نُصِّب علي عبدالله صالح رئيسا على اليمن في 1978/ م ، بعد انقلاب دموي ضد الرئيس إبراهيم الحمدي بإشراف ومباشرة سعودية عبر ملحقها العسكري في صنعاء صالح الهديان في العام 1977/م ، شارك صالح في تنفيذ الانقلاب الدموي ومعه أحمد الغشمي الذي لقي حتفه لاحقا بتفجير غامض.
لم يكن صالح يحظى بأي شعبية في الجيش ولا في الأوساط السياسية ولا حتى القبلية لتولي منصب وزير ، لكن السعودية نصبته رئيسا على اليمن لثلاثة وثلاثين عاما «1978- 2012»م ، صالح حكم اليمن بالحروب وشراء الولاءات بالأموال والمناصب وبالتصفيات الجسدية للسياسيين والمعارضين ، ولولا التدخل السعودي والضعف الذي اتسم به أداء الحزبيين والنخب اليمنية لما استمر صالح لعام واحد في كرسي الرئاسة.
لم يكن علي عبدالله صالح رجلا عسكريا معروفا بين الضباط اليمنيين قبل تنصيبه بدعم الرياض رئيسا على اليمن ، فهو لم يتخرج من مدرسة أو كلية عسكرية ، بل ولم يكن يحمل أي مؤهلات تعليمية ، إذ لم يتلق أي تعليم نظامي في حياته ولهذا يعرف بأنه جاهل لا يقرأ ولا يكتب ، وحين صُعِّد إلى الرئاسة في يوليو 1978 وجد صعوبة في قراءة اليمين الدستوري «خطاب التنصيب» أمام ما عرف بمجلس الشعب التأسيسي حينها ، ليرمي بورقة الخطاب ويقول لأعضاء مجلس الشعب «أنا أتعهد لكم بكل شيء».
منذ اللحظة الأولى لمقتل أحمد الغشمي باشرت السعودية الاتصال بأعضاء مجلس الشعب في صنعاء وبالسياسيين والمشايخ والقيادات العسكرية للموافقة على تنصيب صالح رئيسا ، دفعت أموالا طائلة للكثير مقابل شراء موافقتهم بل وهددت المعترضين.
السعودية التي تتدخل في اليمن منذ عقود وجدت في علي عبدالله صالح بغيتها التي تبحث عنها ، فقد دفعت السعودية الأموال ومارست التهديدات لتصعيد صالح رئيسا على اليمن عام 1978/م.
في العام 2011 اندلعت ثورة الشباب الشعبية لتطالب علي صالح بالتنحي ، ظل صالح يرفض مطالب الشعب اليمني متمسكا بما عرف عنه «لن نسلم السلطة إلا إلى أيادي أمينة» ، ويقصد بالأيادي الأمينة السعودية أو من تختاره بدلا عنه في الموقع الذي نصبته فيه في العام 1978.
يحتكم ال سعود إلى وصية الملك المؤسس عبدالعزيز ونصها «عزكم من ذل اليمن، وذلكم من عز اليمن» يراجع الملوك السعوديون هذه الوصية كاستراتيجية يحتكمون إليها في تعاطيهم مع اليمن ، النهج العدائي الذي اتبعه آل سعود تجاه اليمن وإلى الآن هي الترجمة الحرفية للوصية نفسها.
حَمَلَ الرئيس إبراهيم الحمدي مشروع بناء وطني للجيش والسيادة والتنمية، وحين صعد إبراهيم الحمدي إلى سدة الرئاسة دُقَ ناقوس الخطر في الرياض رغم أن الحمدي لم يكن يتبنى مواقف متطرفة تجاه المملكة، لكن مشروعه لليمن اعتبرته السعودية تهديدا مصيريا لها، وهذه مشكلة السعودية مع اليمن ومع الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي ومع أي زعيم في اليمن يتجه ذات المنحى.
