القدس يعد قبلة المسلمين الأولى، ويتمتع بقدسية في قلوب كل من آمن بالله رباً وبالاسلام دينا، لهذا أدركت إسرائيل خطورة المسجد الأقصى وأهمية السيطرة عليه وتدميره متناسية أن القدسية للمكان وليست للمبنى فقط.. وقد ابتدعت الحركة الصهيونية والاحتلال عدة أساليب وطرق من أجل تحقيق الطموحات الصهيونية في تهويد القدس.
الثورة / أمين العبيدي
وكم هي الأساليب والطرق التي اتخذتها إسرائيل من أجل تحقيق طموحاتهم بتقسيم المسجد الأقصى، كخطوة على طريق التخلص منه، فزعموا وجود معبد يهودي أسفل منه (الهيكل المزعوم)؛ واستعانوا بفتاوى حاخامية ونصوصً دينية صممت خصّيصًا لربط يهود العالم بأرض ليس لتاريخهم الحقيقي صلة بها.
وقد اتخذت دولة الاحتلال عدة إجراءات على مدى العقود الماضية التي أعقبت ضم شرقي القدس إلى كيانها عام 1967م؛ فشرعت بإصدار سلسلة من القوانين والأنظمة التي طالت كل جوانب المدينة الإسلامية المقدسة ببشرها وحجرها وشجرها ومقابرها ومساجدها ومعالمها، لتغيير الملامح الإسلامية والفلسطينية التي تشكل دلائل دامغة على التاريخ الحقيقي لهذه المدينة؛ سعيًا منها لتهويد المكان وتزوير الحقائق رغم عدم العثور على ما يربط اليهود بها إلا في أدمغة قادة الاحتلال ومتطرفيه وأجياله الحديثة التي ولدت بعد الاحتلال وعايشت ادعاءاته، فسيطر على عقولها التزوير والحلم السادي الذي نسجه غلاة الصهاينة بدهاء محكم.
ومنذ تاريخ وقوع الشطر الشرقي لمدينة القدس في قبضة الاحتلال الصهيوني في حزيران 1967م، واصل المحتل غيه وسعيه المحموم والحثيث لمحو الخارطة الحضارية والدينية لمدينة القدس عامة والمسجد الأقصى خاصة، في تحد لا يعبأ بمشاعر أبناء الديانتين الإسلامية والمسيحية، ولا يحترم القرارات الدولية التي صدرت عن منظمة الأمم المتحدة، فعبث بمحيط المسجد وباطن أرضه، ونكل بقاصديه والمدافعين عنه، واقتحم ساحاته ودنسها بإقامة حفلات الرقص والمجون؛ ومنع الوصول إليه والصلاة فيه؛ وصار مقصدًا لمن أراد من قادة الاحتلال أن يشحن الأجواء لارتكاب المجازر، كما فعل أرئيل شارون في 28 سبتمبر 2000م، ما أشعل فتيل الانتفاضة الشعبية.
ومنذ احتلال القدس، والاحتلال يصعد اعتداءاته على المسجد الأقصى المبارك ويحيك الأساليب الحاقدة للتخلص منه. ولم تترك هذه الأساليب حيلة إلا واتبعتها؛ واتخذت أبعادًا رسمية وغير رسمية؛ ففي يوم الخميس21 أغسطس 1969م الموافق 8 جمادى الآخرة 1389ه أقدم رجل أسترالي صهيوني “دينيس مايكل”، وبدعم من العصابات اليهودية المغتصبة، على إحراق المسجد الأقصى؛ فالتهمت النيران جزءًا كبيرًا منه وأتت على منبر نور الدين زنكي. وقد أدان العالم أجمع هذا الحادث الإجرامي، وتأسست على إثره “منظمة المؤتمر الإسلامي” عام 1971م.
