دور اليمنيين في إثراء أدب الرحلات واستعرض عدداً من أشهر الأعلام في هذا المجال وقد وثق هذا الدور الأستاذ عبدالله الحبشي في كتابه «الرحالة اليمنيون شرقاً وغرباً» حيث ألقى الضوء على دور عدد من الرحالة اليمنيين في كثير من البلدان العربية والافريقية والآسيوية ومنهم الرحالة الأديب عمارة اليمني، والأديب العلامة محمد الحبشي وغيرهم..
لم يشأ المؤلف أن يقوم بتقسيم الكتاب إلى أبواب أو فصول ولكنه فضل أن يعنون محتوياته بأسماء المناطق التي قام بزيارتها مع ذكر وصف لهذه المدينة أو ذلك القطر، حيث يصف لنا المعالم التاريخية والحضارية التي تزخر بها تلك المدن وتاريخها وأوصافها وطبيعة سكانها وبيئتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وتناول من خلال ذلك القضايا الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية والسياسية.