نفذت السعودية تصفية واغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي وهو الذي حظي بشعبية يمنية واسعة وقام بأدوار مهمة في البناء والتنمية والسيادة الوطنية، ومن حينها تحكمت السعودية باليمن وجعلت منها حديقة خلفية.
منذ اللحظة الأولى لمقتل أحمد الغشمي باشرت السعودية الاتصال بأعضاء مجلس الشعب في صنعاء وبالسياسيين والمشايخ والقيادات العسكرية للموافقة على تنصيب صالح رئيسا ، دفعت أموالا طائلة للكثير مقابل شراء موافقتهم بل وهددت المعارضين بالتصفية.
بعد مقتل أحمد الغشمي في العام 1978 ، قال الأمير السعودي سلطان بن عبدالعزيز «يجب أن يتولى الرئاسة في اليمن جاهل وعسكري شاويش» ، فوقع الاختيار السعودي على «علي عبدالله صالح» الذي حكم اليمن لثلاثة وثلاثين عاما بالرشوة والولاءات والحروب والتبعية للسعودية.
لم يكن أحد موافقا على رئاسة صالح بما في ذلك الشيخ عبدالله الأحمر، الذي جرى استدعاؤه على عجل إلى الرياض ليعود منها بالموافقة على رئاسة صالح.
كل من كان يعرف صالح كان يسخر من أحاديث تصعيده رئيسا على اليمن ، ويروى أن صالح نفسه ذهب إلى اللواء المرحوم حسين شرف الكبسي الذي كان من أحد اهم قادة ثورة 26 سبتمبر، ليخبره بأنه يفكر في أن يتولي الرئاسة وأن ثمة من يقول أنه مناسب لها.. طالبا منه المساندة ، رد الكبسي «هذه قدهي مخناثة».
وعلى رغم أن صالح لم يكن يحظى بالحد الأدنى من معايير أن يكون ضابطا عاديا، لكنه طابق المعايير التي وضعتها السعودية لمن ترى وجوب تنصيبه رئيسا على اليمن ، فهو الجاهل الذي لا يقرأ ولا يكتب ، وهو العسكري الشاويش الذي لم يتخرج من أي كلية عسكرية ، وهو ممن شاركوا في اغتيال وتصفية الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، الذي اعتبرته السعودية خصمها اللدود لما كان يحمله من مشروع وطني صاعد.
هذه المواصفات التي وجدت في صالح ضمنت من خلاله السعودية إبقاء اليمن حديقة خلفية منزوعة السيادة والتنمية ، ومن خلاله أبقت اليمن رهن السعودية ورهن الفقر والتخلف والضعف، وتلك أمور تعتبرها المملكة أساس بقائها احتكاما لمنطق الوصية التاريخية، وبالفعل لم يكن صالح رئيسا لليمنيين ولا لليمن ، فقد جاءت به السعودية وحين نصبته دفعت الأموال لمن يصوت بالموافقة ، وأرسلت التهديدات إلى من يعترض.
وصل صالح إلى سدة الرئاسة بالترهيب والترغيب السعودي ، ودخل القصر بعد انقلاب دموي كان هو أحد أركانه ، صعد في 17 يوليو 1978 ، ومنذ حينها ظل وفيا للسعودية يعمل لها ، واضعا كل مفاصل الدولة اليمنية تحت وصايتها ورهنا لها، أما داخليا فقد مارس اللعب على التناقضات وشراء الولاءات وضرب الخصوم ، وصنع مجده بالحروب الأهلية الداخلية والتصفيات والسجون والإخفاء القسري.
في العام 1978- أي بعد ثلاثة أشهر من تنصيبه رئيسا- قام بإعدام عشرات الناصريين ، وكذلك فعل بالقوى اليسارية السياسية إجمالًا بعد أكتوبر 78 ، فقد مارس عمليات تصفية واعتقالات وإعدامات وإخفاء قسري في السجون لقياداتها وكوادرها.