ولم تكن هذه الجريمة حدثًا عابرًا، بل كانت خطوة على طريق مخادع ممنهج اتخذته سلطات الاحتلال بحق مدينة القدس والمسجد الأقصى؛ فقد شرعت بالحفر سرًا في محيط المسجد الأقصى المبارك؛ ما أدى إلى تخريب العديد من الآثار والأوقاف العربية والإسلامية المحيطة به، ودمرت الطبقات الأرضية التاريخية في المكان؛ فحاصرته بنحو 100 كنيس ومنشأة تهويدية، أقيم بعضها تحت الأرض، لإيهام العالم بصحة الرواية الصهيونية المختلقة. وقد تجاوزت هذه الحفريات أسوار المسجد المبارك، ووصلت إلى سبيل الكأس في ساحاته الجنوبية وأدت إلى حدوث تشققات في السور؛ وسبيل قايتباي في ساحاته الغربية، وأدت إلى هدم جزء كبير التلة الأثرية، واكتشفت غرفاً تقود إلى داخل المسجد المبارك؛ كما أدت إلى تساقط بعض الأشجار في ساحات المسجد الغربية، ووقوع انهيارات في هذه الساحات، وتصدع منازل المقدسيين المقامة فوقه.
وفرض الاحتلال سياسة منع بمقتضاها أعمال الصيانة الدورية لمباني المسجد المبارك، وتركيب البلاط وأعمدة الإنارة وتجديد شبكة الكهرباء. كما منع تعمير مبانيه وترميمها؛ بعد أن تنبه لنجاح فلسطينيي القدس والداخل الفلسطيني في ترميم أجزاء من التسويات الأرضية الواقعة تحت سطحه، وتحويلها إلى مصليات؛ كإصلاح المصلى المرواني ومصلى الأقصى القديم.
أما الاعتداءات الصهيونية على المصلين، فقد كان أبرزها مذبحة الأقصى الأولى التي حدثت في تمام الساعة 10:30 من صبيحة يوم الاثنين الموافق 10 أكتوبر من عام 1990م، قبيل صلاة الظهر؛ إثر قيام متطرفي ما يسمى بـ”جماعة أمناء جبل الهيكل” بوضع حجر الأساس لما يسمى للهيكل الثالث في ساحة المسجد الأقصى؛ ما استثار أهل القدس الذين هبوا لمنع ذلك؛ فتدخل على الفور جنود الاحتلال الإسرائيلي الموجودون في ساحات المسجد، وأمطروا المصلين بالرصاص دون تمييز؛ ما أدى إلى استشهاد 21 مصلياً، وإصابة 150 بجروح، واعتقال 270 شخصاً.
تواصلت اقتحامات سلطات الاحتلال والمستوطنين للمسجد الأقصى ومنع المصلين من الوصول اليه، بهدف فرض سيطرة الاحتلال على ما فوق سطح المسجد، فبعد استيلاء سلطات الاحتلال على مفاتيح باب المغاربة، دأبوا على إدخال المستوطنين وغير المسلمين منه إلى ساحات المسجد الأقصى الداخلية، دون إذن دائرة الأوقاف الإسلامية. وقد استمرت هذه الاقتحامات في تصاعد مستمر منذ الاقتحام الذي نفذه أرئيل شارون في 28 سبتمبر 2000م، والذي أدى إلى اندلاع الانتفاضة الثانية.
وتهدف هذه الاقتحامات إلى فرض وجود يهودي في ساحات المسجد الأقصى، تمهيدًا لفصلها عن باقي المسجد المبارك؛ لتقسيمه زمانيًا ومكانيًاعلى غرار ما حدث في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل.
واستكمالا لمسلسل تهويد مدينة القدس والمسجد الأقصى؛ لم تكتف سلطات الاحتلال بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987م بمنع سكان الضفة الغربية وقطاع غزة من دخول المدينة لأداء طقوسهم الدينية ؛ الا في أوقات ومناسبات نادرة، ووفق شروط وقيود محددة خاصة؛ بل سارعت وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000م إلى نصب المزيد من الحواجز في محيط المدينة المقدسة؛ ثم بناء جدار الفصل العنصري عام 2003م؛ لتبعدهم بذلك عن أبرز مقدساتهم تحت حجج وذرائع أمنية واهية؛ مع الاستمرار في خلق زخم داعم لفرض دخول اليهود وغلاة المستوطنين للصلاة في ما يسميه الاحتلال بـ”جبل المعبد”.
بُعيد احتلال إسرائيل لمدينة القدس الشرقية في 1967م، أقرت حكومتها بمسؤولية دائرة الأوقاف الإسلامية عن إدارة شؤون المسجد الأقصى.