وبعد عام من تنصيبه «1979»م ، أشعل صالح ما عرف بحرب المناطق الوسطى ، وقد اتخذ قرار الحرب بحضور الملحق العسكري السعودي صالح الهديان والسفير السعودي أيضا حينها ، وتلقى التمويل والدعم من السعودية والأوامر منها أيضا.
في 22 مايو/ أيار 1990م، وبعد لقاءات وحوارات طويلة ، أعلن عن قيام الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب ، وقعها صالح عن الشمال وعلي سالم البيض من الجنوب ، لم يجف حبر اتفاق الوحدة إلا وبدأ صالح بتصفية الاشتراكيين بالاغتيالات، حرب التصفية الممنهجة لقيادات وأعضاء الحزب الاشتراكي التي نفذها صالح خلال عامي 1991 -1994، تجاوز ضحاياها الخمسمائة ضحية ، وفي صيف 1994 ، فجر صالح حرب اجتياح الجنوب وبها قضى على حلم الوحدة وأسقطه أرضا.
منذ العام 2000 م ، سمح صالح للقوات الأمريكية بشن غارات جوية بواسطة طائرات من دون طيار على اليمن ، وغالبا ما كانت الغارات تسفر عن سقوط مواطنين أبرياء ، بل وصل الأمر إلى درجة أن صالح سمح لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية للعمل من اليمن كمحطة إقليمية مقابل الحصول على أموال أمريكية.
في العام 2004 أشعل صالح الحرب على محافظة صعدة بدفع أمريكي ودعم لا محدود من السعودية ، سقط الآلاف من اليمنيين ضحايا للحرب بين قتلى وجرحى دمرت صعدة وسفيان، فقد شهدت عدة حروب استمرت حتى العام 2010 م ، بموازاة ذلك كان صالح ينكل بالحراك الجنوبي في عدن والمحافظات الجنوبية ، ويقمع المظاهرات السلمية ، ويغذي حروب القبائل في الجوف وفي مارب وفي حجة وفي كل محافظات اليمن ، يدعم قبيلة ضد أخرى ، ثم يدعم الأخيرة ضد من دعمها أولا، وهكذا يدير البلاد ويغذي الحروب ليبقي اليمن رهينة للسعودية وكما ترغب في يمن ضعيف وهش.
حين انطلقت ثورة الشباب في فبراير رفض علي عبدالله صالح الاستجابة لمطالب الشعب اليمني ، وهدد بالحرب الأهلية وقتل المتظاهرين في الساحات بكل وحشية، وشهدت ساحات الثورة مذابح بشعة ارتكبها علي صالح ، وظل صالح يرفض التنحي استجابة لمطالب الثورة ، ورافضا تسليم السلطة إلا إلى أيدي أمينة.
كان صالح يعي بأن الأيدي الأمينة هي السعودية أو من تنصبه السعودية رئيسا خلفا له ، وبالفعل ذهب صالح إلى الرياض وهناك وبحضور الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز وقع على التنحي ليعيد الرئاسة إلى السعودية ومن خلالها إلى من اختارته خلفا له ، وتلك الصورة أعاد فيها صالح السلطة التي تسلمها من السعودية في العام 1978 ، إليها في العام 2012م.
قبل بداية العدوان على اليمن في 26 مارس 2015 ، بيومين فقط، أرسل صالح نجله أحمد إلى الرياض ليلتقي محمد بن سلمان ، كشفت قناة العربية أن نجل صالح عرض على محمد بن سلمان نقاطاً أربع ، رفع العقوبات عن صالح ، وتثبيت الحصانة له.. ولأمانة النقل سأضع هنا ما نشرته قناة العربية حينها لفحوى لقاء نجل صالح مع محمد بن سلمان.
«قبل يومين من إطلاق عملية عاصفة الحزم، وصل أحمد علي عبدالله صالح إلى الرياض بعد أن طلب لقاء القيادة السعودية، وفي استقباله كان الفريق أول ركن يوسف الإدريسي نائب رئيس الاستخبارات السعودية، لينتقلا إلى مكتب وزير الدفاع محمد بن سلمان».
جلس محمد بن سلمان مستمعاً إلى فحوى ملفين جلبهما ابن صالح لعرضهما على السعودية، الملف الأول احتوى على مطالب صالح ونجله، أولها رفع العقوبات المفروضة على والده من قبل مجلس الأمن الدولي ، والتي شملت منعه من السفر، وجمدت أصوله المالية، ومنعت الشركات الأمريكية من التعامل معه ، طلب أيضاً تأكيد الحصانة عليه وعلى والده، التي اكتسبها من اتفاق المبادرة الخليجية القاضية بخروجه من السلطة ، كما طلب بوقف الحملات الإعلامية ضد والده.
عند هذه النقطة أغلق نجل صالح ملف الطلبات، ليفتح الملف الآخر الذي تعهد فيه نيابة عن والده في حال تحقيق المطالب بعدة أمور، يأتي في مقدمها، الانقلاب على التحالف مع «أنصار الله»، وتحريك خمسة آلاف من قوات الأمن الخاصة الذين يوالون صالح لمقاتلة «أنصار الله»، وكذلك دفع مئة ألف من الحرس الجمهوري لمحاربة اللجان الشعبية الذين وصفهم نجل صالح «مليشيات الحوثي وطردهم» ، عاد نجل صالح إلى الإمارات»، فقد اعتبر ابن سلمان عرض صالح خدعة لم يثق بها.
لكن صالح الذي أظهر وقوفه ضد العدوان الأجنبي ظل على اتصال وتواصل مباشر مع الإماراتيين ، وجدت في منازله ملفات تواصله مع الإمارات التي كان يركز فيها على طلب رفع العقوبات ، عارضا بشكل مستمر جهوزيته للقتال مع تحالف العدوان ضد أنصار الله ، وكمن يضع رجلاً في صنعاء وأخرى في الرياض وأبو ظبي ، ظل صالح يعرض خدماته للإماراتيين ويعزز من نقاط حضوره وحظوته لدى السعوديين.
في أغسطس 2016 ظهرت قيادات مؤتمرية مقربة من صالح وهي تزور أبو ظبي وتلتقي بنجل صالح أحمد، الذي كان يدعي بأنه تحت الإقامة الجبرية ، وفي هذه الزيارة وقع عارف الزوكا والعواضي- ومن كانوا ضمن الوفد- اتفاقا من عدة بنود مع دويلة الإمارات ، كان اللقاء مع أنور قرقاش الوزير الإماراتي ، كان المحضر الذي نشرت صورته لاحقا ضمن كتاب «الفتنة» الصادر عن التوجيه المعنوي، يتضمن التزام صالح للإمارات على أن يعمل ضد القوى الوطنية في صنعاء وأن ينقلب عليها وأن يعيد اليمن إلى سابقه بعلاقاته مع السعودية والإمارات.
لم تنقطع تواصلات صالح مع الإماراتيين الذين وعدوه بإقناع السعوديين بالموافقة على مطالب صالح مقابل تحركه لإسقاط صنعاء من داخلها.
في منتصف العام 2017م، ظهر محمد بن سلمان في مقابلة مع قناة العربية قائلا «إن علي عبدالله صالح محاصر ولو استطاع الخروج إلى مكان آخر لكانت له مواقف سياسية غير تلك التي يظهر بها في الخطابات».. أي أنه سيكون مع التحالف ، حديث محمد بن سلمان كان إشارة ضمنية بالرضى السعودي عن علي عبدالله صالح ، حاول صالح خلال الأشهر من مايو حتى أكتوبر 2017 مغادرة اليمن مرارا لكن الباب أوصد أمامه في كل محاولة ، حتى جاءت محاولة الهروب الأخيرة في أكتوبر من العام نفسه ، قبل الفتنة بأسبوعين فقط.