وفي حينه، تم اعتبار ذلك استمرارا للوضع التاريخي والقانوني القائم الذي ساد في المسجد الأقصى منذ العهد العثماني.
ولكن في 15 يونيو 1967م، أقام الحاخام الأكبر للجيش الإسرائيلي شلومو غورن، وخمسون من أتباعه، صلاة توراتية في ساحة المسجد.
واستمرت محاولات الشرطة الإسرائيلية، التدخل في شؤون المسجد الأقصى من خلال فرض القيود على دائرة الأوقاف الإسلامية، التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، وبخاصة عمليات ترميم المسجد.
وفي 14 أغسطس 1979م، حاولت جماعة “غرشون سلمون” الاستيطانية اقتحام المسجد الأقصى، بعد أيام من طلبها من المحكمة العليا الإسرائيلية السماح بصلوات اليهود في المسجد، ولكنّ المصلين المسلمين أفشلوا الاقتحام.
وفي 13 يناير 1981م، اقتحم أفراد حركة “أمناء جبل الهيكل” المسجد الأقصى.
وفي 11 أبريل 1982م، اقتحم الجندي الإسرائيلي هاري غودمان المسجد، وأطلق النار على المصلين ما أدى إلى مقتل فلسطينيين اثنين وإصابة العشرات.
وفي 27 يوليو 1982م، تم اعتقال أحد نشطاء حركة “كاخ” المحظورة، بتهمة التخطيط لنسف مصلى قبة الصخرة.
وفي 10 مارس 1983م، تم اعتقال مجموعة من المستوطنين، لدى محاولتهم التسلل إلى المسجد ليلا.
وفي 9 أغسطس 1989، سمحت الشرطة الإسرائيلية للمتطرفين بأداء الصلوات عند الأبواب الخارجية للمسجد الأقصى.
وفي 8 أكتوبر 1990م، قُتل 21 فلسطينيا وأصيب المئات في مجزرة داخل المسجد الأقصى، أثناء تصديهم للمستوطنين، الذين أعلنوا نيتهم وضع حجر الأساس لبناء الهيكل الثالث داخل المسجد.
وشهدت السنوات ما بين 1990 إلى 1999م العديد من الاقتحامات من قبل متطرفين، للمسجد.
وفي 25 سبتمبر 1996م، أعلنت الحكومة الإسرائيلية افتتاح نفق أسفل الجدار الغربي للمسجد الأقصى، ما فجّر ما عُرف بـ”هبّة النفق”، في الأراضي الفلسطينية.
وعلى إثر اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون في 28 سبتمبر 2000م، للمسجد، ما أدى إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، فقد أوقفت دائرة الأوقاف الإسلامية برنامج زيارات غير المسلمين إلى المسجد.
ولكن في أبريل 2003م، اتخذت الحكومة الإسرائيلية قرارا أحادي الجانب بفتح المسجد الأقصى أمام اقتحامات المستوطنين رغم احتجاجات ورفض دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس.
وفي 2015م تصاعدت دعوات اليمين الإسرائيلي، للتقسيم الزماني والمكاني، للمسجد الأقصى بين المسلمين واليهود.
في ديسمبر 2016م، سمحت الشرطة الإسرائيلية لمتطرفين باقتحام الأقصى، حفاة الأقدام وبلباس المتدينين.
وفي خطوة غير مسبوقة، أغلقت الشرطة الإسرائيلية يومي 14 و15 يوليو 2017م أبواب المسجد الأقصى بشكل كامل.
وفي أكتوبر 2021م، سمحت محكمة الصلح الإسرائيلية بما سمتها “الصلاة الصامتة” في المسجد.
وفي 22 مايو 2022م، أصدرت محكمة الصلح الإسرائيلية بالقدس، حكما أوليا بالسماح للمستوطنين بأداء صلواتهم التلمودية بـ”صوت عالٍ” والقيام بما يشبه الركوع أثناء اقتحامهم لباحات المسجد.
وتقول الحكومة الإسرائيلية إنه “لا يوجد أي تغيير في الوضع القائم في الحرم الشريف، ولا يُخطَط للقيام به».
غير أن الهيئات والمرجعيات الدينية في القدس تقول إن الحكومة الإسرائيلية تنتهك الوضع القانوني والتاريخي القائم بالمسجد الأقصى.