في 13 أكتوبر وصلت طائرة روسية إلى صنعاء وفيها مجموعة خبراء ، قيل إن الطائرة تحمل فريقا طبيا وصل لمعالجة علي عبدالله صالح أرسله بوتين.
لم يكن الأمر كذلك فحسب، بل قال صالح في لقاء تلفزيوني مع قناة اليمن اليوم في 17 أكتوبر 2017، إنه تلقى دعوة من أحد المعاهد الروسية لحضور مؤتمر الطاولة المستديرة لمناقشة محطتين، المحطة الأولى: الإرهاب وكيف يتم مواجهة الإرهاب، المحطة الثانية، هي: كيف خروج اليمن من هذه الأزمة ومن الحرب الدائرة في اليمن”.. مضيفا أن هذه الدعوة محل دراسة وبحث ، الأمر ذاته كان قد تحدث به محمد بن سلمان في لقاء تلفزيوني مع شبكة أم بي سي، حين أشار إلى وجود موقف مغاير من التحالف لعلي عبدالله صالح عن الموقف المعلن في صنعاء ، وقال ابن سلمان: لو لم يكن صالح تحت سيطرة الحوثي لكان موقفه مختلفاً تماما عن موقفه اليوم؟ اليوم قد يكون مجبراً على مواقفه.
وصول الوفد الروسي تحت مسمى الفريق الطبي كانت محاولة لإخراج علي عبدالله صالح من اليمن ، وأتت في سياق المخطط ذاته ، إذ أن الفريق الروسي وصل بتسهيل من تحالف العدوان وتحت إشرافه ، كما أنه لم يكن فريقا طبيا بل كان فريقاً ينقل رسائل ويرتب لسفر صالح.
اتفقت السعودية مع صالح على أن يذهب ليعلن مبادرة كان قد أشار ابن سلمان إليها في فحوى كلامه مع الإم بي سي ، كان الاتفاق يقضي بأن تسقط العقوبات عن صالح، على أن يقدم مبادرة سياسية أعدتها السعودية ويعلنها باسمه وباسم المؤتمر.
وصل صالح إلى مقر السفارة الروسية وقبيل موعد مغادرته بساعات قليلة حدث تدخل من أعلى هرم قيادي في صنعاء أوقفه عن السفر.
الإعلان الذي كان من المقرر أن يطلقه صالح في 24 أغسطس وفشل فيه حينما واجه مواقف حاسمة من قبل الرئيس الصماد حينها، هو نفسه الذي كان مقررا إطلاقه بعد خروجه من صنعاء.
وهو في حقيقته لم يكن مبادرة سياسية ولا موقفاً وطنياً، بل كانت صيغة سعودية انقسامية لإشعال المعركة وسط العاصمة صنعاء التي ستنخر الجبهة الداخلية وتسلم صنعاء لتحالف العدوان ، ومضامينه هي ذات المضامين التي تضمنها خطاب صالح الخياني يوم الثاني من ديسمبر 2017.
بعد محاولته الهروب إلى الخارج عبر السفارة والطائرة الروسيتين ، حصل لقاء عبر دائرة تلفزيونية مباشرة بين علي عبدالله صالح وبين السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي ، وفيها واجه صالح ما واجهه من انكشاف مفضوح ، إذ عرض عليه السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي المخطط الذي يعمل صالح على تنفيذه ، وأبلغه بأن هذا الأمر خطير جدا على الجبهة الداخلية ، وحذره من مغبة ذلك ، وفي نهاية اللقاء تعهد صالح أنه سيتوقف عن ذلك ، وطلب مبلغا ماليا مقابلا ، حصل على مائتين مليون ريال في نفس اليوم لما أسماه دفع رواتب حراسته وأعضاء حزبه.. والمثير أن المخطط نفسه الذي كان مكشوفا وقد سمعه صالح من السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي لم يتغير في ديسمبر شيئا.
منذ يومه الأول ظل صالح يلعب بمربعات الموت وينتقل من مربع إلى آخر، حيث أصبحت الساحة كلها مربعات خصوم ، المهم أن ترضى السعودية عنه ، في الثاني من ديسمبر عام 2017، دعا إلى حرب شوارع من الطاقة إلى الطاقة ، ودعا إلى انتفاضة في صنعاء ضد «أنصار الله» ، وإلى تمرد في المؤسسات ضد حكومة الإنقاذ والمجلس السياسي الأعلى ، ودعا إلى وقف الحرب مع تحالف العدوان والانسحاب من الجبهات ، وأعلن خيانته للبلاد وللشعب اليمني ومد يده للعدوان بشكل واضح.
وقبل أن تشتعل المعركة من الطاقة للطاقة كما أرادها علي عبدالله صالح لإسقاط القلعة من الداخل، كان الأبطال قد حسموا المعركة بقتله كرأس حربة الخيانة مع كبار معاونيه، ففي 2 ديسمبر ألقى خطابه الأخير ، وفي مساء 3 ديسمبر باتت ثكنته في الثنية محاصرة من كل الجهات ، وفي صباح الرابع من ديسمبر خرج بموكبه المدرع فارا من الثنية تحت تغطية من الطيران السعودي الإماراتي الذي كثف قصف نقاط التفتيش وتمشيط الطرقات لمرور موكب صالح.
الموكب المكون من ثلاث سيارات مدرعة صباح الرابع من ديسمبر 2017، واصل طريقه تحت غطاء جوي كثيف من طائرات التحالف حتى وصل منطقة ضبر خيرة بمديرية سنحان جنوب العاصمة صنعاء ، وهناك واجه كمينا محكما نصبه مجموعة من قيادات الجيش واللجان الشعبية من خلال قطع الطريق أمام سياراته بصخور كبيرة عجز الموكب عن المرور وحوصر بتمركز قتالي في عدد من التبات.
قبل ذلك كان الموكب قد اجتاز كمائن عدة ، غير أن الطريق أغلقت في ضبر خيرة أمامه ، ترجل من السيارة وبدأ يطلق النار مرتجلا محاولا الهروب إلى إحدى الشعاب ، لكنه أردي قتيلا في المكان ليطوي معه سجلا أسود ودمويا.
أحدث مقتله صدمة مفزعة لتحالف العدوان الذي ما استوى نظره تجاه صنعاء حتى فقد رأس الحربة ، وتأكد أن صنعاء حصينة وبعيدة المنال ، وبمقتله انكسرت إحدى ركائز السعودية في إذلال ودوس اليمن تاريخيا ، نهاية صالح ذلك اليوم طوت معها 4 عقود كاملة من الفوضى والحروب والاستزلام والتبعية والارتهان للخارج ، وازيح عن اليمن شبح الحروب الأهلية وفصول الإخضاع والانصياع للسعودية.
الحديث عن علي عبدالله صالح طويل جدا ، فساده الذي وصف دوليا بأنه من أخطر مافيات الفساد في العالم ، جعل اليمن في مصاف الدول الأشد فقرا في العالم ، انحطاطه الأخلاقي ومتاجرته بالخمور والدعارة أغرق اليمن في بؤر الانحلال والتفاهات ، عمالته للخارج جعلت اليمن محكوما بالوصايات الأجنبية.
ما وضعته في هذه المقالة هي مقاربة تاريخية لمراحل حكم علي عبدالله صالح ، وسرد مختصر لسيرة حاكم نصبته السعودية بأموالها ونفوذها ، وحين غضبت عليه حاول إرضاءها بإسقاط اليمن تحت احتلالها ، والأخطر من كل ذلك أن صالح كان يعمل- عن وعي وعمد- على تدمير منظومة القيم والأخلاق لدى المجتمع ، وحديث ذلك يطول جدا.
رئيس التحرير